يواجه الطبقية والعنصرية والمرأة.. تحديات البطل الرياضي في السينما المصرية | فن


على أغنية “شايلك في قلبي وفاكرك في مصر.. صوتك بيعصر في قلبي عصر”، يتدرب بطل الملاكمة المصري محمد حسن (أحمد زكي) في صالات الملاكمة في ألمانيا، في تأكيد أن البطل الذي قرر احتراف الملاكمة في أوروبا لا يزال يتذكر وطنه كلما تدرب وكلما حقق نصرا في فيلمه الشهير “النمر الأسود”.

يواجه البطل المصري الأسمر قوي البنية العنصرية في ألمانيا، لكن ذلك لا يزيده إلا تصميما على احتراف الملاكمة ليصبح بطلا.

ينتمي الفيلم المستوحى من قصة حقيقية لثيمة الصعود الشهيرة، كيف يبدأ البطل بأبسط المهن وأقل الأجور في بداية رحلة اغترابه في المجتمع الغربي، وكيف يرتقي سلم الصعود درجة درجة لتحقيق حلمه، رغم كل ما يواجهه من تحديات، كما يرسخ الفيلم لقيمة الانتماء للوطن، حيث لا ينسى البطل وطنه أبدا في الغربة ويظل يتتبع أخبارها ويحقق البطولات من أجلها.

وشجع النجاح الفني والجماهيري للفيلم بطله أحمد زكي للاهتمام الخاص بالرياضة في أفلام لاحقة قدمها مع أهم مخرجي عصره، لتسهم هذه الأفلام في نشر هذه الرياضات في مصر، وتزكية الحلم القومي بتحقيق الميداليات الأولمبية والعالمية.

ساحات الملاكمة الشعبية

قدم خيري بشارة مع أحمد زكي فيلم “كابوريا” في بداية التسعينيات، أكثر الأفلام المصرية واقعية في تقديم عالم الرياضيين البسطاء أبطال ساحات الملاكمة الشعبية الذين يجرون وراء حلم الميدالية الأولمبية التي قد يتحقق معها الثراء.

كما يدخل بنا الفيلم سباق المراهنات في قصور الأثرياء، حيث يخوض الملاكم هدهد مغامرة أخرى بحثا عن المال، ببساطة لأنه يريد من يرعاه ويساعده على تحقيق الحلم البعيد في الوصول للعالمية.

وحقق الفيلم نجاحا تجاريا كبيرا، لكنه نجاح أثار استياء زكي، لأن كثيرا من الشباب قلدوا طريقة تصفيف شعر البطل “حسن هدهد”، وانتشرت كموضة سميت باسم الفيلم، بينما لم يصل للجمهور رسالة الفيلم الأهم عن المعاناة التي يواجهها أبطال الملاكمة، وبحثهم عن أي سبيل للدعم سواء من الحكومة أو الأثرياء.

وعاد أحمد زكي لتقديم شخصية الملاكم مرة أخرى في فيلمه “البطل” (1998) من إخراج مجدي أحمد علي وكتابة مدحت العدل. ضاعت شخصية الملاكم وسط حبكات فرعية تناولها السيناريو، حتى وجدنا البطل في النهاية يدخل منافسات أولمبياد أمستردام 1928، ويحقق النصر.

لم يحقق الفيلم النجاح، حيث لم يظهر زكي بنفس الرشاقة التي قدم بها “كابوريا” قبل 8 سنوات، كما أن أجواء الفيلم في زمن ثورة 1919 بدت بعيدة عن الجمهور الذي تعلق بالموجة السينمائية الجديدة.

بوستر فيلم غريب في بيتي
بوستر فيلم غريب في بيتي (الجزيرة)

الشغف بالكاراتيه

في فيلم “مستر كاراتيه” (1993)، يقدم زكي مع المخرج محمد خان شخصية صلاح الشاب القروي المهمش عاشق لعبة الكاراتيه يمثل ويضرب ويغني ويركض، يستلهم حركات أشهر لاعبي الكاراتيه العالميين الذين اعتاد رؤية معاركهم على شرائط الفيديو، يرقص مرتديا زي الكاراتيه فوق جسر قاهري.

مثّل هذا الفيلم طموحات هذا الجيل من شباب التسعينيات في ممارسة هذه الألعاب الرياضية العنيفة، حيث تنتشر نوادي الفيديو التي توزع شرائط الألعاب القتالية، وتنتشر أفلام الحركة التي يقوم بها فاندام وجاكي شان، لكن زكي في الفيلم يبقى مجرد شاب حالم، لا يحترف اللعبة فعلا، يظل مهمشا يدافع عن الفقراء ويتصدى لتجار المخدرات بكل ما أوتي من قوة.

بطل مصاب

حتى عندما قدم زكي ببراعة شخصية محامي قضايا التعويضات الفاسد في فيلمه “ضد الحكومة” (1992)، نرى الحافز الأهم الذي يغير حياته كلها هو الحادث الذي أقعد ابنه سيف، وحوله من بطل الجمهورية في رياضة التايكوندو إلى مصاب لا يمكنه أبدا أن يعود لرياضته المفضلة.

يرصد هذا الفيلم الجريء كيف يمكن أن يتسبب الفساد في قتل الأبرياء وتحطيم طموحات الأطفال وبينهم الرياضيون، وكم يبدو عسيرا أن يستبدل الرياضي بشغفه رياضة أخرى حتى لو أقعدته الإصابة، نرى سيف لا يزال يشاهد مباريات التايكوندو ويرفض لعب الشطرنج.

حلم العمر

في تجربة جريئة قدم السبكي منتجا مع الفنان حمادة هلال والمخرج وائل إحسان فيلمهم “حلم العمر”، ليجسد هلال دور ملاكم شاب ببراعة لم يتوقعها الجمهور الذي اعتاد منه الأدوار الرومانسية في أفلام عاطفية كوميدية.

تميز الفيلم في إبراز العلاقات الإنسانية في حياة البطل، أمه التي تدعمه بكل شيء، والضغوط التي يواجهها البطل سواء لابتعاد عن فتاته أو لتحقيق حلمه، والدور الكبير الذي يلعبه المدرب في حياة البطل، ليبرهن أن وراء مجد البطل يقف هؤلاء الأشخاص القريبون حوله والذين يدفعونه نحو القمة.

كرة القدم أولا

في الوقت الذي سيطرت الملاكمة على أدوار أحمد زكي الرياضية، كان منافسوه من كبار نجوم السينما المصرية يقدمون أدوار لاعبي كرة القدم.

قدم عادل إمام دور لاعب كرة قدم شهير في النادي الأهلي بفيلم “رجل فقد عقله” أو لاعب كرة (شراب) في الساحات الشعبية في فيلم “الحريف”، كما قدم نور الشريف دور لاعب كرة القدم في نادي الزمالك في فيلم “غريب في بيتي”، وكلها أفلام تنتمي للنصف الأول من الثمانينيات، ثم عادت السينما لتقديم حلم مصر في التأهل لكأس العالم في فيلم “العالمي” (2009) من بطولة يوسف الشريف.

بوستر فيلم الحريف
بوستر فيلم الحريف (الجزيرة)

فتيات حمل الأثقال

تناولت المخرجة مي زايد قصص بطلات رفع الأثقال المصريات في فيلمها الوثائقي “عاش يا كابتن” (2020)، حيث يتتبع الفيلم البطلة أسماء رمضان، التي تحلم أن تحقق إنجازا ذهبيا يفخر به أبناء حيها الشعبي في مدينة الإسكندرية، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا وعرضه مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، وكأنه رسالة احتفاء بالبطلة الرياضية المصرية، التي تجاهلتها السينما الروائية المصرية، واحتفت بها السينما الوثائقية.

نرى كيف تمارس الفتيات هذه الرياضة الصعبة في الشارع دون أي إمكانيات، ودون أي دعم حكومي، فقط هناك الأحلام الكبيرة وكابتن رمضان -والد الفتاة- الذي يمضي ساعات طويلة يدربها ويدرب غيرها من فتيات حمل الأثقال من أجل حلم الميدالية الذهبية، وخلف المجهود الخرافي وعرق البطلات تبدو علاقة فريدة لأب بابنته وزميلاتها.

الغطس وعالم المغامرات

كما مرت السينما أيضا على رياضة الغطس، أشهرها الدور الذي قدمه عادل إمام في فيلم “جزيرة الشيطان”، وعامر منيب في “الغواص”، وآخرها فيلم “ماكو”، وكلها أفلام ركزت على عالم المغامرة في أعماق البحار أكثر مما استعرضت الغطس كرياضة.

موضة

الملاحظ أن هذه الأفلام أفادت الجمهور في التعرف على عالم هذه الرياضات، وأسهمت بشكل ما في انتشار مدارس تعليمية لبعض هذه الرياضات في الأندية بمحافظات مصر، وإن حملت تأثيرا سلبيا أحيانا كما حدث مع زكي في فيلم “كابوريا”، وتسببه في انتشار موضة حلقة الشعر الغريبة بين جيل المراهقين والشباب أوائل التسعينيات.

الطبقية والمرأة

يرى الناقد أحمد عصام الشماع أن البطل الرياضي في السينما مرتبط بالبطل الشعبي المطحون، الذي ينتمي لطبقة اجتماعية فقيرة، يرتبط صعوده في عالم الرياضة بصعوده الطبقي، وتكون الطبقية هي أشرس عدو يواجهه، ومهما ارتقى طبقيا وذاع صيته، يتم النظر إليه كشخص من بيئة اجتماعية أدنى.

ويضيف الشماع -في حديثه للجزيرة نت- أن المرأة هي ثاني أهم التحديات التي يواجهها البطل في السينما، حيث يبدو دورها في إغواء البطل، كي يفقد قدراته الرياضية الخاصة، وظهرت الطبقية والمرأة في أفلام الملاكمة مثل “كابوريا” و”حلم العمر”، وبعض أفلام كرة القدم مثل “غريب في بيتي” و”العالمي”، بينما استبدل فيلم “النمر الأسود” العنصرية بالطبقية.

ويؤكد الشماع أن صورة البطل غالبا إيجابية، فهو نموذج للشخص المكافح الذي يسعى لتغيير ظروفه للأفضل، وتجعل الجمهور يتعاطف معه، ويتوحد مع البطل، وقد تشجعهم للسعي للالتحاق بالرياضات المختلفة.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post آمبر هيرد تدفع مليون دولار لـ جوني ديب بعد عام من قضية التشهير
Next post بالصور.. معالم نيويورك تختفي تحت دخان حرائق كندا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading