طهران- تنفيذا لاتفاقها مع السعودية بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما افتتحت إيران رسميا سفارتها لدى الرياض اليوم الثلاثاء، وتم فرش السجاد الأحمر في طهران لاستقبال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، لإعادة فتح الممثليات الدبلوماسية السعودية لدى إيران.
وأعلنت الخارجية الإيرانية أمس الاثنين أن السفارة الإيرانية في الرياض والقنصلية العامة الإيرانية في جدة وممثلية إيران الدائمة لدى منظمة التعاون الإسلامي سيتم إعادة فتحها رسميا اعتبارا من يومي الثلاثاء والأربعاء السادس والسابع من يونيو/حزيران الحالي.
والتقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يوم الجمعة الماضي في كيب تاون بجنوب أفريقيا على هامش اجتماع “بريكس”، مؤكدا أنه سيزور طهران قريبا تلبية للدعوة الموجهة إليه.
كما ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن الضيف السعودي سيحمل رسالة من الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بشأن تعزيز وتوسيع العلاقات الثنائية بين البلدين.
يأتي ذلك بعد نحو 3 أشهر على إعلان طهران والرياض في العاشر من مارس/آذار الماضي اتفاقهما على إنهاء القطيعة التي استمرت 7 سنوات واستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما خلال شهرين، وذلك عقب مباحثات برعاية صينية في بكين.
ملفات إقليمية وبداية جديدة
وفي طهران، لقيت خطوة إعادة فتح السفارة الإيرانية في السعودية ترحيبا واسعا لدى الأوساط الإيرانية باعتبارها تشكل “منعطفا عمليا للانتقال من القطيعة إلى تطبيع العلاقات”، كما وصفها مراقبون إيرانيون بأنها “حدث تاريخي سيؤثر إيجابيا على أمن المنطقة واستقرارها”.
من جانبه، يصف الباحث السياسي الإيراني مهدي عزيزي عودة العلاقات بين طهران والرياض بأنها تصويب حقيقي للعلاقات بين دولتين تتمتع كل منهما بثقل إقليمي وازن.
وأوضح عزيزي أن مفاعيل الاتفاق الإيراني السعودي الأخير ستمتد إلى ربوع الشرق الأوسط، وأن التقاءهما سوف يساهم في حلحلة العديد من الملفات الإقليمية من اليمن حتى سوريا ولبنان، وسيصب في صالح القضية الفلسطينية.
وفي حديث للجزيرة نت، يشير الباحث الإيراني إلى أن بلاده والمملكة تشكلان عمقا إستراتيجيا للعالم الإسلامي، وأن التقارب بينهما سيخدم قضايا الأمة بمواجهة التحديات الدولية، مضيفا أن طهران والرياض لديهما رصيد هائل من النفط والغاز يمكنهما من التأثير على أسواق الطاقة العالمية باعتبارهما عضوتين فاعلتين في منظمتي “أوبك” وأوبك بلس”.
البداية الجديدة في العلاقات بين طهران والرياض ستستمر نظرا للمستجدات الجيوإستراتيجية على الساحتين الإقليمية والدولية، وفق عزيزي الذي يعتقد أن سياسة “التوجه شرقا” -التي تتبناها بلاده منذ سنوات- ساهمت بالفعل في تبديد الخلافات بين طهران والرياض.
وخلص الباحث الإيراني إلى أن الوساطة الصينية بين إيران والسعودية تدل على ثقة بكين المتزايدة في سياستها الشرق أوسطية، وأنه يتوقع تسارع التعاون الاقتصادي والأمني بين طهران والرياض في إطار شراكة كل منهما مع القوة الشرقية، إلى جانب تداعيات المصالحة الإيرانية السعودية على إنهاء التوتر في الشرق الأوسط.
وكانت بكين قد استضافت مفاوضات مكثفة بين الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ونظيره السعودي مساعد بن محمد العيبان بين السادس والعاشر من مارس/آذار الماضي تمخضت عن اتفاق باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.
الميزان التجاري
اقتصاديا، تطمح طهران لإحياء مبادلاتها التجارية مع السعودية، إذ أعلنت الخارجية الإيرانية أن مباحثات وزيري خارجية البلدين في بكين في أبريل/نيسان الماضي تناولت كذلك تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارات الثنائية.
وتراجع الميزان التجاري بين البلدين من 212 مليون دولار عام 2015 قبيل القطيعة السياسية إلى الصفر عام 2020، وذلك قبيل بدء المباحثات الإيرانية السعودية في العاصمة العراقية بغداد، والتي ساهمت في استئناف خجول بالمبادلات التجارية بينهما خلال عامي 2021 و2022، حيث بلغت أقل من 60 مليون دولار، وفق وكالة إسنا الإيرانية شبه الرسمية.
أما عن واقع التبادل التجاري بين إيران والسعودية في الوقت الراهن فيقدر روح الله لطيفي المتحدث باسم لجنة العلاقات الدولية وتنمية التجارة في “الدار الإيرانية للصناعة والتجارة والمناجم” قيمة الصادرات الإيرانية إلى السعودية بـ14 مليونا و760 ألف دولار خلال 12 شهرا خلت.
وأكد المسؤول الإيراني للجزيرة نت أن الجانب السعودي لم يصدر بضاعة إلى إيران خلال الفترة الماضية، موضحا أن بلاده قامت بتصدير كميات من الصلب والحديد والزعفران والزبيب والزجاج والسيراميك وزهر الورد الجوري إلى السعودية.
وعبر لطيفي عن أمله بعودة الاستثمارات السعودية إلى الاقتصاد الإيراني كما كانت عليه قبل قطع العلاقات بين البلدين عام 2016، مؤكدا أنه في حال انضمام الرياض إلى التحالف البحري الإقليمي الذي أعلنت عنه بلاده في المياه الخليجية فإن من شأن التعاون الأمني بينهما رفع علاقاتهما التجارية إلى مستويات قياسية عقب اكتمال خطوات التطبيع.
تحديات دولية
وفي السياق ذاته، أوضح وزير المالية والاقتصاد الإيراني إحسان خاندوزي -في تصريح صحفي- أن مفاوضاته مع نظيره السعودي محمد الجدعان -على هامش الاجتماعات السنوية للبنك الإسلامي للتنمية 2023- ركزت على المبادلات التجارية والاستثمار في مشاريع النفط والغاز، موضحا أن الجانب السعودي رحب بخارطة الطريق التي قدمتها طهران للتعاون الاقتصادي بين البلدين.
في غضون ذلك، نقلت وكالة إرنا الإيرانية الرسمية عن رئيس جمعية الفنادق الإيرانية جمشيد حمزة زاده قوله إنه أجرى محادثات مع وفد سعودي زار إيران مؤخرا بشأن بناء القطاع الخاص السعودي فنادق جديدة في الجمهورية الإسلامية.
ونظرا إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على الاقتصاد الإيراني بسبب عدم تصديق طهران على قوانين مجموعة العمل المالي “فاتف” (FATF) المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، حث رئيس لجنة النقل في غرفة إيران للتجارة علي حسيني حكومة بلاده على التوصل إلى اتفاق مع السعودية للتعامل بالعملات الوطنية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.