القاهرة– تتصاعد الأحداث في السودان بوتيرة متسارعة، مما يؤثر على جميع المناحي الاقتصادية بالبلاد، ويلقي بظلاله بالتبعية على الاقتصادات المتعاونة والمجاورة ومن بينها الجارة الشمالية مصر.
فثمة تبادل تجاري بين البلدين، بل وتعتمد القاهرة بشكل رئيسي على الخرطوم في استيرادها للحوم الحمراء، فضلا عن المشروعات الاستثمارية القائمة لكلا الجانبين -سواء حكومية أو خاصة- والمشروعات التي كانت في طور التدشين.
كما يوجد ملايين السودانيين بمصر، ومن المتوقع زيادة الأعداد مع استمرار الاضطرابات في البلاد، وتؤكد منظمات دولية مساهمة المهاجرين في تنمية الاقتصاد المصري رغم بعض الأصوات المتخوفة من الضغط على البنية التحتية وتقلص فرص العمل بسبب الوافدين واللاجئين.
ومع عدم وجود مؤشرات مطمئنة لانتهاء الصراع في وقت قريب، يبرز التساؤل حول تأثيره على الاقتصاد المصري.
التبادل التجاري بين السودان ومصر
تشير بيانات الهيئة المصرية العامة للاستعلامات إلى أن المخرجات الربحية من التبادل التجاري بين القاهرة والخرطوم ليست ضخمة، لكنها شهدت تزايداً ملحوظاً الأعوام الأخيرة مما يبشر بتعاظم الربح في المستقبل.
وبحسب النشرة السنوية للتبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل العام 2021 -والصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022- احتلت السودان المرتبة الأولى.
وصدرت القاهرة للخرطوم منتجات ومواد خام بقيمة 826.8 مليون دولار عام 2021 مقابل نحو 500 مليون عام 2020 بزيادة قدرها 65%، واحتلت المنتجات الكيميائية والبلاستيكية المرتبة الأولى في المنتجات التي استوردتها السودان من جارتها الشمالية بـ 271 مليونا، فاللدائن ومصنوعاتها بقيمة 137.4 مليونا، وتلتها المنتجات المعدنية بـ 67 مليونا ومنتجات الغزل 56 مليونا.
في المقابل، بلغت صادرات الخرطوم للقاهرة نحو 336.7 مليون دولار عام 2021 مقابل 225 مليونا عام 2020 بزيادة قدرها 49.7%، وجاءت الحيوانات الحية واللحوم والأطراف القابلة للأكل على رأس الصادرات بقيمة 217 مليونا، ثم الأعلاف والحبوب والنباتات الطبية بقيمة 70 مليونا، وفي المرتبة الثالثة جاء القطن بقيمة 43 مليونا.
الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب يتوقع أن يهدد الصراع الدائر في السودان حركة التجارة بين البلدين، بما في ذلك تجارة الترانزيت.
وبيّن -في حديثه للجزيرة نت- أن كل الصادرات التي تذهب من مصر إلى أفريقيا عبر السودان، سواء دول حوض النيل أو غيرها مثل الصومال وتشاد، ستتأثر سلبا جراء الأحداث الجارية.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل عام 2021 نحو 2.262 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية.
وأضاف عبد المطلب أن الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع وقع في وقت حرج، حيث ترتفع أسعار السلع والمحاصيل الزراعية والغذائية وكان يفترض أن يثمر التعاون بين البلدين عن حل جانب كبير من تلك المشكلة.
واستطرد “رغم أن إجمالي حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان ليس كبيرا حيث لا يمثل أكثر من 1% من إجمالي تجارة مصر مع العالم، فإن ذلك لا ينفي الأهمية الاقتصادية للبلدين كليهما للآخر”.
اللحوم السودانية
وزير التموين المصري علي مصيلحي علق على تأثر سوق اللحوم بالأزمة السودانية بالقول “سيظل السودان المصدر الأول لتوريد اللحوم لمصر”.
في الوقت نفسه، أكد مصيلحي خلال مؤتمر صحفي مطلع الأسبوع الجاري بحث الصعوبات التي قد تواجه عمليات توريد اللحوم من السودان، مضيفا أنه تجري دراسة استيراد اللحوم من تشاد والصومال لتنويع مصادر استيراد اللحوم، ولتعويض أي نقص في توريد المنتج من أي مصدر آخر.
وتستورد مصر اللحوم من السودان عبر شركة “اتجاهات” السودانية، حيث يتم استقدام الماشية الحية من هناك إلى مجزر أبو سمبل بمحافظة أسوان (جنوبي مصر) لذبحها ثم إرسالها إلى محجر توشكي تمهيدا لشحنها إلى المنافذ التموينية بالمحافظات المختلفة من خلال الشركة المصرية للحوم والدواجن التابعة لوزارة التموين.
ومن خلال طلب إحاطة، طالب عضو مجلس النواب المصري، كريم طلعت السادات، رئيس الوزراء ووزير التموين، بضرورة توفير بدائل للحوم السودانية، مؤكدا ضرورة تكثيف الحملات الرقابية على الأسواق ومحلات الجزارة، منعا لاستغلال الأزمة ورفع أسعار اللحوم من قبل بعض التجار.
وبدوره توقع عضو مجلس إدارة غرفة القاهرة التجارية، السيد النووي، تراجع حجم الكميات التي تستورد من اللحوم السودانية، والتي كانت تعتمد عليها بشكل أساسي في تحقيق التوازن بين العرض والطلب بالأسواق، والحد من ارتفاعات أسعار اللحوم بسبب زيادة أسعار الأعلاف، حسب قوله.
وأضاف -في تصريحات صحفية- أن مصر تستورد أصنافا متنوعة من اللحوم السودانية، من بينها الحية والمبردة إضافة إلى اللحم الجملي، مرجحا أن تتأثر أسعار اللحم الجملي بشكل أكبر عن باقي الأنواع حيث يتم الاعتماد بشكل كبير على استيراد الجمال من السودان، بينما الأنواع الأخرى يمكن إيجاد أسواق بديلة لها مثل تشاد والصومال.
ورجح النووي أن يستغرق الأمر بعد الوقت حتى تتأثر أسعار اللحوم في السوق المصرية بالأزمة السودانية، موضحا أن الطلب على اللحوم بدأ في التراجع مع انتهاء شهر رمضان.
مشروعات واستثمارات
أما على صعيد الاستثمارات المشتركة، فقد وصل عدد المشروعات المصرية بالسودان منذ عام 2000 حتى 2013 حوالي 229 مشروعا برأس مال بلغ حوالي 10.8 مليار دولار، بينما بلغ حجم الاستثمارات السودانية في مصر خلال الفترة نفسها نحو 97 مليونا ممثلة في 315 شركة سودانية.
وتنوع الاستثمار المصري بالسودان بين القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، ومنها 122 مشروعا صناعيا باستثمارات 1.372 مليار دولار، و90 مشروعا خدميا استثماراتها 8.629 مليارات بقطاعات المقاولات، إلى جانب 17 مشروعا زراعيا باستثمارات 89 مليونا.
وشهدت السنوات الأخيرة اهتماما من قبل الجانبين المصري والسوداني بتنمية التعاون الاقتصادي المشترك من خلال عدة مشروعات منها ميناء قسطل-أشكيت البري، وهو حسب الهيئة العامة للاستعلامات (جهة رسمية مصرية)، أهم بوابة مصرية تطل على أفريقيا حيث يسهم في إحداث نقلة كبيرة بحركة التجارة والاستثمار بين مصر من جانب والسودان والقارة الأفريقية من جانب آخر.
وفي أبريل/نيسان 2020، بدأ التشغيل الفعلي لخط الربط الكهربائي بين مصر والسودان، ويبلغ طوله بالجانب المصري حوالي 100 كيلومتر، وبالجانب السوداني حوالي 70 كيلومترا، بقدرات على مدار الساعة تصل إلى 80 ميغاوات. وأواخر السنة الماضية تحدث مسؤولون مصريون عن قرب انتهاء المرحلة الثانية من المشروع والتي تستهدف زيادة القدرات إلى 300 ميغاوات.
كما أن هنالك العديد من المشروعات التي أُعلن عن المباحثات حولها بهدف التكامل الاقتصادي بين البلدين.
ومع كثرة المشروعات المنفذة والمخطط لتنفيذها بالسودان، يظهر التخوف حول مصير تلك الاستثمارات في ظل الاشتباكات الدائرة بين طرفي الصراع، وهو ما أكده الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب قائلا “الاستثمارات الأجنبية بالكامل في السودان سوف تتأثر، والاستثمارات العربية والمصرية ليست استثناء” لكنه استبعد تصفية تلك الاستثمارات باعتبار أن وضع السودان لم يتحول إلى كارثة.
في المقابل، قال خبير الاقتصاد السياسي شريف الحلوة إن كثير من الأنشطة الاقتصادية بالسودان ستتوقف جراء الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتوقع أن تكون مصر خلال الفترة المقبلة وجهة المستثمرين السودانيين في ظل عدم استقرار الأوضاع ببلدهم.
وبدوره تقدم عضو البرلمان المصري، طارق شكري، بسؤال برلماني إلى رئيس الوزراء، ووزراء التجارة والصناعة والتخطيط والزراعة، حول سبل جذب الاستثمارات الأجنبية الفارة من السودان.
ورجح شكري أن يؤدي النزاع العسكري المشتعل بالسودان إلى خروج ما يفوق 25 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة منها، لافتا إلى اهتمام دول العالم بقضايا جذب الاستثمارات الأجنبية الهاربة من مواقع النزاع، وهو ما يعرف في العلوم الاقتصادية بسبُل الاستفادة من تداعيات أزمات الغير، حسب قوله.
اقتصاد المهاجرين
بحسب المنظمة الدولية للهجرة “آي أو إم” (IOM) يوجد في مصر 9 ملايين مهاجر ولاجئ أي ما يعادل 8.6% من سكان البلاد البالغ عددهم 104.8 ملايين نسمة، ويشكل السودانيون غالبية المهاجرين لمصر حيث يصل عددهم أكثر من 4 ملايين، ومن المتوقع أن تتزايد هذه الأعداد في ظل تصاعد الصراع في وطنهم.
ويوجد 61 لاجئ وطالب لجوء سوداني من أصل 293 لاجئ مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، وفق تصريحات المتحدثة باسم المفوضية كريستين بشاي.
ويعمل أكثر من ثلث المهاجرين (37%) في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، مما يشير إلى أن المهاجرين في مصر يساهمون بشكل إيجابي في سوق العمل ونمو الاقتصاد المحلي للبلد المضيف، وفق رؤية منظمة الهجرة الدولية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.