هنري دونان.. رجل أعمال وناشط سويسري وأحد رواد العمل الخيري | الموسوعة


رجل أعمال سويسري، وناشط اجتماعي وأحد رواد العمل الإنساني، مؤسس الصليب الأحمر الدولي، نال عن جهوده أول جائزة نوبل للسلام عام 1901. ولد عام 1828 وتوفي عام 1910.

ولد في بيت ثري، وكرس حياته لخدمة الفقراء، ثم ساقته الأحداث إلى معركة سولفرينو في إيطاليا (واحدة من أبشع معارك القرن 19) فشكلت مأساتها نقطة تحول في حياته، وبرز دون سابق إنذار ووصل إلى المجد والشهرة والنجاح، ثم أفلس.

عاش 15 عاما منبوذا وفقيرا، و15 عاما أخرى من الشهرة، لم تنسه مرارة فقدانه بيته وثروته وأصدقاءه، وبقي في غرفة منعزلة حتى وفاته عام 1910.

المولد والنشأة

ولد جان هنري دونان في الثامن من مايو/أيار 1828، في مدينة جنيف السويسرية، لأسرة بورجوازية مسيحية كان أكبر أطفالها الخمسة.

وتعود أصوله إلى أسلافه الذين جاؤوا من إقليم “أنيير” الفرنسي، واستقروا في جنيف منذ عام 1638.

مال هذا الصبي إلى العمل الخيري، متأثرا بالأنشطة الخيرية لوالديه، إذ كان والده رجل أعمال من أعيان المدينة، وعضوا متطوعا فيما عرف آنذاك بـ “غرفة الوصاية والقوامة” التي تعنى بالشباب والسجناء.

وكانت والدته أنطوانيت دونان كولادون ابنة مدير مستشفى جنيف وعمدة أفولي، وناشطة في رعاية الفقراء والمعوزين، وكانت هي المسؤولة عن تربيته سنوات عمره الأولى، وكان لها تأثير كبير في تشكيل طباعه.

وفي السادسة من عمره، زار سجن تولون جنوب فرنسا رفقة والده في رحلة عائلية صيفية، وأثرت فيه تلك التجربة تأثيرا قويا، فقطع على نفسه وعدا بالقول “سأكتب كتابا عن ذلك عندما أكبر”.

وكانت ذكرياته عن طفولته تنحصر في الكتب التي قرأها، وهو يقضم الفواكه التي كان يرسلها عمه من مزرعة جده، والتي كان يزورها مع والديه بين الفينة والأخرى.

وكان دونان يحظى في جنيف بكل المزايا التي وفرها وضع أسرته الاجتماعي والاقتصادي، وعرف بقدرته العالية على بث الحماس في الآخرين للعمل الإنساني وتنظيمه، فكتب أحد أصدقائه يقول “لولا الحكمة التي تنقصه للأسف الشديد، لكان هنري جوهرة مكنونة، فله طاقة وحماس مدهشان”.

وقيل إن حماسه كان عنصرا مهما في حياته، غير أن افتقاده للروح العملية والمنهجية كلفه الكثير.

الدراسة والتكوين

التحق دونان عندما بلغ العاشرة بمدرسة جنيف الإعدادية (مدرسة كالفين الآن) وكان متمكنا من الدراسات الدينية، حتى إنه فاز بجوائز في هذا المجال، رغم ضعفه في المواد الأخرى.

وبسبب درجاته السيئة، ترك دونان المدرسة في المرحلة الثانوية عام 1842، وكانت موهبته في الكتابة قد برزت آنذاك، وإن اقتصرت على وصف مفصل لزيارته إلى مارسيليا.

Henry Dunant
دونان تعلم العربية وتعرف إلى الإسلام خمسينيات القرن 19 إثر زيارته لشمال أفريقيا (غيتي)

ثم أكمل دراسته مع مدرس خاص، وتولت عمته “صوفي” تعليمه الديني خارج الكنيسة البروتستانتية الرسمية في جنيف، وكانت عضوا بالجمعية الإنجيلية التي انخرط فيها دونان بنشاط منذ صباه.

وكان في شبابه مفتونا بأعمال 3 كاتبات (هارييت بيتشر ستو، فلورانس نايتنغيل، إليزابيث فراي). وقال لاحقا إن تأثير المرأة عامل أساسي في رفاه البشرية، وسيصبح أكثر قيمة مع الوقت.

نشأ في فترة تتصف باليقظة والصحوة الدينية، وترسخت قناعاته الدينية العميقة مبكرا، فكان متأثرا بالمناخ الثقافي والديني في جنيف التي كانت فيها حركة نشطة لجمع التبرعات، فلعبت هذه البيئة دورا بارزا في تشكيل إيمانه ونزعته نحو العمل الخيري.

وأمضى دونان عدة أشهر شمال أفريقيا أواخر خمسينيات القرن 19، فتأثر بثقافة شعوبها، وتعرف إلى الإسلام، وتعلم اللغة العربية، وكان مناصرا للإصلاحات في الغرب الإسلامي.

النشاط الاجتماعي

اشترك دونان مبكرا في الأنشطة الخيرية والدينية، وفي سن 18 أصبح عضوا في جمعية الصدقة التي كان أعضاؤها يسعون معنويا وماديا إلى مساعدة الفقراء والمرضى.

وعندما بلغ العشرين، كان يزور سجن المدينة بشكل منتظم، حيث كان يعمل على المساعدة في إصلاح الخارجين عن القانون، كما كان يقضي مساءات الأحد في القراءة للسجناء.

وصيف عام 1847، سافر إلى جبال الألب مع ثلاثة من أصدقائه، وأنشؤوا تجمعا أسبوعيا باسم جمعية الخميس أو (قراءات الخميس). وفي العام نفسه، كان واحدا من 15 مؤسسا للتحالف السويسري الإنجيلي، وعمل سكرتيرا له الفترة من 1851 إلى 1859.

وعام 1852، ساهم في إنشاء فرع لجمعية الشبان المسيحيين بجنيف (جمعية في لندن وباريس) وكان سكرتيرا مراسلا لها، فجذب أعضاء جددا وروج للجمعية بأوروبا، وكان من أهم محرري ميثاق المنظمة الذي يستخدمه أعضاؤها إلى اليوم.

وفي سن 21، كون مجموعة نشطة من المبشرين الشباب، كان أعضاؤها يلتقون في منزله أسبوعيا، وساهم في تنظيم المؤتمر العالمي الأول لجمعية الشبَّان المسيحيين، بفرعها الباريسي عام 1855.

كما أورد أحد كتاب سيرة دونان والمهتمين بها أنه ارتبط بمشاريع استعمارية في الجزائر، منها استغلال المناجم والغابات.

وكان قد اقترح مشروعا للمجتمع الدولي من أجل “إحياء الشرق” وصفه هو نفسه بأنه “حرب صليبية جديدة لصالح الحضارة” وغايته بناء ميناء حيفا وقطار في القدس ومصرف تجاري في قسنطينة، ونشرت أفكاره حول هذا المشروع بدراسة في باريس عام 1866.

وعام 1867 وضع خطة لمشروع نشر بعنوان “المكتبة العالمية والعالمية” لتضم روائع من كل العصور (وافقت اليونسكو على إنشائها بعد حوالي 100 عام).

وخلال الحرب الفرنسية البروسية عام 1870، قاد دونان بعثات الصليب الأحمر التي عالجت الجنود.

وعام 1871، أسس “جمعية الادخار” خلال الحرب نفسها، وأصبحت تعرف بـ “الاتحاد العالمي لنظام الحضارة” عام 1872.

THE INTERNATIONAL BOARD OF THE RED CROSS (Photo by Jean Bernard Vernier/Sygma via Getty Images)
أسس دونان مع 4 آخرين اللجنة الوطنية للصليب الأحمر عام 1863 (غيتي)

الحياة المهنية والإفلاس

عام 1849، بدأ دونان حياته المهنية متدربا في بنك “ليلين سوتير” بجنيف. وخريف 1853، عين وهو في أوائل العشرينيات مديرا عاما مؤقتا لفرع شركة جنيف لمستعمرات سطيف السويسرية (Compagnie genevoise des Colonies de Sétif ) لإدارة مشاريع أسسها البنك بالجزائر المستعمَرة.

وكان دونان قد كتب إعلانات نُشرت في “صحيفة جنيف” لتجنيد المُعمرين، تضمـّنت وعدهم بعمالة عربية رخيصة، وبعد سنوات قطع علاقاته مع الشركة، ونظم مشروعه الخاص.

وأسس شركة مساهمة باسم “طواحين مؤنس – دجميلا” عام 1856، برأسمال قدره نصف مليون فرنك سويسري، وكانت خطته أن تبيع الشركة فيما بعد دقيق القمح إلى أوروبا.

وبمرور السنين، عانت أعماله التجارية من صعوبات امتلاك رقعة أوسع من الأرض، لتكفل حاجة ماشيته بالزراعة وتدعم مصالحه بالإثمار، كان بحاجة إلى مصدر آخر للماء لتشغيل الطاحونة (موجودة بمنطقة واد صفصاف بالجزائر الآن).

واقترض دونان من أثرياء جنيف، كما استثمر نصيب إرثه من عمته. وعام 1858، حصل على الجنسية الفرنسية بالإضافة إلى جنسيته السويسرية، لتسهيل الحصول على امتيازات الأراضي.

لكنه اصطدم برفض سلطات الاحتلال الفرنسية بالجزائر لمطالبه، فقرر أن يرفع مظلمة مباشرة إلى الإمبراطور نابليون الثالث، ليبث شخصيا في منحه متنفسا بمشروع طواحينه الذي هدده الإفلاس.

وبعد مؤتمر جنيف عام 1964، أمضى دونان عامين محاولا تحسين نشاطه التجاري الذي تضرر من إهماله له إثر تركيزه على العمل الإنساني، لكنه لم ينجح في ملاقاة نابليون.

وعام 1867، أفلست تجارته فحجر على أمواله وبيته وممتلكاته في سويسرا وبلدان أخرى، بالإضافة إلى قسط كبير من ثروة أسرته، وذلك لتسديد بعض ديونه.

وحلت شركة التمويل التي كانت تشارك في مشاريعه التجارية، فأُجبر على تقديم طلب للإفلاس، إثر بلوغ عجزه المالي حوالي مليون فرنك سويسري.

وفي 17 أغسطس/آب 1868، أعلنت المحكمة المدنية مسؤوليته الكاملة في إفلاس مشروعه، واتهم بالتضليل وخداع رفاقه عن عمد، ثم نشر الحكم في كل صحف جنيف.

وغامر دونان لاحقا في مشاريع أخرى، مثل ما قال إنه إعمار لفلسطين، بمساعدة المهاجرين اليهود والمسيحيين من بلدان أوربا الشرقية، والتشجيع على الاستيطان، ولم ينجح في ذلك.

تذكار سولفرينو

في 24 يونيو/حزيران 1859، ذهب دونان إلى مقر إقامة نابليون شمال إيطاليا، لالتماس امتيازات لمشروعه التجاري منه.

وصادف وصوله إلى قرية كاستيليوني شرق سولفرينو حربا من أكثر المعارك دموية في القرن 19، كانت حصيلتها آلاف القتلى والجرحى المهملين دون إسعاف، فانخرط في تنظيم المساعدات الطبية، وسمي بين المتطوعين بـ “الرجل الأبيض” لأن ملابسه كانت كلها بيضاء.

واستخدم دونان لغة عاطفية فعالة في إيصال فكرتين، تتعلق الأولى بـ “تكوين لجان إغاثة خلال فترة السلام والهدوء لتقديم الرعاية للجرحى في الحرب، بواسطة متطوعين متحمسين ومتفانين ومؤهلين جيدًا لمثل هذا العمل” والثانية بـ “وضع مبدأ دولي ما، اتفاقي ومقدس، يصبح متى أُقرَّ وصُدِّق عليه، أساسا تقوم عليه جمعيات لإغاثة الجرحى”.

Henry Dunant
غادر دونان جنيف في سن 39 وعاش على مدار 20 عاما التالية فقيرا متنقلا بين عدة مدن أوروبية (غيتي)

وطبع الكتاب في إحدى أهم المطابع في جنيف، والمتخصصة في طبع نسخ فاخرة محدودة.

وكان مبنى المطبعة قد عاش فيه الجنرال غيوم هنري دوفور بين عامي 1826 و1845، وقبل الطبع أرسل دونان المخطوطة إليه ليوافق عليها.

وكانت في الكتاب خريطة لمعركة سولفرينو بـ 3 ألوان، مما جعل كلفة طباعته عالية، دفع فاتورتها دونان من ماله الخاص، وأصدر في نوفمبر/تشرين الثاني 1862 للتوزيع الخاص فقط.

وقدمت 400 نسخة طبع على غلافها “ليس للبيع” لجمهور محدد في جنيف، والباقي لشخصيات مؤثرة بأوروبا، ولقي تجاوبا كبيرا، وأعرب رؤساء 31 دولة عن اهتمامهم بالموضوع.

وصدرت نسخ أخرى للبيع بسعر 5 فرنكات، وفي فبراير/شباط 1863 نشرت 3 آلاف نسخة إضافية بسعر 1.50 فرنك سويسري، وفي العام نفسه ترجم الكتاب إلى الألمانية والهولندية والإيطالية.

ومع نشر الكتاب وصل دونان إلى ذروة نجاحه، وتسابق الناس لدعمه وتأييده، حتى وضع أساسا لعمله، فانتشرت رؤيته لإنشاء منظمة إغاثة دولية، ولقيت تجاوبا دوليا.

إطلاق الصليب الأحمر

عرض غوستاف موينيه المحامي ورئيس جمعية جنيف الخيرية على دونان استخدام جمعيته لتنفيذ الأفكار التي عبر عنها في كتاب “تذكار سولفرينو”.

وبناء على ذلك، اقترح خلال اجتماع في 17 فبراير/شباط 1863 طرح هذه الأفكار في مؤتمر خيري دولي يعقد في برلين في سبتمبر/أيلول.

وشكل أعضاء الجمعية لجنة ضمت دونان وكان في سن 35 آنذاك، ومعه 4 شخصيات أخرى هم الجنرال دوفور رئيسا، موينيه نائبا للرئيس، إضافة إلى الجراحين ثيودور مونوار ولويس آبيا.

وأعلنت لجنة “الخمسة” كما عرفت نفسها لجنة دائمة دولية لإسعاف جرحى الحرب، فانتشر هذا النداء الإنساني المنبعث من جنيف في كل أوروبا.

والفترة من 26 إلى 29 أكتوبر/تشرين الأول، نظم الأعضاء المؤسسون مؤتمرا دوليا في قصر “لاتينيه” حضره 31 مندوبا يمثلون 16 بلدا، وشهد مولد الصليب الأحمر، حيث شكلت أفكار دونان أساس عمله منذ ذلك الحين.

وفي 22 أغسطس/آب 1864، وقعت 12 حكومة بمؤتمر دبلوماسي على اتفاقية جنيف الأولى التي تلزم الجيوش برعاية الجنود الجرحى -من كل الأطراف- بضمان الحماية والمساعدة المحايدة أوقات الحرب، وكانت الشارة عبارة عن صليب أحمر على أرضية بيضاء، وهو معكوس العلم الوطني السويسري، تكريما لبلد دونان.

وكانت هذه الهيئة تعرف باللجنة الدولية لإغاثة العسكريين الجرحى، وأخذت فيما بعد اسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر منذ عام 1892، إلى أن أصبحت منذ 1928 “الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر”.

وكانت الجمعية الهولندية أول من اعتمد تسمية جمعية الصليب الأحمر، ثم أدرج الهلال الأحمر بديلا بعدما اعتمدته الدولة العثمانية للمرة الأولى، في حربها مع الروس سنة 1876 لأنه كان شعار الدولة، وانتشر حتى أصبح يستخدم في 23 بلدا إسلاميا.

وفي ديسمبر/كانون الأول 1863، أنشأت أول لجنة وطنية للإغاثة بمملكة فورتمبرغ، ثم لجان أخرى الأشهر التالية بأنحاء أوروبا، وفي أقل من 5 أعوام أنشئت 22 جمعية.

At the entrance to the International Red Cross and Red Crescent Museum in Geneva, headquarters of the International Committee of the Red Cross, ICRC, with the Red Cross flag in the back, Geneva, Switzerland. (Photo by: MyLoupe/Universal Images Group via Getty Images)
متحف الصليب الأحمر والهلال الأحمر افتتح في جنيف عام 1988(غيتي)

التشرد والعزلة

في 25 أغسطس/آب 1867، فقد دونان منصبه في حركة الصليب الأحمر، بعد استقالته من اللجنة الدولية، واستبعد نهائيا في 8 سبتمبر/أيلول، بداعي أن اتهامه بالإفلاس والاحتيال قد يسيئان لصورة الهيئة.

وقد حولت أموال جائزة العلوم موراليس إلى اللجنة الدولية، وعندما نشر مونييه عام 1873 كتابه “العقد الأول للصليب الأحمر” لم يظهر فيه اسم دونان.

وفقد دونان المعروف بأنه “أبو الحركة الدولية للصليب والهلال الأحمر” مركزه مواطنا بجنيف، وطرد لاحقا من جمعية الشبان المسيحيين، إذ كان الإفلاس يعتبر جريمة ومجلبة للعار.

وفي مارس/آذار، غادر مسقط رأسه إلى الأبد، وكان في سن 39، وعاش على مدار 20 عاما التالية فقيرا متنقلا بين عدة مدن أوروبية، يأكل الخبز وينام على الأبواب كما يقول.

وكان مكانه مجهولا، ونشرت صحف جنيف أنه توفي. وفي يوليو/تموز 1887، استقر في قرية هايدن شرق سويسرا، فتعرف عليه عام 1890 مدرس يُدعى فيلهلم سوندريغر، وأبلغ المؤتمر الدولي للصليب الأحمر في روما بأن دونان حي، وكان حينها في سن 65 من عمره، ويعاني من مرض جلدي.

وعام 1892، أرغمه اعتلال صحته وتقدم سنه على الإقامة بالمستشفى المحلي (كانتون أبنزل) حيث عاش طوال السنوات 18 الأخيرة من حياته منعزلا، يعاني الاكتئاب والبارانويا بسبب مطاردة دائنيه.

وكان يرتاب من الجميع، حتى إنه كان يصر على طاهي المستشفى أن يتذوق طعامه أمامه، وقيل إنه كان يكتب أحيانا رسائل إلى بعض معارفه القدماء، على أمل الحصول على اعتراف بأعماله.

اعتراف متأخر

عام 1895، أجرى الصحفي جورج بومبيرجي مقابلة مع دونان، صدرت على إثرها مقالة في صحيفة “أوبرلاند أند مير” (Über Land und Meer) الألمانية، ونقلته الصحافة العالمية، مما سمح بعودة اسم دونان في صورة إيجابية استعاد معها شهرته السابقة.

وتوالت العروض لمساعدة دونان المسن، ووصلته رسائل الشكر والتقدير لخدماته، وحصل آنذاك على جائزة “سويس بنيت فندت” (Swiss Binet-Fendt) وأكد كتاب لصديقه رودولف مولر عام 1897 على دوره كمؤسس للصليب الأحمر.

وبفضل معاش سنوي من الإمبراطورة الروسية ماريا فيودوروفنا وغيرها من التبرعات النقدية، تحسن وضع دونان المالي، فعاد إلى رسم مشاريع جديدة، وكتب نداء من أجل السلم ندد فيه باستخدام روائع الاختراعات الحديثة لغايات الحرب.

وقال في رسالته الأخيرة “إن نزع السلاح يجب أن يبدأ في القلوب، ويجب أن تشيع الإخوة بين البشر” كما اقترح تأسيس منظمة إغاثة دولية للنساء تحت اسم “الصليب الأخضر” كان قسمها الوحيد نشطا لفترة وجيزة في بروكسل.

وخلال تلك الفترة تحققت أفكاره الأولى، فشملت اتفاقية جنيف المعارك البحرية، ونظمت معاملة أسرى الحرب بموجب اتفاقية لاهاي عام 1899.

وعام 1901، كان الاعتراف رسميا بإنجازات دونان، فمنحته لجنة نوبل أولى جوائزها للسلام، ولم يكن قادرا على السفر لاستلامها، فأرسلت إليه في هايدن، وجاءته من جنيف رسالة اعتراف من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتهاني الرسمية، ورغم ذلك الاحتفاء فإنه بقي في الملجأ حتى وفاته.

Tourists on board of the excursion ship Henry Dunant of the Compagnie Generale de Navigation sur le lac Leman (CGN) with the French tricolour in bow in the Rade port basin of Geneva, Lake Geneva, Geneva, Switzerland. (Photo by: MyLoupe/Universal Images Group via Getty Images)
سفينة باسم هنري دونان منطلقة من ميناء جنيف إلى فرنسا (غيتي)

وعام 1935، نشر ابن رودولف مولر مجموعة من رسائل دونان إلى والده، ونشرت أكثر من 500 رسالة عام 1975 قدمت ملامح عن حياة دونان منذ عام 1877.

ويحتفظ المتحف الدولي للصليب الأحمر في جنيف ببعض أغراض دونان الشخصية مثل عصا المشي، وما يقرب من 10 آلاف صفحة من المذكرات المكتوبة بخط اليد، كما جردت جمعية هنري دونان حوالي 4500 وثيقة، تم حفظها في أرشيفات مختلفة.

أهم الأعمال

كتاب عن رحلته إلى تونس عام 1857، كتاب “تذكار من سولفرينو” (A Memory of Solferino) عام 1862 ترجم إلى أكثر من 17 لغة (النسخة الأصلية ومذكرة بخط يد دونان معروضتان مع مخطوطات نادرة في متحف بودمبر).

 الجوائز والتكريمات

  • الاحتفال بيوم ميلاده، في الثامن من مايو/أيار، يوما عالميا للصليب الأحمر والهلال الأحمر كل عام.
  •  إنتاج فيلم “هنري دونان: أحمر على صليب”.
  • إعادة تسمية ثاني أعلى قمة في سويسرا باسمه عام 2014.
  • إنشاء ميدالية هنري دونان عام 2003، تُمنح كل عامين من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر.
  • نصب تذكاري في جنيف، بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس اللجنة الدولية.
  • تسمية طريق يقع فيه المقر الرئيسي لجمعية الصليب الأحمر التايلندي باسمه.
  • تمثال نصفي نحته لوك جاغي في جنيف عام 1980.
  • تأسيس جمعية هنري دونان عام 1957 تجمع الأشخاص أو المؤسسات المهتمة بحياته وعمله.
  • افتتاح متحف هنري دونان عام 1969 بمستشفى هايدن الذي قضى فيه آخر أيامه.
  • نصب تذكاري في هايدن بواسطة شارلوت جيرمان-يان، بالذكرى 52 لوفاته.
  • نصب تذكاري أنشأه النحات هانز جيزلر في زيورخ عام 1931.
  • دكتوراه فخرية من كلية الطب بجامعة هايدلبرغ عام 1903.
  • جائزة نوبل للسلام “لجهوده الإنسانية لمساعدة الجنود الجرحى وخلق تفاهم دولي” عام 1901.
  • وسام التاج الملكي من ملك بروسيا عام 1865.
  • وسام جوقة الشرف من فرنسا عام 1865.
  • جائزة فريدريش أوردين من مملكة فورتمبيرغ عام 1865.
  • وسام ألبريشت من مملكة ساكسونيا عام 1864.
  • وسام سانت موريس وسانت لازادوس في إيطاليا، على العمل الذي أنجزه لصالح جرحى معركة سولفرينو عام 1860.
  • وسام الافتخار، باسم باي تونس المشير محمد الصادق، مكافأة له على تأليف كتاب “إيالة تونس” 1860.

قالوا عن دونان

قالت أميرة بريطانيا ماري عام 1953، عن جهود دونان “يميل كثير من الناس إلى نسيان حقيقة أن حركة الصليب الأحمر تدين بوجودها لرجل واحد، هو هنري دونان الذي استطاع بفضل قوة شخصيته فقط أن يقنع الأمم بإيفاد مندوبين إلى أول مؤتمر دولي في جنيف”.

جاء في رسالة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف بمناسبة منحه جائزة نوبل “ليس هناك رجل يستحق هذا الشرف أكثر منك، فأنت من أقام قبل 40 عاما أسس المنظمة الدولية لإغاثة الجرحى على أرض المعركة.. أسمى إنجاز إنساني في القرن 19”.

كتب جيرار جايغر، المؤلف السويسري للسيرة الذاتية (هنري دونان: الرجل الذي ابتكر القانون الإنساني) “لولا دونان لما استطاع المؤسسون الأربعة الآخرون للصليب الأحمر الذهاب إلى ذلك الحد البعيد.. فربما كان الصليب الأحمر سيظهر (على كل حال) في مكان آخر بعد 50عاما. لكن وببساطة، سرّع دونان من وتيرة سير التاريخ”.

كتب الأخوان غونكور في القرن 19 عن كتاب دونان “تذكار سولفرينو” “يُنهي المرء هذا الكتاب ويلعن الحرب”.

الوفاة

توفي دونان يوم الأحد 30 أكتوبر/تشرين الأول 1910، عن عمر يناهز 82 عاما، في غرفة بالمأوى الذي ظل يعيش فيه رغم الجوائز والتكريمات التي نالها في آخر حياته.

وشيع جثمانه وفقا لرغبته، دون مراسم جنازة ولا مشيعين ولا موكب، إذ حرقت جثته في مقبرة “سيهلفلد” “Sihlfeld” في زيورخ.

وترك وصية كتبها للتبرع بثروته التي نالها من الجوائز إلى موظفي مستشفى هايدن، وتأمين “سرير مجاني” في دار رعاية المسنين للمرضى الفقراء، كما خصص أموالا للأصدقاء والمنظمات الخيرية بالنرويج وسويسرا، ومنح منفذ الوصية سلطة اتخاذ قرار بشأن المستفيدين.

وترك الكتب والمذكرات والرسائل والوثائق التي كانت بحوزته، والجوائز التي حصل عليها، لابن أخيه موريس دونان.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post أول إصدار مصري للصكوك السيادية بـ1.5 مليار دولار يفوز بجائزة الأفضل 2023.. فيديو
Next post هل تشكل الموازنة العراقية الجديدة بداية تنموية جادة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading