مسلسل “المستشار”.. عندما تصبح بيئة العمل جحيما حرفيًا | فن


على شاشة “أمازون برايم فيديو” ( Amazon Prime Video) عُرض مؤخرًا مسلسل رعب كوميدي بعنوان “المستشار” (The Consultant) بطولة النجم الحائز على الأوسكار كريستوف فالتز، وذلك عبر 8 حلقات، وهو مقتبس من رواية بالاسم ذاته للكاتب بنتلي ليتل.

تدور أحداث مسلسل المستشار في إحدى الشركات الناشئة (Startup) -التي انتشرت في السنوات الأخيرة وسادت عالم الأعمال- وذلك في إطار من الرعب الكوميدي، واستحق العمل تقييم 75% على موقع “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes).

المستشار ورعب الرأسمالية

يقدم مسلسل المستشار طبقات متعددة في القصة ذاتها، قراءته بشكل مباشر تضعه في إطار مسلسل كوميدي ذي لمسة من الإثارة والرعب، ولكن يمكن كذلك النظر إليه على أنه عمل ساخر عن بيئات العمل السامة والمديرين المستبدين، والرأسمالية التي تحول الموظفين إلى آليين لا تحمل حياتهم أي خصوصية، فهم عبيد من نوع جديد فقط.

يمكن تفسير الحبكة بأنها نقد مباشر لمشاريع الشركات الناشئة” أو “ستارت أب” (Startup) ذات الأفكار الجديدة التي انتشرت في بداية الألفية ثم سقوط أغلبها، مما أثر على الاقتصاد الأميركي بشدة بعدما استُثمر فيها كثير من الأموال قبل اكتشاف خوائها وعدم قدرة بعضها على تحقيق الأرباح المأمولة على المدى البعيد، إذ ظهرت كأحلام طموحة لكن معدومة القدرة على كسب المال.

يبدأ مسلسل “المستشار” (The Consultant) في شركة ناشئة تعمل في مجال ألعاب الفيديو، يزورها مجموعة من الأطفال في رحلة مدرسية لتعريفهم على الشركات المسؤولة عن لعبهم المفضلة، وفي نهاية هذه الزيارة يقتل أحد الأولاد مؤسس الشركة ذا الأصول الكورية “سانغ”.

وقبل أن تهدأ آثار المأساة يظهر في الشركة رجل غامض يحمل اسم “ريجس باتوف” ويطلق على نفسه لقب “المستشار”، ويَعد الموظفين بإعادة هيكلة الشركة التي كانت على وشك الإفلاس، وذلك إكرامًا لذكرى السيد سانغ الذي وقع معه عقدًا قبل فترة قصيرة للغاية من وفاته.

تتركز الأحداث بعد ذلك على اثنين من الموظفين، وهما كريغ وإيلين اللذان يشككان في دوافع وتصرفات هذا المدير الجديد، وفي الوقت نفسه يستخدم المستشار حيلًا نفسية للتلاعب بهما باستخدام طموحتهما الشخصية ورغبتهما الطبيعية في الترقي، فيقتحم حياتهما الشخصية بطرق ملتوية، ويؤلب موظفي الشركة ضد بعضهم بعضا تحت شعار “البقاء للأصلح”.

القدرة على قراءة العمل بصور متعددة تبدو مزية للمسلسل بالتأكيد، لكنها أيضًا عيب، فهو يبدو كما لو أنه معني بكثير من القضايا الفرعية في آن واحد مما يشتت الحبكة نفسها، فيمكن حتى اعتباره مسلسلا ضد العنف وسهولة الوصول إلى الأسلحة حتى للأطفال -وهي قضية حقيقية في الولايات المتحدة بتعدد حالات إطلاق النار الجماعي التي يقوم بها طلبة المدارس بشكل شبه سنوي- أو الاتجار في البشر أو تحويل العمل لشيء مقدس أكثر من الحياة نفسها.

وهناك فرق بين عمل يمكن تفسيره وقراءته بأشكال متعددة، وبين عمل يرغب في قول كل شيء في آن واحد، فيصبح فوضى من الخيوط الدرامية والأيديولوجيات التي تفسد على المشاهد متعته.

كريستوف فالتز الشيطان اللطيف مرة أخرى

يبرع كريستوفر فالتز بنوع خاص من الرعب، ظهر ذلك بشكل واضح بعد فوزه بجائزتي أوسكار عن فيلمين من أفلام كوينتين تارنتيو، قام فيهما بدور الشخصية التي تحوّل سمة “الفضول” إلى “تهديد”.

فعلى سبيل المثال في فيلم “أوغاد مجهولون” (Inglorious Basterds)، قدم دور هانز لاندا القائد العسكري النازي الذي يُظهر سلوكا متناقضا من القسوة والسادية المغلفة باللباقة واللطف الشديد، وأصبحت هذه الصفات جزءًا من حضور فالتز الدرامي والجسدي.

في “المستشار” يؤدي كريستوف فالتز أداء مشابها، فهو رجل شديد الأناقة بابتسامة شبه دائمة، ولباقة ولطف شديدين، ولكن تلك التصرفات تغلف ساديته الشديدة التي تجعله يمنع دخول موظفة على كرسي متحرك لمجرد تأخرها ثانية واحدة عن موعد غلق الباب، أو يطرد موظفا لأن رائحة جسمه لا تعجبه.

تأخذ شخصية المستشار كذلك طابعًا أسطوريًا في الحلقات الأخيرة من المسلسل خلال بحث كل من إيلين وكريغ عن أصل هذا الشخص والنمط الذي يتبعه في أعماله، فشركة بعد أخرى يموت مالكها، ثم يتولى “المستشار” إدارتها لفترة من الوقت، حيث يحيل حياة موظفيها إلى جحيم، ثم يتركها وهي تحقق أعلى الإيرادات، ولكن بطرق خفية وبعضها حتى يخاف المرء من تصديقها، مثل تفجير منشآت لزيادة كميات الأطراف الصناعية المباعة في روسيا وذلك لرفع إيرادات شركة متخصصة في الأطراف الاصطناعية، أو تقديم لعبة فيديو مستحيلة الانتهاء كما فعل مع الشركة الحالية.

بتلاعبه بموظفيه، وكلماته التي يمكن دومًا تفسيرها بأكثر من طريقة، ودفع الجميع لمخالفة كل الأعراف الأخلاقية، يشبه المستشار في كثير من الأحيان شيطانا بملامح بشرية، وهو الدور الذي أجاده كريستوف فالتز من قبل عدة مرات، ويعيد تقديمه في هذا المسلسل مرة أخرى ببراعة.

كتب سيناريو “المستشار” الكاتب البريطاني توني باسغالوب، وهو يشبه من حيث النوع مسلسله الأميركي السابق “خادمة” (Servant) على “آبل تي في بلس” (+Apple TV) حيث يخلط سمات الرعب بالفكاهة اللاذعة، ويخلق مزيجًا مقلقًا يصعب على المشاهد تحديد إذا ما كان ما يشاهده هو شر خارق للطبيعة أو مجرد سلوك بشري سيئ.

دراما “الخادمة” اعتمدت على أداء البطلة مثل “المستشار”، ولكنه أداء بدا مختلفًا من جانب الممثلة بالإضافة إلى الشخصية المكتوبة بصورة مميزة، ولكن كريستوف فالتز في المستشار بدا كما لو أنه يعيد تدوير “البرسونا” أو الشخصية التي التصقت به لوقت طويل.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post القبض على امرأة أمريكية في أستراليا ومعها مسدس ذهبي في حقيبتها
Next post بعد تصدره الترند.. ما قصة جمبري الفراولة حديث المصريين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading