لماذا يحب غوارديولا ناشئي بنفيكا؟ ميدان يحاور مسؤولي أفضل أكاديمية في أوروبا!


أهلا بك مرة أخرى. نفترض أنك قد اطلعت على الجزء الأول من تلك المغامرة الصحفية. إن لم تكن فعلت، فكل ما في الأمر هو أننا استطعنا الوصول إلى إدارة نادي بنفيكا، وأجاب عن أسئلتنا مباشرة السيد “بيدرو ماركيس”، المدير التقني للقلعة البرتغالية. إن كنت تصادف اسمه للمرة الأولى، فنحن ننصحك ألا تفوّت قراءة إجاباته.

 

أما اليوم، ضيفنا هو “رودريغو مغاليش”، الذي يشغل مقعد المنسق التقني للأكاديمية. أرسلت إلينا “باولا”، الصحفية المسؤولة عن التواصل معنا، لتأكيد الموعد المحدد، وكانت فرصة جيدة كي نشكرها، ونرسل التحية إلى “لويس روبيرو” رئيس القسم الصحافي لقطاع الشباب في بنفيكا، الذي كان أول من رد على رسائلنا. كنا ننتظر الضيف عبر تطبيق “زووم”، ونفكر: تُرى هل يتأخر هو الآخر كما فعل “بيدرو”؟ لم يتأخر الرجل، ها هو يحاول تثبيت هاتفه، قبل أن يبتسم ابتسامة ودودة، ويشير بيده قائلا: “مرحبا.. أنا رودريغو”.

 

هل تسألني عن حلمي الشخصي؟ بالون دور

في الحقيقة لم نكن نعرف عن شخص “رودريغو” الكثير. بالطبع كنا ندرك أهمية المنصب الرفيع الذي يتولاه، والثقة التي يحظى بها لدى إدارة بنفيكا، والخبرة الطويلة التي اكتسبها نتيجة تلك الثقة، وعبر سنوات طويلة من العمل، لكن المعلومات المتوفرة عن شخصه لم تكن كافية، لذلك طلبنا منه مساعدتنا.

 

مرة أخرى يبتسم الضيف، ثم يرد: “اسمي رودريغو مغاليش، أعمل هنا في بنفيكا منذ عام 2005، وأتولى منصب المنسق التقني للأكاديمية. أنا لم أُولد في لشبونة، بل أتيت من بلدة صغيرة تقع في شمال البرتغال، وهناك بدأت العمل في كرة القدم.

 

دخلت كرة القدم من بوابة التدريب في الفئات السنية للأندية الصغيرة، إذ عملت مع فِرَق تحت 7 سنوات و10 سنوات، ثم انتقلت للعمل مساعد مدرب في فئات أكبر، كفِرَق تحت 18 وتحت 19 سنة. تحولت بعد ذلك للعمل منسقا تقنيا لتلك الفِرَق الصغيرة، قبل أن آتي إلى لشبونة وأكون شاهدا على لحظة افتتاح الأكاديمية في 2006. أشعر بالسعادة كلما تذكرت تلك البداية”.

Soccer Football - Champions League - Quarter Final - First Leg - Benfica v Inter Milan - Estadio da Luz, Lisbon, Portugal - April 11, 2023 Benfica fans display scarves inside the stadium before the match REUTERS/Rodrigo Antunes
يحلم رودريغو باليوم الذي يفوز فيه فريق لبنفيكا مكوّن من أبناء الأكاديمية ببطولة أوروبية كبرى مثل تشامبيونزليج.  (رويترز)

حسنا، كانت تلك إجابة جيدة، إلا أننا لا نعرف ماذا يفعل المنسق التقني بالتحديد. يحمل اسم ذلك المنصب هالة من الأهمية، لكننا لا نعرف ما طبيعة مهامه. نقلنا ذلك الشعور إلى “رودريغو”، وأجاب فورا: 

 

“باختصار أنا مسؤول عن ثلاث مهام في أكاديمية بنفيكا. الأولى والثانية: عملية تطوير المدربين، وكذلك الناشئين، داخل الأكاديمية، وربما أنت تعلم الآن أننا نعتبر تطوير الناشئين مهمة طويلة الأجل.

 

أما المهمة الثالثة فهي تحويل منهجية النادي إلى مشروع؛ بمعنى إنتاج خطط عمل واضحة، ثم متابعة تلك الخطط حين تدخل حيز التنفيذ على أرض الواقع، ووضع معايير لتقييم نجاح وتعثر كل خطوة. أنا معنيّ أيضا بالنموذج الذي ينبغي أن يكون عليه خريج الأكاديمية (Player model)، وكذلك شكل وأسلوب كرة القدم الذي نطبقه داخل الفِرَق المختلفة في الأكاديمية (Game model)، بما يتوافق مع منهجيتنا. هذه هي المهام الأساسية التي أقوم بها بصفتي منسقا تقنيا”.

 

صمت الرجل قليلا، وكأنه يقرأ أفكارنا عن اقتران المهمة الأولى بالثانية في إجابته، فقال: “بالمناسبة، أنا مؤمن تماما أنه لا مجال لتطوير الناشئ بشكل جيد إذا لم يكن لديك خطة لرفع كفاءة المدرب. ليس المدرب وحسب، بل ومساعدوه أيضا، وكذلك مَن يعملون في الجانب الإداري والتعليمي. من الضروري الاستثمار في الموارد البشرية التي نمتلكها إذا أردنا تخريج ناشئ قوي ومحترف”.

 

دخلنا تلك المقابلة ونحن نأمل أن يمنحنا المنسق التقني لأهم أكاديمية في أوروبا صورة جيدة عما يدور خلف الكواليس، ونتعرف من خلاله كيف تتحوّل رؤية بنفيكا إلى خطوات عمل داخل مدرسة التكوين، وكذلك المراحل التي يمر بها الناشئ حتى يصبح لاعبا قادرا على جذب أنظار “غوارديولا”، أو “كلوب”، أو “سيميوني”.

 

سألنا الضيف: رودريغو، ما الهدف الذي تسعى أكاديمية بنفيكا إلى تحقيقه؟ 

 

أجاب: “باختصار هدف الأكاديمية الرئيسي هو تصعيد ناشئين متميزين إلى الفريق الأول”.

 

لم تنتهِ الإجابة هنا، لكن السيد “مغاليش” انتظر قليلا، ثم قال: “هذا هو هدف المؤسسة نفسها، أما إذا كنت تسأل عن هدفي وحلمي الشخصي، فالإجابة مختلفة”. بدا لنا أن الرجل يود لو وجَّهنا إليه هذا السؤال، فلم نتردد في أن نفعل، وما إن فعلنا، كان رده: “بالون دور”!

 

يخبرنا قائلا: “أنا أعمل كل يوم كي أساهم في تقديم ناشئين مميزين، يثبتون جدارتهم مع فريقنا الأول، ويقدمون شيئا لمنتخب البرتغال، لكني أحلم باليوم الذي يفوز فيه فريق لبنفيكا مكوّن من أبناء الأكاديمية ببطولة أوروبية كبرى مثل تشامبيونزليغ، وأحلم باللحظة التي يفوز فيها أحد خريجي أكاديميتنا بلقب فردي كبير كهدّاف أوروبا، أو ربما بالون دور… نعم أنا أحلم بالكرة الذهبية”.

 

لم تكن هذه المرة الوحيدة التي يتحدث فيها السيد “مغاليش” عن تلك الأمنية الشخصية، بل إنه عبَّر عنها مرة أخرى في حواره الذي نُشر الشهر الماضي مع موقع “ذا أثلتيك” (The Athletic). وقد لاحظ “ستيوارت جيمس”، محرر الموقع، ما لاحظناه نحن أيضا، عن الجدية التي تبدو على ملامح وجه ضيفنا، حتى إنه صدّر تلك المقابلة بنصّ إجابة رودريغو: “نريد أن يفوز أبناؤنا بالكرة الذهبية”.(1)

 

البلورة السحرية والجنرال روبن دياش

في الجزء الأول من تلك المقابلة، منحنا السيد “بيدرو ماركيس” لمحة عن المعايير التي يُضَمُّ الناشئ على أساسها للأكاديمية. كنا نوّد أن نتعرف أكثر على تلك السمات التي ينظر إليها كشّاف بنفيكا، ويقرر على أساسها أن ذلك الولد الذي لا يتجاوز عمره عشرة أعوام لديه فرصة كي يكون لاعبا كبيرا في المستقبل، وليس هناك أفضل من المنسق التقني للأكاديمية كي يجيب.

 

رودريغو بوجه جاد: “أنا لديّ اعتراف! هل أخبركم به؟

 

نحن نمتلك بلورة سحرية، ننظر إليها صباح كل يوم كي نعرف هل علينا ضم ذلك الولد أم لا”.

 

لم نتوقع أن يُلقي الرجل بمزحة للرد على هذا السؤال، لذلك انفجرنا في الضحك، وما إن انتهينا، قال: “سأخبرك بالحقيقة، للأسف ليس هناك بلورة، بل إن الأمر صعب للغاية. بالطبع من الضروري أن يكون لديك كشّاف على درجة كبيرة من الخبرة والتجربة، ويدرك جيدا رؤية ومنهجية النادي، لكن لا يزال الأمر صعبا. فأحيانا يكون أمامك 20 ناشئا يخوضون مباراة لمدة 15 أو 20 دقيقة، كيف يمكن للكشّاف تحديد الناشئ الذي نريده؟!

 

هنا يكون عليه التقاط الناشئ صاحب الأفضلية الواضحة في واحدة من المصفوفات التي نقررها. لدينا على سبيل المثال مصفوفة للجانب التقني، وأخرى للقدرة البدنية، وثالثة تتعلق بقوة الشخصية والاتزان النفسي. حين يظهر للكشّاف أن ناشئا يحظى بأفضلية كبيرة في إحدى تلك المصفوفات، بالنسبة للفئة السنية التي ينتمي إليها، فينبغي أن يمنحه الانتباه اللازم.

 

لا ينتهي الأمر هنا، فبعدما يلفت الناشئ المناسب نظر الكشّاف، نقوم بتجربته مع مجموعة أخرى متجانسة من الناشئين، ونضعه في مواقف وظروف مختلفة داخل الملعب، ونُعرِّضه كذلك لضغوط المنافسة مع أقرانه، كل ذلك كي نتمكَّن من الحكم على موهبته وقدرته على تحقيق التطوّر، ومن ثم نضمّه إلينا”.

Soccer Football - Premier League - Manchester City v Leicester City - Etihad Stadium, Manchester, Britain - April 15, 2023 Manchester City's Ruben Dias celebrates after the match REUTERS/Molly Darlington EDITORIAL USE ONLY. No use with unauthorized audio, video, data, fixture lists, club/league logos or 'live' services. Online in-match use limited to 75 images, no video emulation. No use in betting, games or single club /league/player publications. Please contact your account representative for further details.
روبن دياش أشبه بجنرال الحرب حيث كان بمثابة قائد عسكري، حتى وهو ناشئ صغير. (رويترز)

الآن تبدو الصورة أوضح قليلا، خصوصا حين تضع تلك الإجابة إلى جانب كلام “بيدرو ماركيس” عن العمل الكشفي داخل بنفيكا. كنا نطمع فقط في أن يذكر “رودريغو” مثالا عن ناشئ حظي عند تقييمه بأفضلية في إحدى تلك المصفوفات، ونجح بعد ذلك في شق طريقه إلى الفريق الأول، ولم يبخل الرجل علينا في إجابته. 

 

رودريغو: “لن أذكر لك مثالا واحدا، بل سأذكر ثلاثة أمثلة!

 

برناردو سيلفا تجاوز الحد المتوقع في المصفوفة التقنية. كان مدهشا على مستوى التحكم بالكرة، واتخاذ القرارات المناسبة، وكذلك قراءة الملعب والانتباه لحركة الآخرين.

 

أما روبن دياش فهو أشبه بجنرال الحرب. نعم، دياش كان بمنزلة قائد عسكري، حتى وهو ناشئ صغير. إنه يجيد توجيه زملائه، وينقل التعليمات، ويفرض شخصيته. لذلك أظهر أفضلية فيما يتعلق بمصفوفة الشخصية والاتزان النفسي.

 

وهناك أيضا ريناتو سانشيز الذي امتاز بسرعة وقوة بدنية كبيرة، وهو ما كان لافتا قبل أن نمنحه فرصة في الأكاديمية.

SEVILLE, SPAIN - JUNE 27: Renato Sanches of Portugal runs with the ball during the UEFA Euro 2020 Championship Round of 16 match between Belgium and Portugal at Estadio La Cartuja on June 27, 2021 in Seville, Spain. (Photo by Alexander Hassenstein/Getty Images)
ريناتو سانشيز. (غيتي)

وكما ترى، فقد ذكرت أمثلة على ناشئين امتلكوا أفضلية في مصفوفات مختلفة عن بعضها بعضا، وهو ما منحنا انطباعا أوليا عن قدرة كل واحد منهم على التطوّر، والصعود إلى الصف الأول بعد سنوات من العمل”.

 

حين بحثنا وراء انضمام هؤلاء إلى أكاديمية بنفيكا، كان أكثر ما أثار دهشتنا هو قصة “روبن دياش”، إذ لم يكن قد جاوز الحادية عشرة عندما شاهده “رودريغو” للمرة الأولى، ولم يجد فيه أي ميزة فنية أو بدنية لافتة. على العكس، كان لاعبا متوسطا في نظر “مغاليش”، يحتاج إلى التطوّر في كل شيء تقريبا، بداية من اتخاذ القرارات وحتى الفوز بالكرات الثنائية، لكن رغم ذلك لم يتردد في ضمّه!(2)

 

كانت السمات الشخصية، من التركيز والجدية والالتزام والقدرة على التواصل مع زملائه، هي الدافع الأهم في ذلك القرار. تفوّق “دياش” على أقرانه من الفئة العمرية نفسها على صعيد مصفوفة الشخصية، فحصل على الفرصة في بنفيكا، رغم أنه لم يكن يمرر ويسدد ويستخلص الكرة بالشكل المثالي. والسبب في ذلك يعود إلى إيمان مسؤولي الأكاديمية أن بإمكانه اكتساب كل تلك المهارات، ما دام يمتلك أفضلية واضحة يبحثون عنها. اليوم يبدو واضحا أن رهانهم كان في محله، بعدما تحوّل الجنرال إلى أحد أفضل المدافعين في عالم كرة القدم.(3)

حسنا، ماذا حدث لبرناردو، ودياش، وريناتو سانشيز بعد أن التحقوا بالأكاديمية؟ عرفنا من “بيدرو ماركيس” أن مع انضمام أي ناشئ يجري تصميم خطّة تناسب مواصفاته الفردية، وحاجته إلى التطوّر في هذا الجانب أو ذاك. والحقيقة أن الإجابة السابقة لـ”رودريغو” أثارت فضولنا للتعرف أكثر على محاور تلك الخطة، لكي نفهم كيفية إعداد الناشئ في بنفيكا.

 

رودريغو: “هناك ثلاثة محاور أساسية تقوم عليها خطتنا مع كل ناشئ. المحور الأول اجتماعي، فنحن نريد أن يتأقلم الناشئ على واقع جديد ومختلف سيتعامل معه لسنوات طويلة، ويتكيّف مع ثقافة جديدة وأنشطة جديدة، وطبعا أصدقاء جدد.

 

أما المحور الثاني فهو المحور الرياضي، وهو يتحدد بناء على مواصفات كل لاعب، ونستهدف منه تعليم اللاعب كيفية التصرف في المواقف الدفاعية والهجومية المختلفة، وذلك بحسب الفئة العمرية التي ينتمي إليها، وأيضا بحسب نموذج اللعبة (Game model) الذي نفضله.

 

وأخيرا المحور الثالث هو الأكاديمي/التعليمي، وهو ليس محورا هامشيا، بل إننا مهتمون جدا بالدرجة العلمية التي يكون عليها خريجو أكاديمية بنفيكا”.

 

مرة أخرى، لم ينتهِ صديقنا من الإجابة، بل سكت لحظة واستطرد: “هذه المحاور التي نبني عليها خطتنا يندرج تحتها العديد من التفاصيل لكل لاعب، وسيكون من المستحيل أن أخبركم بها، لأن الأمر قد يحتاج إلى أكثر من ساعة، وساعتين، وثلاث ساعات”.

 

يبدو من البديهي ألا يخبر مسؤول في هذا المنصب بكل تفاصيل عمله، حتى لو كان الأمر سيكلفه ثلاث دقائق فقط، فما بالك بثلاث ساعات؟! فوّت الرجل علينا سؤالنا التالي بهذا التبرير المقنع، لكن المهم أننا عرفنا شيئا عن طبيعة الخطة الفردية التي ترسمها الأكاديمية للناشئ، التي لا ترتكز فقط على المهارات التي يكتسبها اللاعب داخل الملعب، بل وخارجه أيضا.

 

خمسة برامج وخمسمئة ناشئ

Soccer Football - Women's Champions League - Group D - Benfica v Hacken - Caixa Futebol Campus, Seixal, Portugal - November 10, 2021 General view during the warm up before the match REUTERS/Pedro Nunes
لدينا خمسة مراكز للموهوبين حول البرتغال، تعمل تلك المراكز على إعداد المواهب بين أعمار 6 إلى 12 سنة، وينتقل المتميزون منهم بعد بلوغ ال13 إلى مقر الأكاديمية الرئيسي. (رويترز)

تخيّل أنك تمتلك فريقا واحدا، يتكوّن من 11 ناشئا فقط، وبالتالي سيكون عليك أن تصمم 11 خطة منفصلة تناسب كل فرد في ذلك الفريق. ماذا لو كان هناك فريقان؟ ربما خمسة فِرَق؟ تخيّل لو أكاديمية متكاملة؟ تُرى كم خطة يعمل عليها المدربون في بنفيكا؟ قبل أن نوجه ذلك السؤال إلى “رودريغو”، كان علينا أن نسأله: كم فريقا لديكم في أكاديمية بنفيكا؟

 

أخذ “رودريغو” نفَسا عميقا، بما يوحي أنها ستكون إجابة طويلة، وانطلق قائلا: “أظنك تعرف أن لدينا خمسة مراكز للموهوبين حول البرتغال، تعمل تلك المراكز على إعداد المواهب بين أعمار 6-12 سنة، وينتقل المتميزون منهم بعد بلوغ 13 عاما إلى مقر الأكاديمية الرئيسي.

 

أما في العاصمة لشبونة، فلدينا فئة للناشئين تحت 6 أعوام وفئة أخرى تحت 7 أعوام، تتكوّن كل فئة من فريقين، كل فريق لديه خمسة لاعبين فقط. هناك أيضا فريقان في الفئة تحت 8 أعوام، وكذلك الأمر في الفئة تحت 9 وتحت 10 وتحت 11 عاما، حيث يلعب الفريق بسبعة لاعبين وليس خمسة. لدينا فريقان في الفئة تحت 12 عاما، حيث تتاح الفرصة لـ9 لاعبين للمشاركة، وفريقان آخران في الفئة تحت 13 عاما، وهذه أول فئة تتدرب على اللعب بـ11 ناشئا. مرة أخرى، ينتقل الناشئ المتميز من تلك الفِرَق بعد إتمام عامه الـ13 إلى مقر الأكاديمية الرئيسي.

 

هنا في الأكاديمية، نعمل مع فريقين للفئة تحت 14 سنة، ومثلهما للفئة تحت 15 سنة، ولدينا فريق واحد فقط في الفئة تحت 16 سنة، وفريق واحد أيضا في الفئات تحت 17، وتحت 18، وتحت 23 سنة، أضِف إلى ذلك كله فريق الرديف.

 

هذا هو إجمالي عدد الفِرَق في الأكاديمية، وذلك هو المسار الذي يتخذه الناشئ منذ أن يكون في الخامسة من عمره، وحتى الصعود للفريق الأول في النادي”.

 

بحسبة بسيطة، يبدو أن عدد الناشئين الذين ينتسبون إلى أكاديمية بنفيكا، سواء كانوا في مراكز الموهوبين، أو في العاصمة، أو في المقر الرئيسي للأكاديمية، يصل إلى المئات. لعل يكون هناك 400 ناشئ، أليس كذلك “رودريغو”؟ 

Soccer Football - Champions League - Benfica Training - Parc des Princes, Paris, France - October 10, 2022 Benfica's Chiquinho with teammates during training REUTERS/Gonzalo Fuentes
نتمتع في الأكاديمية ببيئة عمل رائعة، وذلك لأن لدينا إداريين ومدربين وأطباء أخصائيين في علم النفس على مستوى متميز من الناحية العملية. (رويترز)

رودريغو: “إذا كنت تتحدث عن كل مَن ينتمون إلى أكاديمية بنفيكا على مستوى البرتغال، فإن الرقم التقريبي يزيد على ذلك قليلا، ويصل إلى 500 لاعب”.

 

الآن عرفنا بعض الأمور عن هيكل الفِرَق داخل الأكاديمية، وعدد اللاعبين الذين ينشأون على منهجية بنفيكا، لكن كيف يتأكد المنسق التقني أن كل هؤلاء يحصلون على الرعاية المناسبة سواء على المستوى الاجتماعي، أو التدريبي، أو التعليمي؟ 

 

رودريغو: “كلمة السر هنا هي البيئة الجيدة.

 

أظن أننا نتمتع في الأكاديمية ببيئة عمل رائعة، وذلك لأن لدينا إداريين ومدربين وأطباء أخصائيين في علم النفس على مستوى متميز من الناحية العملية. يعرف المدربون فلسفة الأكاديمية جيدا، ويدركون كيف تنعكس تلك الفلسفة على تفاصيل يومهم. نحن نثق في قدرة هؤلاء على تطبيق برامج الأكاديمية المختلفة، وهذه البرامج تختلف بالتأكيد بحسب الفئات السنية”.

 

سكت صديقنا، وقبل أن ننبس بكلمة، ابتسم ثم قال: “طبعا ستسألني الآن عن تلك البرامج التي نعتمدها في الأكاديمية، أليس كذلك؟ حسنا، سأخبرك. لدينا خمسة برامج؛ الأول اسمه مرحلة التأسيس الأولى، ويشمل الفئات السنية بداية من تحت 6 أعوام وحتى تحت 9 أعوام، ثم برنامج مرحلة التأسيس الثانية، وهو ما ينبغي تطبيقه في الفئات السنية بداية من تحت 10 إلى تحت 13 سنة. ننتقل بعد ذلك لبرنامج تطوير الشباب الأول، ويضم الفِرَق تحت 14 وكذلك تحت 15 عاما، وبعده برنامج تطوير الشباب الثاني، وهو مخصص للفئات السنية تحت 16 وتحت 17 سنة. وأخيرا هناك البرنامج الذي يُعِدُّ محترفا حقيقيا، ويشمل الفِرَق تحت 18 وتحت 19 وتحت 23، وبالطبع الفريق الرديف.

 

كل برنامج من تلك الخمسة يشمل النموذج الذي يجب أن يكون عليه اللاعب (Player model)، والمواقف الهجومية والدفاعية التي ينبغي أن يتعرض لها، والحمولة البدنية التي يجب أن يتدرب عليها، وحتى السلوكيات التي نريده أن يتحلى بها.

 

من الواجب أن يكون المدرب على معرفة تامة بتفاصيل البرنامج، لأنه ببساطة مَن سيعمل على تطبيقه. ومن هنا نحن نأمل أن ينال كل ناشئي بنفيكا الرعاية المناسبة. كما أخبرتك في البداية، من الضروري الاستثمار في الموارد البشرية داخل الأكاديمية، كي تحصل في النهاية على لاعب متميز”.

 

لنطرد برناردو سيلفا وجواو فيليكس من الأكاديمية

18.04.2019, Commerzbank - Arena, Frankfurt, Euroleague, Eintracht Frankfurt vs Benfica Lissabon , Joao Felix (Lissabon)
جواو فيليكس. (شترستوك)

بمجرد أن انتهى من إجابته، التفت “رودريغو” جانبا، وسمعنا صوتا آخر يتحدث بالبرتغالية. عاد ونظر ضيفنا إلى الكاميرا، وقال: “يبدو أنني تحمست جدا، وصوتي ارتفع أكثر من اللازم، بعض زملائي ظنوا أنني أتعارك معك”.

 

ضحكنا مرة أخرى، ثم قررنا أن نسأله سؤالا كنا نظن أنه بسيط، ليمتص حماسه قليلا: لماذا تتكوّن بعض الفئات من فريقين، وأخرى من فريق واحد؟ هل السبب في ذلك وعي وطاقة الأطفال دون الثالثة عشرة؟ هذه المرة جاءت إجابة “مغاليش” أكثر تعقيدا وعمقا مما نتخيّل. 

 

رودريغو: “السبب الأول هو أننا نريد تصعيد 14 لاعبا على الأقل للفريق الذي يلعب بـ11 لاعبا، وهو حصيلة جمع فريقين مكونين من 7 لاعبين، كما هو الحال في فئة تحت 11 عاما مثلا. هذا هو السبب الأول، لكن هناك سبب آخر يخص ما نسميه (مستوى النضج) لدى الناشئ!

 

إذا لاحظت، فإن فئة تحت 14 وتحت 15 سنة تضم فريقين، كل فريق منهم مكوّن من 11 لاعبا، بينما هناك فريق واحد فقط في فئة تحت 16 سنة، لماذا إذن؟ لأننا نقيس مدى نضج اللاعب قبل بلوغه السادسة عشرة، وهنا تبرز اختلافات كبيرة بين اللاعبين رغم أنهم من الفئة السنية نفسها، لكن عمر الناشئ لا يقاس فقط بسنوات حياته، هناك طريقة أخرى!

 

هناك ما يُعرف بـ”Chronological age”، وهو العمر الزمني الذي نعرفه جميعا، أي بحساب السنوات والأيام، وهناك ما يُعرف بـ”Biological age”، وهو يشير إلى التغيرات الجينية والبدنية التي تطرأ على الشخص، وهي غير مرتبطة فقط بسنوات عمره. قد نكون أمام ناشئين كليهما لديه 14 سنة بالعمر الزمني، لكن الأول يبدو ضئيل الحجم والبنيان، فهو ينتمي بالعمر البيولوجي إلى مَن هم في الثانية عشرة مثلا، أما الثاني فهو طويل وقوي وتنمو عضلاته سريعا، فذلك ينتمي بالعمر البيولوجي إلى رفاقه الذين هم في السادسة عشرة. إذا وضعت الأول في مقارنة الثاني، فستجد أن بينهما فارقا يصل إلى 4 سنوات بحساب العمر البيولوجي، رغم أنهما وُلدا في العام نفسه، لكن جيناتهما وتطورهما البدني ليس متطابقا.

 

هذا الفارق في العمر البيولوجي يحدث غالبا بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة، وهو يؤثر على مستوى النضج لدى الناشئ، بل وعلى كفاءته أيضا داخل الملعب. لو أن هناك فريقا واحدا فقط لمَن هم تحت 14 سنة أو تحت 15 سنة، فسيبرز فيه صاحب العمر البيولوجي أكثر، وسيتم إقصاء صاحب البنيان والحجم والقوة البدنية الأقل، حتى لو كان صاحب موهبة مبشرة، وإمكانياته قابلة للتطوّر. لذلك نحن نحرص أن يكون هناك فريقان في كل فئة في تلك المرحلة العمرية”.

 

استحق الرجل الشكر على تلك الإجابة، لأنه لفت انتباهنا إلى هذه التفاصيل التي لم نفكر فيها من قبل، حتى إن الإجابة دفعتنا إلى السؤال عن أمثلة للاعبين عانوا من ذلك الفارق في العمر البيولوجي، ثم تمكَّنوا من المُضي قُدما بعدما راهنت الأكاديمية عليهم. 

 

رودريغو بكل سرعة: “برناردو سيلفا وجواو فيليكس.

 

كلاهما كان ضئيل الجسم، وتراجع مستواه في تلك الفترة. نحن لم نقم بإقصاء برناردو وجواو ﻷننا كنا نعرف أن سبب هذا التراجع هو الجينات، وكنا نؤمن بإمكانيات كل واحد منهما، وقدرته على تجاوز هذه العقبة. لذلك كان من الضروري أن نتحلى بالصبر على لاعبين بتلك الجودة التي نعرفها، ويكون هناك مساحة وفرصة لاستمرار كليهما، وتلك الفرصة لن تتوفر إلا بوجود فريق ثانٍ”.

 

تخيّل لو نفد صبر أكاديمية بنفيكا ﻷن برناردو خسر صراعا بدنيا، أو لأن فيليكس فشل في سباق سرعة مع مدافع، ماذا كان سيخسر بنفيكا؟ ببساطة لم يكن ليحصد ما يزيد على 140 مليون يورو نتيجة لبيع الثنائي، وربما التقطت أكاديمية بورتو برناردو سيلفا، فيما ضمت أكاديمية سبورتنج لشبونة جواو فيليكس، ليستفيد الغريمان اللدودان لبنفيكا من خدمات الموهبتين في الملعب وسوق الانتقالات، فيما ستنال أكاديمية السيد “رودريغو مغاليش” لعنات مشجعي الفريق الأحمر، بالإضافة إلى السمعة السيئة طبعا.

 

لماذا يحبكم غوارديولا لهذه الدرجة؟

في يناير/كانون الثاني 2015، كان “برناردو” يحزم حقائبه ويودع بنفيكا، بعد أن قضى بين جدران الأكاديمية والنادي قرابة ثماني سنوات. صعد على متن طائرة متجهة نحو إمارة موناكو، ليقدم عروضا رائعة في الدوري الفرنسي الذي يشتهر بالحِدّة البدنية. بعد عامين فقط، شاهده العالم وهو يتلاعب بمدافعي مانشستر سيتي في دوري أبطال أوروبا، قبل أن يساهم في وصول فريقه إلى نصف نهائي البطولة، ليؤكد الشاب البرتغالي جودته. لا بد أنه أثار إعجاب الكثيرين بإمكانياته، على رأس هؤلاء كان “بيب غوارديولا”، الذي لم ينتظر أكثر من 4 أشهر بعد تلك المباراة كي يضمه إلى صفوف فريقه.(4)

 

المدهش هو أن برناردو لم يكن حالة استثنائية من بين خريجي بنفيكا، بل كان موجودا إلى جانبه في التشكيل الأساسي للسيتي ثلاثة آخرون، يعرفهم جيدا “رودريغو مغاليش”، وهم: دياش، وكانسيلو، وإيدرسون، هل يبدو لك الأمر مصادفة؟ نحن نرى خلاف ذلك، وحتى نتأكد من سلامة هذا الاستنتاج، سألنا ضيفنا: لماذا يفضل المدرب الكتالوني لاعبي بنفيكا؟

 

رودريغو: “حسنا، أظن أن السر وراء تقدير غوارديولا لخريجي بنفيكا يعود لأمر جوهري في منهجيتنا، وهو أن الناشئ لا يتدرب معنا على شغل وإتقان مركز واحد فقط طوال مسيرته، بل إننا ندربه على اللعب في مركزين، وأحيانا ثلاثة، وربما أربعة، فيصبح بذلك لاعبا أكثر مرونة وشمولية من الجانب التكتيكي وعلى الجانب الذهني أيضا.

 

لنأخذ برناردو سيلفا مثالا على ذلك، هل تعرف أنه تدرب على اللعب جناحا، وصانعَ ألعاب في وسط الملعب، بل ولعب مهاجما مع الفِرَق التي تلعب بسبعة لاعبين؟ لاعب بتلك الشمولية، والقدرة على التأقلم، يساعد غوارديولا في تنفيذ أكثر من تكتيك مختلف، ويوفر عليه القيام بأكثر من تبديل، كما يقلل من الحاجة إلى اللاعبين أكثر على دكة البدلاء.

 

انظر أيضا إلى كانسيلو، نحن أمام لاعب يستطيع اللعب ظهيرا وجناحا، ويمكنه أيضا اللعب على كلتا الجهتين: اليمنى واليسرى، وفي ظني أن وجود تلك النوعية من اللاعبين أمر ضروري في منظومة غوارديولا، خصوصا مع السيتي.

 

دعني أخبرك أيضا بأمر مهم، وهو يتعلق بالخبرة التي يتعرض لها الناشئ في الأكاديمية، خصوصا حين يصل إلى الثامنة عشرة من عمره، إذ يكون أمامه فرصة اللعب مع فريق تحت 19 عاما، وقد يتم تصعيده لفريق تحت 23 سنة، وربما لو أثبت كفاءة فإنه يحصل على استدعاء من فريق الرديف، أو يجد نفسه في تدريبات الفريق الأول. لا يتوقف الأمر عند التدريب وحسب، الفكرة أن يخوض الناشئ مباريات قوية، وفي مواجهة لاعبين أصحاب جودة حقيقية، بل ربما يكونون أكبر وأقوى منه، كما هو الحال في مباريات دوري الشباب (Youth league)، أو في الدرجة الثانية من الدوري البرتغالي، حيث يلعب فريق الرديف”.

 

وبما أن الرجل قد ذكر دوري الشباب، هل تعرف مَن هو حامل اللقب الموسم الماضي؟ إنه فريق بنفيكا تحت 19 سنة، وقد فازوا بتلك البطولة للمرة الأولى في تاريخ الأكاديمية، بعدما تغلبوا على سالزبورغ في النهائي، لكن هل يمكنك تخمين نتيجة المباراة؟ ربما تفكر أنها انتهت لصالح أشبال بنفيكا بفارق هدفين أو ثلاثة، لكن الحقيقة أنهم أمطروا مرمى خصومهم بستة أهداف، ولم يستقبلوا في المقابل أي هدف.(5) تحدث إلينا “رودريغو” بفخر عن أحد اللاعبين الذين تُوِّجوا بتلك البطولة، ويتوقع له المنسق التقني مستقبلا باهرا. 

رودريغو: “دعني أحدثك عن أنطونيو سيلفا، إنه أحد هؤلاء الذين فازوا بدوري الشباب، وقد خاض أيضا تجربة اللعب لفريق تحت 23 سنة، وشارك في مباراتين أو ثلاث مع فريق الرديف، وخلال هذا الموسم ينتظم مع فريقنا الأول. كل ذلك، وهو لا يزال ابن التاسعة عشرة فقط، هذه هي الخبرة الحقيقية التي أقصدها، وهي ما تُشكِّل جانبا مهما في شخصية اللاعب”.

 

لم يخيب أنطونيو سيلفا رجاء “رودريغو”، بل ربما يكون فاق بعض التوقعات، بعدما أصبح الشاب لاعبا أساسيا في تشكيل النسور. ظهر أنطونيو هذا الموسم في 21 مباراة من أصل 24 خاضها بنفيكا بالدوري، بالإضافة إلى 8 مباريات أخرى بدوري الأبطال، وسجَّل هدفا لن ينساه مسؤولو الأكاديمية في شباك يوفنتوس،(6) قبل أن يتسلم النادي استدعاء رسميا من المنتخب الوطني، كي يُمثِّل البرتغال في مونديال قطر.

 

في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2022، وقف سيلفا إلى جوار “رونالدو”، و”بيبي”، و”كانسيلو”، يردد كلمات النشيد الوطني البرتغالي، قبل أن يخوض الجولة الأخيرة من دور المجموعات، ليصبح بذلك أصغر لاعب في تاريخ بلده يشارك في كأس العالم، أي فخر عاشه “مغاليش” ومدربو الأكاديمية في تلك اللحظات؟

 

اليوم، يراقبه كشافو الأندية الشاب بتركيز بالغ. تحدثت الصحافة عن اهتمام ريال مدريد، ومانشستر يونايتد، وباريس سان جيرمان، وربما تدخل أندية أخرى في دائرة الاهتمام بالمدافع الواعد خلال الموسم، خصوصا إذا أحب “غوارديولا” إضافة خريج جديد من الأكاديمية إلى جوار روبن دياش في خط الدفاع.(7) لكن أيًّا كان مَن ينوي الحصول على توقيعه، فسيكون عليه أن يدفع رقما لا يستهان به، لأن بنفيكا لن يتنازل عن خدمات الشاب اليافع بسهولة، خصوصا بعدما وصلت قيمته التسويقية حتى كتابة تلك السطور إلى نحو 25 مليون يورو(8) بحسب موقع “Transfermarkt”.

https://www.youtube.com/watch?v=DcL8pFWqfNg

 

أن تتعاقد مع مدرس

هكذا تعرفنا بشكل جيد على المحور الرياضي داخل الأكاديمية، حدَّثنا الضيف عن تفاصيل مختلفة، وحكى لنا كواليس كان أصحابها ناشئين وأصبحوا نجوما فيما بعد، وأخبرنا عن ناشئين يأمل أن يكونوا أبطالا في الغد. الآن نريد أن نتعرف أكثر على المحور الأكاديمي/التعليمي، الذي أخبرنا “رودريغو” في أول الحوار أنه يُشكِّل حجر زاوية في الخطة التي تُصمَّم لكل ناشئ. كنا على وشك أن نوجِّه إليه السؤال، قبل أن يلتفت جانبا ونسمع صوت “باولا” وهي تحدثه بالبرتغالية، نرجو ألا يكون السبب ما خطر ببالنا.

 

عاد رودريغو قائلا: “لم يعد لدي الكثير من الوقت، ربما خمس دقائق، ما سؤالك التالي؟”.

 

للأسف أصاب ظننا، لكن لا بأس على أي حال. “رودريغو” كنا قد قرأنا أنكم تتعاونون مع مدرسة محلية في مدينة سيشال للعناية بالمستوى الأكاديمي/التعليمي للناشئين، حدّثنا عن تلك القصة.

 

“نعم، نحن نحرص على الجانب التعليمي في حياة الناشئ، ونشعر أنه جزء من مسؤولياتنا.

 

هناك لاعبون ينتمون إلى بنفيكا، ويتدربون في مراكز المواهب الخمسة، وليس هنا في مقر الأكاديمية الرئيسي، وبالتالي لديهم الفرصة للالتحاق بمدارس في مدنهم، لكن في المقابل هناك 90 لاعبا يقيمون هنا داخل الأكاديمية، فكيف سيتلقى هؤلاء تعليمهم؟ لهذا السبب تعاقدنا بالفعل مع مدرسة وجامعة، للإشراف على تدريس هؤلاء اللاعبين وتنمية مهاراتهم العقلية.

 

نحن لا نريد أن ننتج ناشئا جيدا وحسب، بل إنسانا جيدا أيضا، لديه قيم ومبادئ، ويحسن التفكير”.

 

في واقعنا العربي، دائما ما يُفصَل التعليم الجيد عن احتراف كرة القدم، حتى صارت العلاقة بينهما عكسية، وكأن الأول نقيض الثاني بالضرورة. يظن ولي الأمر أن ممارسة الرياضة بصورة منتظمة ستهدر وقت ابنه، وربما تفسد مساره الأكاديمي تماما، رغم أن الابن نفسه قد يُمضي ساعات يوميا في مشاهدة محتوى عديم القيمة على هاتفه. ويظن المدرب أن التعليم الجيد غير ضروري، ولا بد أن يركز الناشئ جهوده على التمرين فقط، ولم يسأل نفسه: كيف سيكسب هذا الناشئ قوت يومه لو لم يصبح “محمد صلاح” الجديد؟ ماذا سيضيف لمجتمعه لو لم يمتلك سوى مهارات محدودة في كرة القدم؟ ما يشير إليه “رودريغو” في إجابته هو ضرورة تحقيق التوازن، ولكي يتحقق ذلك التوازن علينا أن نكف عن النظر إلى التعليم واحتراف الرياضة بوصفهما نقيضين.

 

يلعب التعليم دورا داخل أكاديمية بنفيكا، وكذلك الأمر أيضا بالنسبة للتكنولوجيا، استفسرنا من ضيفنا عن الكيفية التي يطوّعون بها الأدوات التكنولوجية لخدمة أهدافهم. 

 

رودريغو: “بالطبع نحن نستخدم تقنيات مختلفة، منها على سبيل المثال الـ”GPS”. نستعين كذلك بطائرات بدون طيار (Drones)، تحلق هنا بالقرب من مكتبي. تساعدنا تلك الأدوات، وغيرها، على التحكم في تفاصيل عملنا، الذي يرتكز بشكل مباشر على تنمية القدرات الفردية لكل ناشئ.

 

كيف يحدث ذلك؟ تخيّل أن الحصة التدريبية التالية تستهدف تطوير إدراك ورؤية الناشئين داخل الملعب، عندها سوف نستعين بالتقنيات التي ذكرتها لك، لتمنحنا صورة كاملة للملعب، ونقيّم من خلالها جودة قرارات الناشئ بحسب قدرته على إدراك ورؤية مواقع زملائه وخصومه.

 

الأمر ذاته إذا أردت تدريب مدافع أو لاعب وسط ملعب على التمركز الصحيح، هنا ينبغي أن ترسم له خطوطا داخل الملعب، وتشرح له التصرف السليم إذا تعرض لموقف معين. الهدف هنا هو العمل على قرار اللاعب، والموارد التكنولوجية التي نمتلكها هي الأداة التي تساعدنا على الوصول إلى ذلك الهدف”.

 

استخدم ضيفنا تعبير “الموارد التكنولوجية”، ليقفز إلى ذهننا استفسار عن ميزانية الأكاديمية، الرقم الإجمالي الذي ينفقه بنفيكا سنويا على كل كبيرة وصغيرة داخل المصنع الذي يحوّل المواهب إلى نجوم. حين طرحنا ذلك السؤال على “رودريغو”، ابتسم بشكل يوحي أننا لن نحصل على إجابة، ثم قال: “لن أجيب عن هذا السؤال. غير مسموح لي بالحديث عن ميزانية الأكاديمية”.

 

لم نكتفِ بتلك الإجابة، وقمنا ببعض البحث على الإنترنت. اكتشفنا تصريحا لـ”رودريغو” أدلى به لموقع “BBC”، قال فيه: “حين نقارن الكلفة المالية الضخمة لشراء لاعب واحد رائع يبلغ من العمر 22 عاما بما ننفقه في الأكاديمية على كل ناشئي بنفيكا، فإننا نفضل الاختيار الثاني بلا شك، لأن كلفته المالية أرخص، بل يمكننا أن نفعل ذلك 20 مرة، وستظل الكلفة أرخص”.(9)

 

استنتجنا من ذلك التصريح أن الميزانية السنوية للأكاديمية لا تتخطى ربما بضع مئات من الآلاف. لا يبدو ذلك الرقم كبيرا بأي حال، خصوصا حين نقارنه بمجموع ما دخل خزينة النادي من تسويق مواهبه بين عامي 2015-2020، إذ وصلت العوائد إلى ما هو أكثر من 400 مليون جنيه إسترليني.(10) السؤال الذي يراودنا الآن: كم سيحقق النادي من أرباح بين 2020-2025؟ يبدو من غير المستبعد أن يحصل على ما هو أكثر من 400 مليون.

 

كان ذلك أول وآخر سؤال يرفض مسؤولو بنفيكا الإجابة عنه، وبصراحة لا نستطيع لوم “مغاليش”، خصوصا بعد كل تلك الإجابات التي أمدّنا بها. احتفل صديقنا بعيد ميلاده في بداية مارس/آذار، وربما تكون الهدية التي ينتظرها أن يتحقق حلمه الشخصي، ويتوج بنفيكا بلقب أوروبي كبير، أو يفوز أحد أبنائه بجائزة فردية مرموقة. لسنا متأكدين من إمكانية حدوث ذلك هذا العام، لكن الأكيد أنها ليست أحلاما مستحيلة، ما داموا قادرين على إنتاج لاعب مثل “غونشالو راموس”، سجّل حتى 25 هدفا خلال 35 مباراة بمختلف البطولات هذا الموسم، وقت كتابة هذا التقرير. (11)

 

نتمنى لك سنة سعيدة “رودريغو”!

——————————————————————————————————

المصادر

  1. مقابلة The Athletic اتلتيك مع أكاديمية بنفيكا. 
  2. قصة انضمام روبن دياش لبنفيكا. 
  3. المصدر السابق
  4. مانشستر سيتي يضم برناردو سيلفا. 
  5. فريق بنفيكا تحت 19 عام يتوج بلقب الدوري الأوروبي. 
  6. إحصائيات أنطونيو سيلفا وقيمته التسويقية. 
  7. اهتمام الأندية بأنطونيو سيلفا. 
  8. إحصائيات أنطونيو سيلفا وقيمته التسويقية. 
  9. تقرير BBC عن أكاديمية بنفيكا. 
  10. المصدر السابق
  11. إحصائيات غونزالو راموس هذا الموسم. 




اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post خبراء يكشفون مخاطر تناول الأطعمة الخالية من الدهون
Next post ذكرى ميلاده.. نور الشريف زملكاوى هز شباك الأهلى من بوابة السينما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading