عمّان- لم يحتمل المواطن جميل البرماوي مشاهدة حلقة واحدة من المسلسل الكوميدي “مشوح وملوح” الذي عرض على شاشة تلفزيون المملكة الرسمي، خلال شهر رمضان الماضي، فانتقل لقناة أخرى بعد دقائق معدودة؛ بحثا عن كوميديا حقيقية بدلا من الإفراط في التسفيه وإضعاف المحتوى.
النتيجة التي توصل إليها البرماوي أكدها المؤثر على وسائل الاتصال الاجتماعي، وأحد أبطال المسلسل الكوميدي الأردني “مشوح وملوح”، عمر الطراونة، الذي كتب عبر صفحته على “فيسبوك” بعد عرض 25 حلقة “التجربة فشلت”.
أسدل الطراونة الستارة على موجة من الجدل رافقت عرض حلقات المسلسل الذي كلف 50 ألف دينار (70 ألف دولار) من موازنة الدورة البرامجية لشهر رمضان والمقدرة بنحو مليون دينار أردني، (1.4 مليون دولار)، من موازنة التلفزيون الأردني لعام 2022، والبالغة نحو 26 مليون دينار أردني (36 مليون دولار)، وفق ما نقلت للجزيرة نت مصادر مسؤولة داخل إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
مشوح وملوح
وفي واجهة موجة الجدل المحتدم، برز سؤال عن الغاية من تسفيه الأعمال الكوميدية الأردنية وإضعاف محتواها. وتمحور النقاش العام حول “فشل” تجربة انخراط مؤثرين على صفحات التواصل الاجتماعي في الأعمال الكوميدية دون تأهيل وتدريب.
مسلسل “مشوح وملوح” كتابة وليد عليمات وحسن عرابي، وإخراج السوري محمد الأصيل، وتدور أحداثه حول شابين عاطلين عن العمل، يكدان في البحث عن الرزق الحلال، فيواجهان سلسلة من التحديات.
المؤثر الطراونة، أحد أبطال مسلسل “مشوح وملوح” إلى جانب زميليه بلال العجارمة، والممثلة تالا الحلو، يختزل المشهد ويسرد أسباب إخفاق التجربة الأولى للمؤثرين على صفحات التواصل الاجتماعي في الدراما للجزيرة نت بقوله “أدائي أنا وبلال لم يكن مقنعا للناس، فكان من الضروري الإقرار بفشل التجربة”، لافتا إلى معوقات اعترضت سياق التحضيرات، مثل “تعذر الحصول على تصاريح لكثير من مواقع التصوير، وعدم تمكن المخرج محمد الأصيل من الحضور ومتابعة تفاصيل العمل، ما أحدث إرباكا في كثير من مشاهد العمل”.
ولا يخفي الطراونة عتبه على التلفزيون الأردني، فيقول “التلفزيون لم يعط المسلسل حقه، لا من الناحية الإنتاجية ولا من الناحية المادية، فضلا عن غياب الجدية بالعمل”.
وعن أجرته وأتعابه يكشف للجزيرة نت أن كل ما تقاضاه عن 30 حلقة عرضت على الشاشة الأردنية الرسمية لم يتجاوز 2500 دولار، مؤكدا أنه لم يتفق على الأتعاب قبل انطلاقة المسلسل، وكان الطراونة ترك المسلسل فور إبلاغه رسميا بالأتعاب عقب الحلقة السادسة، لكنه استجاب لنصائح رأت في المسلسل انطلاقة جديدة له، وعاد لاستكمال العمل.
ويدافع الطراونة عن كاتب المسلسل وليد عليمات بقوله “ظلموا الكاتب، ولم يأخذوا من كتابات وليد سوى 3 أو 4 حلقات، أما المتبقي فمن كتابات حسن عرابي”. ويضيف “كنت أنا وبلال نضطر لتغيير نصوص داخل الحلقة، وهو ما أسهم في إرباك العمل، ولم نكن نعرف ما نفعل في بعض المواطن”.
الناقد الفني رسمي الجراح يربط ضعف الأعمال الكوميدية بضعف عام انتاب الحالة الثقافية على إطلاقها، بسبب أسلوب التلقين المدرسي والجامعي الذي لا يعتمد على البحث وتوسيع المدارك، فأفرزت تلك الظروف مجتمعة مشاهد ركيكة وساخرة.
وتعليقا على ضعف المحتوى الكوميدي للمؤثرين، يقول الجراح للجزيرة نت “إن سهولة التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي وسرعة تحميل المشاهد وسرعة وصول المحتوى إلى المتلقي دفع الفضوليين من غير أصحاب الخبرات إلى الاعتقاد بأنهم مشاهير ومؤثرون في حين أن المحتوى فارغ من القيم الفنية”.
وهم النجاح
ويرى الجراح أن أصحاب المحتوى أو المؤثرين يعتقدون أن نجاحهم المؤقت دائم؛ فيُنتجون في كل مرة محتوى جديدا، ولكن مع تقدم الزمن ثبت للمتابعين أن ما يقدّم لا يوجد فيه أي دسم ثقافي أو فني أو ترفيهي، فينتقلون إلى محتوى آخر ويتلقون الصدمة ذاتها. وخلص إلى وصول المتلقي إلى متوالية من الصدمات بسبب ما سماه “الثقافة الفنية غير الراسخة وغير المبنية على أسس سليمة”.
ويحث الجراح المؤسسات الرقابية وهيئة الإعلام على إيجاد أسس محددة لتقديم محتوى جاد، يليق بالذائقة الفنية الأردنية بعيدا عن التسفيه والتقليل من الموروث الشعبي الأردني، لكن الحاصل أن المؤسسات الرقابية تدفع بذلك المحتوى إلى الشاشات لأنه لا يوجد أمامها خيارات أخرى ثرية أو غنية بالمحتوى، فتضطر إلى تبرير هذا المحتوى الهش.
ويتذكر الناقد الجراح أياما خلت كانت فيها الكوميديا الأردنية، منارة فكرية وثقافية وعملا ناضجا، من بينها “العلم نور” و”يوميات مرزوق” ومسلسلات أخرى استطاعت تقديم نماذج كوميدية بدون المس بأحد أو تسفيه المحتوى.
ليست سياسة رسمية
المخرج السينمائي، فيصل الزعبي لا يتفق مع من يقولون إن مرحلة تسفيه المحتوى الكوميدي سياسة مرسومة، انطلاقا من نظرية المؤامرة، إنما يراها “وفق قاعدة الجاهل لا يرتبك، فالجهل يجر جهلا حتى يصبح معيارا”.
ويعدد الزعبي -في حديثه للجزيرة نت- أسبابا كثيرة وراء تسفيه الأعمال الكوميدية الأردنية وإضعاف محتواها، منها غياب الاحترافية، بسبب عدم توفر معهد للفنون أو أكاديمية متخصصة، ويبين أن غياب المعايير تسبب أيضا بتسفيه الدراما، إذ لا يمكن اختصار الدراما بعدد الإعجابات والمتابعات والمشاهدات للمؤثرين وغيرهم، إنما هي سلسلة من معارف وخبرات، لكن المنتج الأردني صار وفق منظور الزعبي “تاجر شنطة” يعمل وفق ما يمليه عليه رأس المال.
من جانبه، يرى مدير عام هيئة الإعلام بشير المومني أن الهيئة لا تملك رقابة على ما يعرض على شاشة التلفزيون الرسمية، مضيفا للجزيرة نت “التلفزيون هو الجهة القادرة على تحديد محتواها واتجاهاتها وسياساتها”. واستغرب الهجمة على المسلسل رغم أنه شكل من أشكال الدعم للمنتج الأردني.
وبالنسبة لمدير إدارة التلفزيون رائد عربيات فإن تجربة الاستعانة بشباب أردنيين ناشطين على مواقع التواصل أعجبت البعض ولم ترق لآخرين، وقال للجزيرة نت إن العمل الكوميدي أوصل رسائلا واضحة ومفيدة للجمهور، وأضاف “نحن نتحدث عن مؤثرين وليس فنانين، ولا يجوز أن نحاكمهم على اعتبارهم فنانين، والتلفزيون منح المؤثرين فرصة جديدة خارج منصات التواصل الاجتماعي”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.