القاهرة- أثارت وفاة 15 من سائقي النقل المصريين على الأقل، وتكدس آلاف الشاحنات أمام معبري “أرقين” و”قسطل” على الجانب المصري من الحدود مع السودان، جدلًا حول سوء الخدمات في المعبرين، وخلوهما من التجهيزات الضرورية للسائقين، وتساؤلات عمّن يتحمل المسؤولية.
وحسب مصادر متعددة تحدثت للجزيرة نت، تعود الأزمة إلى أكثر من ثلاثة أشهر بعد اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بمنتصف أبريل/نيسان الماضي، التي أدت إلى تدهور الأوضاع الإنسانية، ونقص في المواد الغذائية، ومستلزمات الحياة اﻷساسية، ومن ثم زيادة الحاجة للبضائع القادمة من مصر.
وظلّت أزمة تكدّس آلاف الشاحنات على الجانب المصري حتى نفِد الماء والطعام والأدوية والمؤن الضرورية من سائقيها غير معلومة، حتى أثارتها استغاثات عدد منهم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
لكن تحرك السلطات المصرية جاء بعد وفاة 15 سائقًا، ونقل آخرين في حالات صعبة إلى مستشفيات أسوان؛ بسبب المرض وارتفاع درجات الحرارة.
ووفق بعض السائقين، امتد طابور الشاحنات العالقة خلال ذروة الأزمة في الأيام الماضية بمعبر “قسطل” البري إلى أكثر من 1500 شاحنة، وعلى مسافة أكثر من 35 كيلومترًا، إضافة إلى تكدّس 2500 شاحنة أخرى على الجانب المصري من معبر “أرقين”.
1/3 صور الاقمار الصناعية عالية الجودة من معبر القسطل بتبين ان تكدس سيارات الشحن موجود من يونيو الماضي. في ١٩ يونيو وصل طابور الانتظار لحوالي ٥ كيلو
في يونيو زاد عدد المركبات عن حوالي٤٥٠ مركبة. كلهم واقفين في الجانب المصري لكن الجانب السوداني فاضي.#ارقين#القسطل pic.twitter.com/PRwaGyyD06— Mostafa (@m_osint) August 24, 2023
تباطؤ إجراءات التخليص
في أول رد فعل لها، ألقت وزارة النقل المصرية اللوم على الجانب السوداني. وقالت في بيان لها الأسبوع الماضي، إن السبب هو تباطؤ إجراءات تخليص الجمارك في معبري أرقين وقسطل من قِبل الجانب السودانى، الذي يعمل لفترة محدودة يوميًا رغم زيادة حجم الصادرات المتجهة إلى السودان.
وذكرت وزارة النقل أنها تعمل على تخفيف حدة الأزمة من محاور عدة؛ أبرزها: تسهيل تحرك الشاحنات ومنع تكدسها على المعابر الحدودية. ودفع عربات إسعاف لهذه المواقع وتوزيع مياه ووجبات على السائقين. وتنظيم وصول الشاحنات إلى المناطق الحدودية بنظام التفويج. والبدء في توسعة وتطوير مناطق تحريك البضائع في كل من: وادي كركر وأبو سمبل المصريتين.
التكدس مستمر بوتيرة أقل
رغم ما أعلن من تحرك رسمي، يقول عضو مؤسسة “تنمية المجتمع” بوادي كركر (جنوب مدينة أسوان) علاء بحر، إن أزمة تكدس الشاحنات على الحدود المصرية لا تزال مستمرة، ولكن بوتيرة أقل ازدحامًا من السابق.
كما أشار علاء للجزيرة نت، إلى بدء تفويج الشاحنات من وادي كركر للمناطق الحدودية إلى معبر أرقين البري، ومن منطقة أبو سمبل للمتجهين إلى معبر قسطل، بما يتماشى مع طاقة المعبرين لمنع أي تكدسات.
ووصف المسافة البالغ طولها نحو 350 كيلومترًا من وادي كركر إلى أرقين بأنها منطقة صحراوية صعبة المناخ، وتنعدم فيها الخدمات التموينية والصحية. ولذلك وقعت حالات وفاة بين السائقين، الذين اضطروا للاحتشاد أكثر من 30 يومًا دون التزود بأي إمدادات ضرورية.
تدخل متأخر
على المستوى الحقوقي، وصف الناشط الحقوقي في أسوان المحامي مصطفى أبو الحسن، الأوضاع التي مر بها آلاف السائقين بالمؤلمة والمزرية. ودعا إلى “توفير جميع أنواع المساعدات الصحية والغذائية، وتكثيف الاتصالات مع الجانب السوداني لتسهيل حركة المرور والعبور، وكذلك تحسين أوضاع السائقين”.
ورأى أبو الحسن في حديث للجزيرة نت، أن تدخل الحكومة جاء متأخرًا بعد وفاة عدد غير قليل من السائقين، وكان يجب تدارك الأزمة مبكرًا مع بدء تجمع الشاحنات، وظهور طوابير طويلة تمتد لبضعة كيلومترات.
توفي ١٧ سائق شاحنة مصري على الحدود المصرية السودانية خلال الأسبوعين الماضيين.
وأكد خالد القناوي رئيس مؤسسة سائقي مصر ل بي بي سي وفاة ٤ سائقين بالمنطقة الجمركية من معبر قسطل و١١ آخرين في معبر أرقين وسائقين اثنين عُثر على جثثهما شبه متحللة داخل الشاحنات في منطقة حلفا السودانية.— Safaa Faisal صفاء فيصل (@SafaaFaisalBBC) August 18, 2023
في الطريق للحل
واشتكى سائقون في بث على مواقع التواصل من ما وصفوه بـ”تهميش” شريحة السائقين، رغم دورهم الكبير في تحريك عجلة الاقتصاد من خلال نقل البضائع، واستمرار حركة التجارة بين المناطق والخطوط العابرة للحدود، مشيرين إلى عدم توفر استراحات وخدمات صحية، وامتداد طوابير الشاحنات إلى مسافات طويلة، مع عدم كفاية المؤن التي يحملونها لأكثر من أسبوع واحد.
وقال أحد السائقين، وهو عضو في رابطة لدعم سائقي النقل في مصر فضّل عدم ذكر اسمه، إن الأزمة لم تحلّ، ولكنها في طريقها لذلك من خلال تنظيم حركة السفر بنظام التفويج الجديد في مدن قريبة من الخدمات (وادي كركر، وأبو سمبل)، وعبر التواصل بين إدارة المعبرين الحدوديين لمنع تكرار التكدس.
وفي حديث للجزيرة نت، ألقى السائق باللوم على التجار والمخلّصين الجمركيين ومكاتب النقل في تفاقم أزمة الازدحام، التي تسببت في تكدس البضائع بمدينة أسوان، من خلال الاستعانة بشاحنات صغيرة ومنحها أولوية المرور وتجاوز الطابور بسهولة.
وأشار السائق الذي كان على الحدود وعاد إلى بلدته مؤخرًا بعد رحلة شاقة استمرت 30 يومًا، إلى أنه لم تُرصَد أي وفيات جديدة، وأنهم على تواصل مع زملائهم على المعبرين من خلال رابطتهم.
الحرب في السودان وتفاقم الأزمة
تقول الصحفية المصرية بأسوان مروة السيد للجزيرة نت، إن أزمة التكدس تواصلت لأسابيع عدة في منأى عن الإعلام، وأدت إلى وفاة عدد من السائقين، مشيرة إلى أن وجود تواصل مباشر الآن بين الأجهزة التنفيذية والقنصلية السودانية في أسوان، لمتابعة الأزمة على الجانب الآخر.
ولفتت مروة في حديثها للجزيرة نت، إلى أن ظروف الحرب التي يمر بها السودان منذ أبريل/نيسان الماضي، خلقت ضغطًا كبيرًا على المعبرين الحدوديين، ما أدى إلى وجود ازدحام كبير أسفر عن أوضاع إنسانية صعبة.
وكانت تقارير للأمم المتحدة قد حذّرت من أن الحرب والجوع يهددان بـ”تدمير” السودان بالكامل، في ظل المعارك العنيفة الجارية منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، حيث يُقدر عدد النازحين داخل البلاد واللاجئين خارجها بنحو 4.6 ملايين شخص.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، في بيان إن “الحرب في السودان تثير وضعًا طارئًا إنسانيًا له أبعاد هائلة”، مشيرًا إلى أن الصراع يهدد بالإطاحة بالبلاد بكاملها؛ بسبب انتشار الجوع والأمراض ونزوح السكان.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.