مراسلو الجزيرة نت
لندن- بعد أشهر من الانتظار، أفصحت الحكومة البريطانية عن خطتها الجديدة للتعامل مع الصين، وذلك بعد أن واجه رئيس الوزراء ريشي سوناك ضغوطا كبيرا من قادة حزب المحافظين لانتهاج سياسة أكثر تشددا تجاه هذه القوة العظمى.
وكان في مقدمة من مارس هذه الضغوط رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس التي دعت أكثر من مرة، في محاضرات ومقالات، لوصف الصين بأنها تهديد للأمن البريطاني.
لكن سوناك اختار مبدأ “مسك العصا من الوسط” معلنا عن نهاية “العصر الذهبي” للعلاقات مع بكين التي كان رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون يفاخر بها. وعبّر سوناك في الوقت نفسه عن رفضه الإعلان عن دخول البلاد في حرب باردة مع الصين.
وكشف وزير الخارجية جيمس كليفرلي عن تفاصيل السياسة البريطانية الجديدة للتعامل مع الصين، خلال كلمة ألقاها في مانسون هاوس مقر العمدة الفخري لمدينة لندن.
وجاءت كلمة الوزير مفاجئة للكثيرين خصوصا وأن رئيس الوزراء كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بانتهاج سياسة أكثر صرامة في التعامل مع الصين. لكن يبدو أن الحكومة أصبحت مقتنعة بأن الدخول في أي صراع معها لن يخدم مصالح لندن.
لا حرب باردة
رد وزير الخارجية البريطاني على المطالب بالدخول في مواجهة مع الصين، بالقول “سيكون من السهل علي أن أعلن الدخول في حرب باردة مع الصين والقول إن هدفنا عزلها” مشيرا إلى أن هذه المطالب خاطئة “بل هي خيانة لمصالحنا الوطنية وعدم فهم متعمد للعالم الحديث”.
وتحاول السياسة البريطانية الجديدة أن تميّز بين شقين في العلاقات مع الصين:
- الشق الأول يتعلق بتحييد “المخاطر الأمنية الصينية المتعلقة بالتجسس” وذلك بمنع عدد من التكنولوجيات والمعدات الأمنية الصينية من دخول بريطانيا.
- ثم هناك الشق المتعلق بالعلاقات التجارية والدبلوماسية، وهنا تذهب لندن نحو المزيد من الليونة والسعي نحو التعاون.
وبدل وصف السياسة الجديدة للصين باعتبارها “تهديدا” للأمن البريطاني كما هو الحال بالنسبة لروسيا، فقد وصفتها الحكومة في لندن بأنها “تحدي الوقت الراهن”.
لا حل دون الصين
والمثير في السياسة الجديدة هو اعتراف بريطانيا ولأول مرة بأن الكثير من الملفات الساخنة بالعالم لا يمكن حلها دون الصين. وقال وزير الخارجية في عرض سياسته الجديدة إنه “لا يمكن حل أي مشكلة عالمية بداية من التغيرات المناخية مرورا بالحماية من عودة جائحة كورونا وصولا إلى الاستقرار الاقتصادي والحد من انتشار الأسلحة النووية، بدون الصين”.
وبعد أن كان سوناك يصف الصين بأنها أكبر تهديد طويل الأمد لبريطانيا، عاد لصياغة سياسة خارجية أكثر مهادنة في التعامل مع بكين. وهو ما اعترف به وزير الخارجية بقوله إنه من الصعب وصف الصين بكلمة واحدة “سواء كعدو أو تهديد أو شريك” داعيا إلى سياسة “براغماتية” في العلاقة مع بكين.
حرب التجسس
مقابل المهادنة الدبلوماسية التي أعلنتها الخارجية البريطانية، فإن الأجهزة الأمنية تحافظ على نفس النهج الحذر في التعامل مع الصين، بل إن مخابراتها تعيش ومنذ سنوات حالة استنفار لمواجهة ما تصفه بمحاولات “التجسس” الصيني.
ووجه مدير مكتب المخابرات البريطاني “إم آي 5” (MI5) كين ماكالوم تحذيرا شديد اللهجة إلى رجال الأعمال الأوروبيين والبريطانيين وخصوصا العاملين بقطاع التكنولوجيا، أكد فيه أن “الصين تشكل تهديدا حقيقيا على الأعمال في الغرب أكثر مما يمكن أن يتصور أكثر رجال الأعمال الغربيين تطورا وذكاء”.
واتهمت المخابرات البريطانية بكين بالقيام بـ “جهود جبارة من أجل سرقة التكنولوجيا الغربية المتقدمة وكذلك الأبحاث العملية”.
وكشف مكتب “إم آي 5” أنه خلال الفترة الماضية طرُد حوالي 50 طالبا صينيا من الجامعات البريطانية بتهمة التجسس لصالح مخابرات بلادهم. وحسب تقارير إعلامية فإن هؤلاء الطلبة كانوا يستهدفون مختبرات البحث العلمي المتطورة جدا بالجامعات البريطانية والتي تعد من الأفضل في العالم.
وتأتي هذه الحادثة بعد تحذير مكتب التحقيقات الخارجي البريطاني “إم آي 6” (MI6) من استهداف صيني للجامعات بغرض التجسس التكنولوجي.
ورغم هذا الصراع الأمني، تظهر كل من بكين ولندن حرصا على الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة مما يفسر ترحيب الصين بزيارة وزير الخارجية البريطانية. إلا أن سوناك قلل من سقف التوقعات حول نتائج هذه الزيارة، مشددا على أن الرأي الداعي إلى إغراء الصين بالعلاقات التجارية لدفعها إلى تغيير سياستها الخارجية أو الابتعاد عن روسيا “مجرد أمنيات لن تتحقق”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.