منذ 15 عاما بدأ عصر أفلام الأبطال الخارقين، بعرض فيلم “آيرون مان” (Iron Man) الذي شكّل الخطوة الأولى في عالم مارفل السينمائي الممتد، ورغم عرض الكثير من الأفلام التي تنتمي لهذا النوع قبل ذلك، وحصد بعضها النجاح، فإن الفترة التي أعقبت عام 2008 شكلت المرحلة الذهبية لأفلام الأبطال الخارقين، وتحولت عاما بعد عام إلى النوع السينمائي الأكثر رواجا على الإطلاق.
15 عاما تعني أن جيلا أو جيلين من الأطفال تربوا بشكل أساسي على الموجة الجديدة من أفلام الأبطال الخارقين، يتابعون أحدث إصداراتها من الأفلام والمسلسلات، ولكن يبدو أن ذلك النوع لن يختلف مصيره عن أي نوع سينمائي آخر راج لفترة من الوقت، ثم أصبح جزءا من ماضي السينما وتاريخها.
تداعي أفلام الأبطال الخارقين
بعد سنوات من النجاح الكبير، يمكن ملاحظة تداعي أفلام الأبطال الخارقين، وقراءة ذلك التداعي بالتركيز في بعض الأرقام، خصوصا في إيرادات ما بعد الوباء، حيث لم يحقق فيلم “آنت مان والدبورة: كوانتمانيا” (Ant-Man and the Wasp: Quantumania) سوى 476.1 مليون دولار حول العالم، وكان الأمر أسوأ مع أستوديوهات “دي سي” (DC)، ففيلم “شازام: غضب الآلهة” (Shazam! Fury of the Gods) لم يحقق سوى 133 مليون دولار ولم يكد يغطي تكاليف إنتاجه، وفي الوقت الحالي يعاني فيلم “ذا فلاش” (The Flash) بنفس الطريقة حتى بعد تقليص التوقعات تجاه إيراداته.
بهذه الأرقام تصبح أفلام الأبطال الخارقين عبئا على الأستوديوهات، بعدما كانت الحصان الرابح، الذي يكفل لأي أستوديو نجاحا مضمونا، أدى في بعض الأحيان إلى جدالات حقيقية على حقوق ملكية الشخصيات مثلما حدث بين “ديزني” و”سوني” على حقوق شخصية “سبايدرمان”.
وبعدما كان من المتوقع تحقيق أي فيلم للأبطال الخارقين مليار دولار بشكل طبيعي، غاب هذا الرقم عن عدد من الإنتاجات التي ظهرت في السنوات الأخيرة.
وفي السياق نفسه، يمكن ملاحظة قلة حماس النجم كريس هيمسورث في الدعاية للجزء الجديد من “ثور” (Thor)، الأمر غير المعتاد من نجوم “مارفل”، خاصة هيمسورث الذي صنعت شخصية “ثور” نجوميته بالفعل، ولكن يبدو الأمر كما لو أن نجوم هذا النوع يرغبون الآن في التنصل من هذه الشهرة، والحصول على وسوم أخرى غير وسم البطل الخارق.
ويبدو أن هيمسورث ماض في ذلك الاتجاه، فقد أظهر حماسا أكبر للترويج لأحدث أفلامه “أكستراكشن2” (Extraction2) الذي حقق نجاحا على “نتفليكس”، وأعاد تعريفه كبطل لأفلام الأكشن، يمكنه منافسة رموز هذا النوع السينمائي.
وعلى نفس الطريق، سار عدد من النجوم بحثا عن التخلص من عبء شخصية البطل الخارق، وأعادوا تقديم أنفسهم لجمهور السينما مثل “وبرت داوني جونيور (آيرون مان)، وكريس إيفانز (كابتن أميركا)، وقدموا بعضا من الأفلام الناجحة، أو متوسطة النجاح بعيدا عن عالم الأبطال الخارقين.
يتكرر الأمر الآن مع الشاب توم هولاند نجم أفلام “سبايدرمان” الذي يجتهد ليتطور بعيدا عن السلسلة، وها هو يتجه للتمثيل في المسلسلات الدرامية مثل “الغرفة المزدحمة” (The Crowded Room)، لتتحول أفلام الأبطال الخارقين إلى مرحلة عابرة في مسيرة هؤلاء النجوم، حصلوا منها على شعبية جارفة، ولكن يجب التخلي عنها لصالح مرحلة أكثر نضجا في مسيرتهم.
السبب وراء وداع أفلام الأبطال الخارقين
تشبع الجمهور بأفلام الأبطال الخارقين لفترة طويلة بما يكفي ليشعروا بالملل من نفس القصص التي تتم إعادة تدويرها، وهو الأمر الذي شهدته أنواع سينمائية أخرى على مدار تاريخ الفن السابع، فعلى سبيل المثال راجت الأفلام الموسيقية لفترة من الزمن، لتبدو كما لو أنها أبدية، ثم بشكل مفاجئ لم نعد نشاهدها سوى كل عدة أعوام في فيلم يعيد أجواءها على سبيل الحنين للماضي، ويظل السؤال حاليا عن الأسباب التي تفسر تداعي أفلام الأبطال الخارقين؟
من الأسباب الأساسية أن أغلب أفلام الأبطال الخارقين لم تعد تقدم أي جديد منذ فترة طويلة، فأنجح أفلام مارفل في الفترة الأخيرة هو فيلم الرسوم المتحركة “سبايدر مان: عبر عالم العنكبوت” (Spider-Man: Across the Spider-Verse) الذي حقق حتى الآن 560 مليون دولار، بميزانية 100 مليون فقط، ويفسر ذلك النجاح بأن الفيلم مبتكر سواء من حيث تقنية الرسم والتحريك، أو طريقة التناول المميزة لفكرة العوالم الموازية.
أيضا ملّ المشاهدون من أفلام الأبطال الخارقين الذي يلقون الدعابات بين المشهد والثاني، البدعة التي بدأتها مارفل، وانتقلت مثل العدوى إلى عالم “دي سي”، واليوم أصبح المشاهدون يميلون إلى تناول أبطالهم بصورة أكثر جدية، ويبرر ذلك على سبيل المثال في النجاح الكبير لفيلم “ذا باتمان” (The Batman) بطولة روبرت باتينسون، وإخراج مات ريفز، والذي يعد من أنجح أفلام “دي سي” في السنوات الأخيرة من الناحية النقدية والتجارية.
ختاما، من المؤكد أننا سنشاهد المزيد من أفلام الأبطال الخارقين في المستقبل، ولن تتوقف الأستوديوهات عن صنعها إلا عندما تصبح خسائرها أكثر فداحة، وتحاول “دي سي” الآن إعادة إطلاق أفلامها بممثلين جدد، وتحت إدارة جيمس غن، بينما ألغت “مارفل” بعض مشاريعها، وأجلت أخرى، لتعمل على التقاط أنفاسها، وإيجاد حل لمعضلة توقف الجمهور عن الاهتمام بأفلامها.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.