مصر والسعودية من أكثر مستخدميه.. لِمَ غزت ثورة “الفيلر” عالمنا العربي؟


على مر التاريخ، لجأت المرأة لسبل قاسية وغريبة لتبدو أكثر جمالا، بعضها وُصف بالجنون. على سبيل المثال، لجأت المرأة في أوروبا بالقرن التاسع عشر لشرب الزرنيخ، لأنه -كما أُشيع وقتها- يجعل البشرة متفتحة والعيون متألقة والصدر منتفخا، مع العلم أن الزرنيخ سام وقد يتسبب في وفاة من يتناوله (1). ومرة أخرى في عصر النهضة بإيطاليا استخدمت النساء زهرة “بيلادونا”(2) أو “المرأة الجميلة” لتوسيع حدقة العين بغرض التجميل، الأمر الذي تسبب في ضعف نظر الكثير منهن، بل وفقدان بعضهن للبصر تماما.

 

ومع تقدم التكنولوجيا والطب، تطورت أساليب التجميل لتكون أكثر تنوعا وأكثر أمانا بالتأكيد، ومؤخرا أصبح الحشو الجلدي هو الصيحة العالمية للتجميل، وهو ما يعرف باسم “الفيلر” بين النساء الآن (3)، وقد وصلت مبيعاته لمليارات الدولارات بأنحاء العالم.

 

صعود الحشو الجلدي

يُصنع الفيلر من عدة مواد كيميائية أشهرها وأكثرها استخداما هي حمض الهيالورونيك، وهو مادة توجد بالأساس بشكل طبيعي في جسم الانسان.
يُصنع الفيلر من عدة مواد كيميائية أشهرها وأكثرها استخداما هي حمض الهيالورونيك، وهو مادة توجد بالأساس بشكل طبيعي في جسم الانسان. (شترستوك)

وفقا للجمعية الأميركية لجراحي التجميل، فالحشو الجلدي هو مادة أشبه بالهلام، تُحقن تحت الجلد مباشرة بغرض تغيير حجم المنطقة المحقونة للأكبر، أو لإخفاء تجاعيد الجلد، وقد أطلقت عليه الجمعية “علاجا شعبيا” نظرا لانتشاره في كل مكان في العالم، وإقبال النساء، بل والرجال، عليه.

 

وقد اختير مصطلح “علاج” من قبل الجمعية نظرا لاستهدافه علاج آثار تقدم العمر، ولكنه أصبح مؤخرا وسيلة تجميلية يستخدمها الشباب أيضا لتغيير مظهرهم الخارجي للأفضل (4)، وتستخدم تلك المادة الهلامية في حقن مناطق متنوعة من الجسم، مثل الشفاه وتحت العين والجبين والمنطقة المحيطة بالأعضاء الجنسية للمرأة (5).

يُصنع الفيلر من عدة مواد كيميائية، أشهرها وأكثرها استخداما هو حمض الهيالورونيك، وهو مادة توجد بشكل طبيعي في جسم الإنسان، خاصة في السوائل الموجودة بالمنطقة المحيطة بالعيون، وسوائل المفاصل. ويعتبر هذا الحمض من المواد التي توفر ترطيبا طبيعيا للبشرة، ولكن مع تقدم الإنسان في العمر تتناقص وتيرة إنتاج بعض أنواع المواد المهمة في داخل الجسم، بما في ذلك الكولاجين، والإيلاستين، وحمض الهيالورونيك، ما قد يؤدي إلى فقدان الجلد لمظهره المشدود ورطوبته بشكل تدريجي، ولذلك يُصنَّع الحمض معمليا ليُحقَن لأغراض تجميلية (6).

تجارة بمليارات الدولارات

تجارة التجميل بمليارات الدولارات!
يكلف الفيلر في الوطن العربي ما بين 150 دولار وحتى 650 دولار على حسب كمية الفيلر المراد حقنها ومكان حقنها. (شترستوك)

وفقا للإحصائيات، فإن تجارة المواد المخصصة للحشو الجلدي، والأماكن التي تقدمه بوصفه خدمة علاجية، قد وصلت عام 2022 إلى 5.31 مليارات دولار أميركي عالميا، ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم إلى 9 مليارات دولار أميركي بحلول عام 2030 (7).

سبب الانتشار الواسع لتجارة مواد الفيلر أن استخدامها لم يعد مقصورا على علاج آثار تقدم العمر كما أسلفنا، بل أصبح جل عملاء هذا السوق من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عاما (8). يغذي كل هذا الهوس الأسعار المناسبة للفيلر وسهولة تنفيذه دون جراحة وخلال فترة زمنية لا تتجاوز دقائق على أيدي الأطباء المدربين على الحقن، كما تُعد مخاطر الحشو الجلدي أقل من مخاطر الجراحات التجميلية بفارق كبير(8).

بفضل هذه الميزات، استطاعت تلك التقنية أن تشق طريقها إلى المجتمع العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وقد قُدّر حجم مبيعات الفيلر وإجراءاته العلاجية في الشرق الأوسط عام 2017 بـ34 مليون دولار(9). ومن المتوقع أن يصل هذا السوق إلى ما يقرب من 250 مليون دولار أميركي بحلول عام 2029 (10). وتعد تركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر الأسواق الرئيسية للفيلر في المنطقة.

مقارنة بعمليات التجميل التي قد تكلف مبالغ بالآلاف وجروحا وكدمات تستمر لفترة حتى يتعافى الجلد، يعتبر الفيلر حلّا “رخيصا” للتجميل. (شترستوك)

في دراسة نُشرت في نهاية عام 2021 (11)، أشار الباحثون إلى أن انتشار الفيلر في الشرق الأوسط كان له سبب غير متوقع، وهو وباء كورونا. فمع تركيز قطاعات الرعاية الصحية في الشرق الأوسط والدول الإفريقية بشكل أساسي على تشخيص مرضى الوباء وعلاجهم، أدى ذلك إلى إلغاء مواعيد العمليات الجراحية التجميلية (12). ومن ثم كان البديل الآمن والسريع الذي أمكن للأطباء أن يقوموا به في المنزل هو الفيلر، فانتعشت الصناعة وقت الوباء بقوة.

الجدير بالذكر هنا أن القول بأن الفيلر أقل سعرا من عمليات التجميل لا يعني أنه “رخيص الثمن” في المطلق، ولكن مقارنة بعمليات التجميل التي قد تكلف مبالغ بالآلاف وجروحا وكدمات تستمر لفترة حتى يتعافى الجلد، يعتبر الفيلر حلّا “رخيصا” للتجميل. ويكلف الفيلر في الوطن العربي ما بين 150 دولارا وحتى 650 دولارا على حسب الكمية المراد حقنها ومكان الحقن.

على سبيل المثال يمكن تنفيذ حقن علاجي للهالات السوداء حول العين بداية من 150 دولارا أميركيا، بينما يتراوح سعر حقن فيلر الشفاه ما بين 200 دولار و800 دولار حسب الطبيب والعيادة التي يتم التعامل معها، فيما يبدأ سعر حقن الفيلر تحت العين من 100 دولار، وهناك أنواع للحقن تستمر فترة قد تصل إلى 6 أشهر، وتلك يصل سعرها إلى 650 دولارا، والسر في سعرها المرتفع أنها لن تضطر الشخص إلى المتابعة مع الطبيب شهريا لضبط الفيلر وملئه مرة أخرى أو صيانته بأي شكل (13).

مخاطر الفيلر

عندما كان يتم استخدام الفيلر على نطاق ضيق لم تنتشر مخاطره ولم تلفت النظر كثيرا، ولكن بعد انتشاره وشعبيته بأنحاء العالم، زادت المخاطر والمضاعفات ولفتت نظر المتخصصين
عندما كان يستخدم الفيلر على نطاق ضيق لم تنتشر مخاطره ولم تلفت النظر كثيرا، ولكن بعد انتشاره وشعبيته بأنحاء العالم، زادت المخاطر والمضاعفات ولفتت نظر المتخصصين. (شترستوك)

ذكرنا سابقا أن السبب في انتشار استخدام “الفيلر” عالميا هو أن مخاطره أقل من مخاطر عمليات التجميل، ولكن هل هذا معناه أنه بلا مخاطر على الإطلاق؟ حسب الجمعية الأميركية لجراحي التجميل، فإن مستخدم الفيلر يجب أن يتم إخطاره من قِبل الطبيب الذي سيحقنه بكل المخاطرات والمضاعفات المحتملة، كما يجب أن يُطلب من المستخدم التوقيع على أوراق رسمية تتضمن تأكيده على معرفة تلك المخاطر.

تبدأ تلك المخاطر والمضاعفات عادة مع الطفح الجلدي الذي يشبه حب الشباب والذي قد يستمر لأيام ويحتاج إلى علاج، مرورا بعدم التماثل الذي يعني مثلا أن تكون شفة أكبر من شفة بعد الحقن، وهو ما يحتاج إلى إعادة حقن وتعديل، والنزيف في موضع الحقن، والكدمات التي قد تستمر أياما، وتلف الجلد الذي ينتج عنه جرح وندبة لا تزول، وانتقال العدوى من مكان الحقن، والتكتلات أسفل الجلد.

كما يمكن أن يصاب مستخدمو الفيلر بنخر في الجلد، وهو التقرح أو فقدان الجلد بسبب اضطراب تدفق الدم. وفي بعض الحالات النادرة، قد يُحقن الفيلر في الأوعية الدموية عن طريق الخطأ بدلا من تحت الجلد، ما يمكن أن يمنع تدفق الدم، وستختلف المضاعفات وفقا لسرعة التصرف في هذا الموقف، لكن الحقن الخاطئ حول منطقة العين مثلا ربما يتسبب في فقدان البصر(14).

يؤكد مؤلفو إحدى الدراسات أن الفيلر يعتبر آمنا في المجمل لكن المضاعفات الأكثر شيوعا هي التورم والعدوى. (شترستوك)

عندما كان الفيلر يُستخدَم على نطاق ضيق لم تنتشر مخاطره ولم تلفت النظر كثيرا، ولكن بعد انتشاره وشعبيته في أنحاء العالم زادت المخاطر والمضاعفات ولفتت نظر المتخصصين، وفي عام 2018 نشرت المجلة البحثية “جاما فيشال بلاستيك سيرجري” ورقة بحثية سلطت الضوء على المضاعفات الشائعة والنادرة المرتبطة بالحشو، والتي أُثيرت في الدعاوى القضائية بالولايات المتحدة الأميركية.

يؤكد مؤلفو الدراسة أن الفيلر يعتبر آمنا في المجمل لكن المضاعفات الأكثر شيوعا هي التورم والعدوى، وقد رصد الباحثون 1,748 حالة تم الإبلاغ عنها بين عامي 2014 و2016. ومن بين هؤلاء كانت المضاعفات الأكثر شيوعا هي التورم، والعدوى، ووجود عقدة أو كتلة، والشعور بالألم. ووجد الباحثون أن العديد من الحالات التي أصابتها المضاعفات (43%) نتجت عن حقن في الخد، و30% كانت من حقن الشفاه.

لحسن الحظ، تعتبر هذه المُضاعفات حميدة وليس لها آثار جانبية دائمة، ولكن من ناحية أخرى، لفت فقدان البصر نظر الباحثين بوصفه إحدى المضاعفات النادرة التي حظيت باهتمام في السنوات الأخيرة لدراستها ومحاولة تجنبها(15).

الممارسة الشبحية للـ”فيلر”!

ومع ذلك، فإن من أكثر المخاطر التي تواجه مستخدمي “الفيلر” هي الأماكن التي تمارس تلك التقنية التجميلية دون تصريح أو تدريب كافٍ، والتي جعلت حالات المضاعفات تزيد مع الوقت، وفي تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية عام 2022، سُلط الضوء على حملات من المتخصصين تحذر من انتشار تلك النوعية من الممارسات في أنحاء العالم، ولجوء المستخدمين لها نظرا لأن أسعارها أقل، وقد سميت تلك الممارسات بـ”الشبحية” نظرا إلى أنها تمارس في الظل، وتنتج عنها آثار وُصفت بـ”الجسمية” و”المروعة”، وفي النهاية تكون سببا في سوء سمعة التقنية التجميلية ذاتها.

 

في بريطانيا وأثناء الحجر الصحي لفيروس كورونا، رُصد ارتفاع كبير في الإعلانات عن إجراءات التجميل على وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الإجراءات غالبا ما تتم في منزل المستخدم ودون معرفته بمؤهلات الجهة التي تنفذها. وعندما تبدأ الأمور بالسوء ويبدأ المستخدم في البحث عن هذه الحسابات وأصحابها، يفاجأ أنها أُغلقت واختفت. (16). ولذلك ينصح الخبراء ألا يتم التعامل مع أي موزع لحقن الفيلر إلا لو كانت عيادة مرخصة وطبيبا متخصصا.

 

بعيدا عن هذه المخاطر، تظل هناك مشكلة رئيسية لا ينتبه إليها المستخدمون غالبا وهي أن الفيلر بطبيعته ممارسة مستمرة، يجب أن يتم تجديده في بعض الحالات كل 6 أشهر على أقصى تقدير (باستثاء السيليكون الذي لا ينصح باستخدامه في الوجه والأماكن الأكثر حساسية من الجسم). (18) وفي حالة التوقف عن الحقن نهائيا يعود الوجه لإظهار علامات التقدم في العمر بشكل طبيعي. ويحذر الأطباء في هذا السياق من أن إجراءات الحقن تتحول لدى البعض إلى نوع من أنواع الإدمان، بجانب أن الأشخاص الذين يواظبون على الحقن سنوات طويلة ثم يتوقفون قد تظهر عليهم علامات ارتخاء وتهدل على ملامح الوجه عند التوقف (19).

 

في النهاية، قد ينخدع البعض بسهولة بالنتائج السريعة التي يوفر الفيلر مقابل مبلغ زهيد نسبيا من المال، ولكن ما لا قد يعرفونه هو أن الفيلر عملية مستمرة وتكلف المال كل فترة، وأن المظهر النضر الذي يمنحه الفيلر يجعل من الصعب على مستخدمه التخلي عنه مع مرور الوقت، ولذلك يتحول الفيلر إلى التزام مالي متواصل، وتعرض دائم للمخاطر -مهما كانت محدودة- مع كل مرة يُحقَن فيها الإنسان بالفيلر.

————————————————————————————-

المصادر


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post أفضل صفقات مكنسة أمازون برايم داي لعام 2023
Next post مجموعة متنوعة من الأرز الهندي جوها قد تساعد في إدارة مرض السكري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading