واشنطن- بعد دخول الصراع في السودان شهره الثالث، تستمر الجهود الأميركية والسعودية المشتركة لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن يبدو أنها لم تؤت ثمارها حتى الآن.
وعلى مدار الأشهر الثلاثة الماضية، نجحت وساطة واشنطن والرياض في دفع طرفي القتال لتوقيع عدد من اتفاقيات وقف النار، ولم يتم الالتزام بهذه الاتفاقيات لوقت طويل. وآخر تلك الهدن التي تم الإعلان عنها أول أمس السبت؛ تسري لمدة 72 ساعة، وتستمر حتى نهاية الأربعاء 21 يونيو/حزيران الجاري.
وتهدف واشنطن من وراء هذه الاتفاقيات إلى السماح بتوفير ممرات آمنة للمواطنين المدنيين ممن يرغبون في النزوح بعيدا عن ميادين القتال الرئيسية، وتوفير آلية لإدخال المساعدات الإنسانية للسكان المحاصرين.
لا استجابة سودانية
في هذا السياق، ذكر مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية في إفادة صحفية، أن “الأطراف المتحاربة في السودان لم تستغل المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة والسعودية، للتوصل لوقف دائم للقتال”، وفق قوله.
وأكدت خبيرة الشؤون الأفريقية بمجلس العلاقات الخارجية السفيرة السابقة ميشيل غافين، على استفادة الطرفين بشكل مطلق من مبادرات جدة، قائلة “لقد استخدموا الوقت الذي قضوه والاهتمام الدولي المكرس للمحادثات المحكوم عليها بالإخفاق في جدة، لصرف الانتباه عن أجنداتهم الخارجة عن القانون والعنيفة والتي تخدم مصالحهم الذاتية البحتة”.
وأضافت غافين “لقد ربطوا المفاوضين بأنصاف الحلول والالتزامات سريعة الزوال وغير المكتملة، ورسخوا بشكل أعمق الفكرة السخيفة القائلة بأن المتآمرين السابقين في الانقلاب والخصوم الحاليين يمتلكون مفاتيح مستقبل البلاد”.
وأشارت إلى استغلال قوات الدعم السريع الهدن لإعادة إحياء حملة الإبادة الجماعية في دارفور، “بينما أطلقت في الوقت نفسه آلية العلاقات العامة لتصور نفسها في دور الشريك الملتزم من أجل السلام، في حين تشير التقارير المشؤومة الواردة من غرب دارفور إلى أن القتل والعنف الجنسي على أساس عرقي قد تسببا بالفعل في خسائر فادحة”.
ولفتت الدبلوماسية الأميركية السابقة إلى أن القوات المسلحة السودانية تبقى مشغولة باستدعاء تعزيزات في سعيها لهزيمة قوات الدعم السريع، ولم تبد أي اهتمام بحماية المدنيين، على حد قولها.
وأضافت أنه “مع اكتساب شخصيات من حقبة دكتاتورية عمر البشير زخما، يبدو أنهم يتخيلون أن اتهام الآخرين بالإخفاق في احترام السيادة الوطنية، يدعم سلطتهم المتخيلة”.
مأساة دارفور وإدانة الدعم السريع
وقبل أيام، أدان بيان وزارة الخارجية الأميركية “تجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان وأعمال العنف المروعة الدائرة في السودان، وخاصة التقارير عن انتشار العنف الجنسي والقتل على أساس العرق في غرب دارفور على يد قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها”.
كما أشار البيان إلى قتل حاكم ولاية غرب دارفور خميس أبكر، على يد مقاتلي قوات الدعم السريع، بعد وقت قصير من تحذيره من الإبادة الجماعية ودعوته إلى التدخل الدولي لحماية المدنيين.
وتمثل الإشارة إلى مسؤولية قوات الدعم السريع عن عمليات القتل وترويع المدنيين في دارفور، موقفا أميركيا جديدا كان يحاول الوقوف على الحياد وتجنب انتقاد طرف واحد خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وأشار البيان إلى تقدير “المجموعات المحلية بقتل ما يصل إلى 1100 مدني في منطقة الجنينة وحدها، كما أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من 273 ألف شخص في ولاية غرب دارفور”.
إلا أن واشنطن أشارت كذلك إلى مسؤولية الجيش عن تأجيج الصراع من خلال تشجيع تعبئة القبائل. وأشار بيان الخارجية الأميركية إلى أن “الهجمات التي شنتها القوات المسلحة السودانية بالطائرات العسكرية أو المسيرة قد أعاقت الجهود الإنسانية”.
رصد الانتهاكات
ترصد الولايات المتحدة وشركاؤها أنشطة الطرفين المتحاربين، وتمكن هذا الرصد من خلال صور الأقمار الصناعية التجارية وتحليل البيانات مفتوحة المصدر من توثيق عدة انتهاكات جسيمة من الطرفين لالتزاماتهما بموجب إعلان الالتزام بحماية المدنيين في السودان الذي وقعا عليه في جدة في 11 مايو/أيار الماضي، واتفاقات وقف إطلاق النار والهدن التي توصلا إليها لاحقا.
وقد وثق مرصد النزاع في السودان والوسائل الإعلامية، عبر صور الأقمار الصناعية تدمير كامل لأجزاء من الجنينة ومناطق كاملة في ولايات غرب وجنوب وشمال دارفور، وتزعم أصوات سودانية “ذات مصداقية” أن هذه الأعمال تندرج ضمن نمط ناشئ من العنف العرقي الذي يستهدف السكان غير العرب، وفق بيان الخارجية الأميركية.
وأعلنت الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي أنه سيتم نشر بعض من نتائج هذا الرصد للعموم من خلال منصة توفر تقارير خبراء وشهادات مستقلة بشأن أنشطة النزاع في السودان، بما في ذلك الضرر الذي يلحقه المقاتلون بالبنية التحتية وحركة المعدات العسكرية والتحولات السكانية السريعة.
تهديدات أميركية لا تجد آذانا صاغية
ويرى البيت الأبيض أن تواصل “أعمال العنف عديمة المغزى” في مختلف أنحاء البلاد رغم اتفاق وقف إطلاق النار، يعيق تسليم المساعدات الإنسانية ويعرض للأذى أكثر من يحتاجون إليها.
وقبل أيام، وعد بيان لمستشار الأمن القومي جاك سوليفان، “مواصلة الولايات المتحدة بذل قصارى جهودها للرد على أعمال العنف والمساعدة في إنهاء النزاع”. وقال “ونتبع ذلك بفرض عقوبات اقتصادية وقيود على منح التأشيرات لأطراف فاعلة تقوم بأعمال العنف ونشر تحديث للتنبيه التجاري الخاص بالسودان. وتهدف هذه التدابير إلى محاسبة المسؤولين عن تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان”.
ولا تعرف واشنطن كيفية مواجهة كلا الجانبين بصورة حاسمة، في وقت تخطى عدد النازحين في السودان حوالي مليوني شخص، وتخطى أعداد القتلى 3 آلاف شخص، إضافة لعشرات الآلاف من الجرحى.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.