نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم السبت إلى الهاوية وأغمض عينيه، بعد أن تعهد بالانتقام مما سماه “تمردا مسلحا”، ثم وافق على حل وسط.
استهلّ الكاتب ديفيد إغناتيوس مقالا له بصحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) عن الأحداث التي جرت في روسيا أمس. وقال إن بوتين ربما يكون قد أنقذ نظامه يوم السبت لكن هذا اليوم سيُذكر كجزء من تفكك روسيا بصفتها قوة عظمى، وسيكون الإرث الحقيقي لبوتين.
ورجح أن يكون اتفاق بوتين مع زعيم المليشيا المنشق يفغيني بريغوجين بمنزلة هدنة مؤقتة في أحسن الأحوال، واصفا ما حدث بأنه كان انقلابا حقيقيا، وبأن بوتين وبريغوجين اختارا أن يلعبا “لعبة الدجاج”، حيث يتعاركان بلا هدف محدد ويتوقفان فجأة من دون سبب واضح، مضيفا أن المجانين وحدهم هم من يقفزون إلى الهاوية في مثل هذه المواقف، والرجلان ليسا بمجنونين.
بوتين لم يعتد وضعا مماثلا
ومضى إغناتيوس يقول إن بوتين لم يكن متأكدا إذا كانت وحدات الجيش النظامي ستطيع أوامره، وكان يسيّر موقفا يجد صعوبة في السيطرة عليه، وإن هذا الوضع لم يعتده الزعيم الروسي باستثناء “خطئه المجنون في غزو أوكرانيا”.
وقال أيضا إن ما يلفت الانتباه في 24 ساعة المجنونة هو أن بوتين تمكن من نزع فتيل الأزمة من دون أي مواجهة عسكرية كبيرة، وإن صديقه الحميم العنيد رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو جعله يتواضع ويتصرف بهدوء.
واستمر الكاتب يقول إن بوتين لديه موهبة غير عادية في ممارسة الحكم الاستبدادي، ملاحظا أنه بعيونه الزرقاء الجليدية يجسد عبارة “لا تدعهم يرونك تتعرق أبدا”.
ولفت إلى أنه ترك الآخرين يتصارعون بعيدا عنه، ورفض التدخل خلال العام الماضي بينما كان بريغوجين يوجه إهانات شبه يومية لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وكان بوتين يسمو عن الخلافات ويتصرف كأنه يترفع عن تلطيخ يديه بمثل هذه المشاجرات الصغيرة، لكنه أمس السبت كان مختلفا، على حد تعبيره.
استدعاء الماضي
ويرى إغناتيوس أن بوتين استدعى في خطابه المرعب أمس عام 1917، إذ عانت البلاد من ضربات محلية مدمرة أعقبت انتكاساتها في الحرب العالمية الأولى، وقال بوتين إن العدو خارجي الآن مثلما كان في ذلك العام؛ “الغرب قلب ضدنا كل أجهزته العسكرية والاقتصادية والمعلوماتية”. وعلق الكاتب بأن هذا المزيج السام من انعدام الأمن والاعتزاز القومي الروسي لا يزال وقود بوتين كقائد.
وأشار إغناتيوس إلى أن رد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على هذا اليوم المجنون في روسيا هو نسخة من النصيحة المنسوبة إلى نابليون: “لا تقاطع عدوك أبدا عندما يرتكب خطأ”، بالإضافة إلى وصفة بايدن المعتادة التي تدعو إلى “التركيز على الحلفاء والشركاء”.
كيف تصرفت أميركا؟
وظل بايدن وفريقه على اتصال بالقادة الأجانب، خاصة في مجموعة السبع والهند وأستراليا وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وكانت الرسالة في كل هذه الاتصالات هي: هدّئوا الوضع ولا تسعوا للتدخل أو الاستفادة من الفوضى، وركزت هذه الرسالة بشكل خاص على أوكرانيا. وقد اتبع الأوكرانيون تلك النصيحة.
وختم الكاتب مقاله بالقول إن ما سيأتي بعد ذلك بالتأكيد هو مزيد من المتاعب لبوتين في أوكرانيا، إذ قال بريغوجين الحقيقة بوضوح في الأيام التي سبقت مسيرته إلى موسكو: “أوكرانيا لم تهدد روسيا، والغزو الروسي لم يكن ضروريا، وهو خطأ ذو أبعاد أسطورية، وكارثية”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.