مراسلو الجزيرة نت
الخرطوم- بعد أكثر من 100 يوم على اندلاع المواجهات في السودان، يبدو أن القوى السياسية قد أفاقت من صدمتها وبدأ قادتها بالتسرب إلى خارج البلاد لمعاودة ممارسة نشاطهم، حيث انخرطوا بالتواصل مع قوى إقليمية ودولية، بيد أن مراقبين يرون أن عدم تجاوز هذه القوى لصراعاتها سيزيد من حالة الاستقطاب، بما سيضعف دورها في حل الأزمة وتصاعد الدور الأجنبي في القضية السودانية.
عودة النشاط السياسي
وكانت قيادات قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي (الائتلاف الحاكم سابقا) قد أمضت أكثر من شهرين داخل البلاد، ونجا بعضهم من مخاطر وقصف على مواقع كانوا يختبئون فيها قبل أن يغادروا إلى خارج البلاد عبر معابر برية مع دول مجاورة. بعدها أجروا -خلال جولة أفريقية- مشاورات مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والرئيس الكيني وليام روتو، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا “إيغاد”.
وفي خطوة مهمة، وصلت قيادات قوى الحرية والتغيير إلى القاهرة الأسبوع الماضي بعد فترة من الجفوة، حيث كان التحالف قد رفض في فبراير/شباط الماضي دعوة القيادة المصرية للمشاركة في ملتقى تشاوري للقوى السودانية، كما دعا تحالف قوى التغيير القاهرة لمراجعة عميقة لموقفها من الثورة السودانية، فيما انتقدت بعض قيادات التحالف القاهرة بصورة مباشرة.
وقالت مصادر سياسية للجزيرة نت إن مباحثات بين الطرفين، شارك فيها عن الجانب المصري وزارة الخارجية والمخابرات العامة، أفلحت في تجاوز ما أسمته “سوء الفهم”، إذ وبعد 4 أشهر من التمنع، استضافت القاهرة المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير الذي أقر بدوره رؤية سياسية تهدف لوقف الحرب في السودان واستعادة التحول الديمقراطي ووقف القتال وتوسيع التحالف لتكوين جبهة مدنية عريضة.
كما شدد المكتب التنفيذي على ضرورة المشاركة الواسعة لكافة القوى المدنية السودانية الداعمة لوقف الحرب والانتقال المدني الديمقراطي، باستثناء حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا بزعامة الرئيس المعزول عمر البشير.
دعوة لحكومة طوارئ
كما استضافت القاهرة كتلا سياسية أخرى ضمت قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية برئاسة جعفر الميرغني، وتحالف قوى الحراك الوطني بزعامة التجاني سيسي، وتحالف التوافق الوطني، بجانب قوى ومنظمات مجتمع مدني أخرى.
ودعت الكتل السياسية لتشكيل جبهة وطنية عريضة لتوحيد الخطاب السياسي وإنهاء الأزمة الحالية، فضلا عن طرحها خريطة طريقة لمعالجة الأزمة السودانية، مطالبة بوقف الحرب وتشكيل حكومة طوارئ والحفاظ على السيادة السودانية، كما أكدت وقوفها مع المؤسسات الشرعية ودعم القوات المسلحة، ورفض التدخلات الخارجية السلبية التي تهدف إلى تدمير الدولة وتتدخل في شؤونها بغرض تحقيق أجندة خاصة.
وفي الشأن ذاته، كشفت مصادر سياسية أن فريقا مصريا من الخارجية والمخابرات نصح قادة الكتل السودانية الموجودة بالقاهرة -في لقاءات منفصلة- بتنحية خلافاتهم الحزبية جانبا والتوافق على رؤية موحدة لحل الأزمة التي تهدد بلادهم.
وبحسب المصادر -التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها في حديثها للجزيرة نت- فإن الجانب المصري أبدى استعداده لاستضافة طاولة حوار سوداني- سوداني إذا رغب الفرقاء بذلك، بغية تسهيل التواصل والتشاور والاتفاق على خريطة طريق تجنب السودان المخاطر المحدقة وضمان سلامة الدولة واستقرارها.
وتحدثت المصادر ذاتها عن لقاءات غير رسمية جرت بالقاهرة بين قيادات من الفصائل السودانية أسهمت في تجاوز حالة الاستقطاب والتوتر الذي كان سائدا بين القوى السياسية قبل اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان الماضي، وعكست هذه اللقاءات إمكانية إجراء حوار بين الفرقاء رغم وجود تباين بشأن الوقوف من طرفي الحرب، حيث تساند بعض القوى الجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع، فيما تتمسك قوى أخرى بالحياد وتقارب مواقفها مع الدعم السريع.
رؤية سياسية جديدة
وعن خروج القوى السياسية السودانية من البلاد وممارسة نشاطها من الخارج، يرى رئيس دائرة الإعلام في حزب الأمة القومي والقيادي في قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي مصباح أحمد أن ظروف الحرب فرضت على القوى السياسية مغادرة البلاد، كما أن القوى الخارجية الإقليمية والدولية باتت مؤثرة بالشأن السوداني، الأمر الذي حدا بقوى التغيير للقيام بجولات خارجية من أجل وقف الحرب.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح أحمد أن اجتماع المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير الذي عقد في القاهرة أقر رؤية سياسية وخطة عمل للمرحلة المقبلة، متابعا أن المرحلة اللاحقة تتمثل بإجراء مشاورات مع القوى السياسية الأخرى بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية من أجل عقد مؤتمر حوار سوداني- سوداني في عاصمة أفريقية -لم يسمها- بهدف تشكيل جبهة عريضة لوقف الحرب والعودة إلى التحول الديمقراطي والحكم المدني وإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية.
وفي المقابل، يعتقد المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة “المجهر السياسي” الهندي عز الدين أن قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي أضاعت فرصة تاريخية لاتخاذ قرار بالتقارب مع كتل سياسية موجودة بالقاهرة من أجل الوصول إلى صيغة وطنية توافقية تساعد في إيقاف الحرب.
ويرى عز الدين -في حديث للجزيرة نت- أن اجتماع المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير بالقاهرة لم يخرج بجديد، حيث أصدرت هذه القوى بيانا ختاميا كأنه صدر عام 2022، وكأن السودان لم تشتعل فيه حرب شعواء أحرقت عاصمة البلاد، وفق تعبيره، مشيرا إلى أن الكتل السياسية الأخرى كان يتحتم عليها القيام بدور سياسي للتوافق فيما بينها، رغم أن الدور الأهم كان منتظرا من قوى التغيير- المجلس المركزي التي كانت تمثل التحالف الحاكم خلال الفترة الانتقالية وتزعم أنها تمثل قوى الثورة.
ويعتقد عز الدين أن “قوى التغيير لم تتعلم من درس الحرب القاسي، حيث لا تزال تعوّل على إمكانية انتصار حليفها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حرب الخرطوم أو في الحد الأدنى الوصول إلى اتفاق بين الجيش والدعم السريع عبر منبر جدة يعيدها إلى السلطة مرة أخرى”، لافتا إلى أن هذا الخيار بعيد المنال، حيث إن قاعدة عريضة من الشعب ترفض بشدة عودة الحرية والتغيير والدعم السريع إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل اندلاع الحرب.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.