عالم وداعية جزائري ومرجع في الفقه المالكي. من مواليد عام 1917، وشارك في الثورة ضد الفرنسيين، وكان من أبرز قادة المقاومة الثقافية، وهو من المؤسسين لرابطة الدعوة الإسلامية الجزائرية، وعينه الثوار قاضيا للثورة، وبعد التحرير أصبح مفتيا للجزائر، وكرّس حياته -التي زادت على 100 عام- لخدمة الدين الإسلامي؛ فجمع بين القضاء والإفتاء والدعوة والتأليف. توفي في 13 يونيو/حزيران 2023.
المولد والنشأة
ولد محمد الطاهر بن مقران بن محمد الطاهر آيت علجت في السابع من فبراير/شباط 1917 في قرية بني عيدل في بلدية ثاموقرة بولاية بجاية.
كانت لجده زاوية دينية في ولاية بجاية، وهي مكان يقصده الناس في ذلك الوقت لتعلم الدين والعلوم المختلفة، وهناك نشأ محمد الطاهر وتربّى على مكارم الأخلاق ومنادمة الكتب ومجالسة أهل العلم.
ينحدر من أسرة علمية ذات حضور ديني وثقافي كبير في بني عيدل والمناطق المجاورة لها، وتعتنق عائلته المذهب المالكي وتنطلق من معتقد أهل السنة والجماعة، فتأثر بذلك وكرّس حياته في سبيل العلم حتى أصبح مرجعا في الفقه المالكي.
الدراسة والتكوين
تلقى الشيخ محمد الطاهر آيت علجت بواكير تعليمه في مسقط رأسه بزاوية جده الشيخ سيدي يحيى العيدلي، التي كان لها صيت كبير، وتستقطب طلاب العلم من جميع أنحاء دولة الجزائر.
حفظ القرآن الكريم وهو في 11 من عمره على يد والده، ومن ثم صحب العلامة الشيخ سعيد اليجري وأخذ عنه بعض متون الفقه المالكي، مثل مختصر الشيخ خليل بن إسحاق ورسالة بن أبي زيد القيرواني، ودرس عليه الآجرومية وألفية بن مالك في النحو.
وبعد أن قرأ جُلّ ما يدرس من الكتب والمتون الفقهية في مسقط رأسه، سافر نحو زاوية الشيخ بلحملاوي قرب قسنطينة في قرية العثمانية، وهناك صحب عددا من العلماء؛ كالشيخ مصباح الحويدق والشيخ العوادي وغيرهما، فتوسّعت مداركه وتعمّق في الفقه المالكي وعلوم اللغة.
وفي قسنطينة التقى الشيخ عبد الحميد بن باديس، وحضر كثيرا من دروسه وتأثر ببعض أفكاره.
التجربة العلمية
في مرحلة مبكرة من عمره، لفت الشيخ محمد الطاهر أنظار الوسط العلمي والمعرفي من حوله فتصدّر المجالس، وتحلّق حوله طلاب العلم من كل حدب وصوب، وأصبح وجهة لكل من يريد أن يتفقه في الدين الإسلامي.
وفي سنة 1937، وبعد أن طاف بين الزوايا العلمية المتنوعة، رجع لزاوية جده الشيخ يحيى العيدلي بولاية بجاية، وبدأ تدريس القرآن وعلومه.
ومن تلك الزاوية انطلق مشروعه العلمي والفكري، فأعاد هيكلتها ونظم مناهجها التربوية وفقا لما يدرس في المعاهد الإسلامية الكبرى، وتخرج فيها عدد من طلاب العلم الذين تم قبولهم للدراسة في الزيتونة بتونس.
وعلى الصعيد الفكري والسياسي، تبنى الشيخ آيت علجت منهجا فكريا قائما على ثنائيتي “التنوير والتثوير”، فعمل على تعليم الأجيال وتربيتها على منهج الثورة والجهاد.
وبعد استقلال الجزائر تفرغ للدعوة إلى الله ونشر قيم الإسلام وبث روح التسامح، ونبذ الغلو والتطرف والأفكار الشاذة.
وفي عام 1989، شارك مع عدد من العلماء والمفكرين في رابطة الدعوة الإسلامية في الجزائر، التي كان من أولوياتها تقريب الأفكار بين الحركات الإسلامية والعمل على توحيد جهود علماء الأمة.
قاضي الثورة
وعندما ذاع صيته بين الناس أصبحت زاويته مؤسسة دينية وخيرية واجتماعية، وعدّها الشباب المجاهدون ملاذا لهم، ونظرا لمحوريته وفاعليته في المجتمع اختاره الثوار المجاهدون عام 1954 مفتيا لهم وقائما على فصل الخصومات والنزاعات وفقا لمقتضيات الشريعة الإسلامية.
وعندما تنامى دور زاويته دمّرتها القوات الفرنسية أواخر أغسطس/آب 1956، فسافر حينها إلى تونس بأمر من قادة الثورة ثم إلى طرابلس عام 1957.
وكان يشرف على تنظيم الجهاد والدعم لصالح الثوار من خلال المكتب الخارجي لجبهة التحرير في طرابلس، وبقي فيها حتى نجحت الثورة واستقلت البلاد.
الوظائف والمسؤوليات
تقلد الشيخ محمد الطاهر آيت علجت خلال مساره الحافل بالعطاء العلمي والتنويري كثيرا من المناصب، وأهمها:
- كان مسؤولا وشيخا لزاوية الشيخ يحيى العيدلي ببلدية ثاموقرة بولاية بجاية عام 1937.
- تولّى الإفتاء والقضاء لجيش التحرير الجزائري عام 1954.
- عين مسؤولا عن الطلاب الجزائريين في جامع الزيتونة 1957.
- اختير منسقا للثورة الجزائرية في طرابلس 1957.
- كان أستاذا بثانوية عقبة بن نافع 1963، وبقي في التعليم الثانوي مدرسا للعلوم الشرعية والعربية حتى أحيل للتقاعد 1978.
- وهو عضو مؤسس في رابطة الدعوة الإسلامية الجزائرية 1989.
- عُين سنة 2016 رئيسا للجنة الوطنية للفتوى، ولجنة الأهلة والمواقيت الشرعية حتى وفاته في 2023.
المؤلفات
رغم اشتغاله بالإرشاد والوعظ والتدريس والإفتاء، فقد طرق الشيخ علجت باب التأليف؛ فدقّق وصحّح واختصر وشرح. ومن مؤلفاته:
- شرح لرسالة ابن أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي.
- سلسلة شرح موطأ الإمام مالك بن أنس.
- شرح على متن الرحبية.
- ترتيب الفروق.
- شرح على مختصر خليل في الفقه المالكي.
الجوائز والأوسمة
حصل الشيخ آيت علجت على كثير من الأوسمة والجوائز تثمينا لمسار حياته الحافل بخدمة الإسلام والدفاع عن الجزائر، ومنها:
- تكريمه بمناسبة الذكرى 56 لعيد الاستقلال بالجزائر من قبل منظمة أبناء المجاهدين.
- تكريمه من قبل “جمعية الكلمة للثقافة والإعلام” نظير جهوده في خدمة اللغة العربية.
- وفي أكثر من مناسبة تم الاحتفاء به من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الجزائر.
الوفاة
توفي الشيخ محمد الطاهر آيت علجت يوم الثلاثاء 13 يونيو/حزيران 2023 بمستشفى مصطفى باشا بالعاصمة الجزائر بعد وعكة صحية ألمت به، ودفن في مقبرة عيسات إيدير ببني مسوس يوم الأربعاء 14 يونيو/حزيران 2023.
ونعاه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، كما نعاه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعدد من الشخصيات والمنظمات الدينية المحلية والدولية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.