فكرة إضافة الفطر إلى الأطعمة الأخرى ليست جديدة، فقد استعملها الصينيون لأغراض علاجية منذ آلاف السنين، قبل أن يتحوّل الفطر إلى بديل للقهوة لعدم توافر حبوب البن في فنلندا إبان الحرب العالمية الثانية.
وأصبح بعدها وضع الفطر في المشروبات أمرا شائعا إلى أن برزت ظاهرة “قهوة الفطر” (Mushroom Coffee)، التي يتم تحضيرها من القهوة المطحونة الممزوجة بأنواع معينة من مستخلصات الفطر الطبية، يمكن شراؤها في عبوات مُعدّة مُسبّقا وسريعة التحضير.
ويروج لقهوة الفطر بديلا صحيا للقهوة العادية، ويقال إن لها فوائد كثيرة مثل: تحسين النوم، ودعم الذاكرة، والتقليل من التوتر، وتقوية المناعة، والحد من الالتهاب، وتخفيف آلام العضلات، وزيادة مستويات الطاقة.
لكن المكانة التسويقية لقهوة الفطر، والتي جعلتها تأتي ضمن قائمة “أفضل قهوة فورية مبيعا” على موقع أمازون، لم تمنع من أن تثير تساؤلات الخبراء حول صحة الادعاءات بفوائدها، ومدى استحقاقها الثمن المدفوع مقابلها.
فقد ذكر الدكتور كريس إليادس، الحاصل على دكتوراه في الطب، في مقال سابق على موقع “يونيفريستي هيلث نيوز” (Universityhealthnews)، أنه لا يعتبر قهوة الفطر بديلا للقهوة، “فهي عبارة عن فطر مطحون أو مُستخلص يضاف إلى القهوة العادية، طمعا في إضافة الفوائد الصحية للفطر إلى الفوائد الصحية للقهوة”.
وأضاف أن الدراسات المصاحبة للادعاءات الشائعة حول فوائد هذا النوع من القهوة “قليلة جدا”، على عكس فوائد القهوة العادية، “فهي موثقة جيدا، وتمت دراستها كثيرا”.
تقييم ادعاءات صنّاع قهوة الفطر
في حديثها إلى موقع “كليفلاند كلينك” (Clevelandclinic)، أيدت أخصائية التغذية بيث زيروني رأي كريس إليادس، وقالت إنه “لا يوجد الكثير من الأبحاث التي تشير إلى أن جميع هذه الادعاءات صحيحة بالفعل”.
وأوضحت أن “الفطر بشكل عام له بعض الفوائد الرائعة، فهو قد يقلل الالتهاب ويحتوي على مضادات الأكسدة التي يمكن أن تساعد في دعم جهاز المناعة، لكنها فوائد يمكن الحصول عليها من تناول الفطر حتى مع الملح، أما من الناحية الغذائية، فلا يوجد بحث مفيد يدعم الادعاءات الصحية التي يقدمها صُنّاع قهوة الفطر”.
وأرجعت الضجة التي صاحبت تسويق قهوة الفطر منذ ظهورها، إلى فكرتها المبنية على افتراض غير مُثبت علميا بأن جميع فوائد الفطر يمكن أن تتحقق بعد معالجته وتخميره جنبا إلى جنب مع قهوة الصباح، “لكن الحقيقة هي أن قهوة الفطر باهظة الثمن ولها فوائد صحية أقل من تناول الفطر الكامل”.
لذا، لا تميل بيث زيروني للتوصية بشرب قهوة الفطر، “ليس لأن تكلفتها تبلغ ضعف ما يتم دفعه مقابل القهوة العادية فحسب، ولكن نظرا لقلة الأبحاث الموثوقة حول فوائدها”.
ملاحظات على قهوة الفطر
من الملاحظات التي استوقفت الخبراء في مراجعتهم فوائد قهوة الفطر المزعومة:
- خدعة الكافيين: حيث يتم الترويج لقهوة الفطر على أنها “تحتوي على حوالي نصف كمية الكافيين الموجودة في القهوة العادية”، لكن الدكتورة ليندا جي ستراوز، مديرة إحدى شركات الاستشارات الطبية، توضح أن “هذا يرجع إلى أن خلطات قهوة الفطر يتم تحضيرها بكمية أقل من حبوب البن المطحونة المستخدمة في تحضير القهوة العادية، ومع ذلك فهي تحتوي على نسبة كافيين أكبر بكثير من القهوة منزوعة الكافيين”.
- السعرات الحرارية والدهون: ففي الوقت الذي تخلو فيه القهوة العادية من السعرات الحرارية والدهون المُشبعة والكوليسترول تقريبا، يمكن لقهوة الفطر أن تضيف حوالي 55 سعرا حراريا في 100 غرام، بالإضافة إلى غرام واحد من الدهون المشبعة، وغرامين من الكوليسترول؛ “مقابل توفير بعض الكربوهيدرات الصحية، بالإضافة إلى أكثر من غرام واحد من الألياف الغذائية”، كما يقول د. إليادس.
- المخاطر الصحية: هناك أنواع من الفطر “تكون غنية بمادة الأوكسالات التي قد تزيد من خطر الإصابة بحصوات الكلى”، بحسب بيث زيروني وإليادس. كما قد يفاقم الفطر من معاناة بعض الناس “ممن لديهم مشاكل في الجهاز الهضمي أو حساسية من تناول الفطر”. وهي حساسية قد تأتي أعراضها “في شكل آلام في المعدة، وقيء وصعوبة في التنفس”، وفقا لأخصائية التغذية المعتمدة سارة أولشوسكي.
رأي الخبراء
القهوة أصبحت طقسا لا بد منه في الروتين الصباحي للكثيرين حول العالم، وقد قدرت الأبحاث استهلاك الولايات المتحدة وحدها بحوالي 400 مليون فنجان يوميا. وهذه الشعبية الواسعة هي التي تدفع بعض الشركات لتقديم بدائل جديدة للقهوة العادية -كقهوة الفطر- بدعوى أنها تحتوي على عناصر غذائية أكثر.
يقول إليادس “إذا كنت من عشاق المحتوى الأغنى من الكافيين، فلن يروقك مذاق وتأثيرات قهوة الفطر كبديل لقهوتك اليومية المعتادة”. لكن يبقى بإمكانك الحصول على جميع فوائد الفطر، الذي يحتوي على الكثير من العناصر الغذائية المفيدة للصحة، كمضادات الأكسدة والفيتامينات والكالسيوم والبوتاسيوم، والمزيد من الألياف عن طريق إضافته إلى طعامك.
كما تشير سارة أولشوسكي إلى “أهمية استشارة الطبيب للتأكد من أن نوع الفطر الموجود في قهوة الفطر مناسب لحالة الشخص الصحية”. وهو ما تنصح به بيث زيروني من يريد بدء يومه بفنجان من قهوة الفطر بأن “يُجرب نوعا واحدا من مسحوق الفطر في كل مرة، ويتتبع أي أعراض قد يواجهها، لتلافيها”.
ورغم أنها لا ترى حرجا في شرب قهوة الفطر “طالما كانت إضافات السكر أو المبيض أقل، ولا توجد لدى الشخص مشاكل في الجهاز الهضمي أو الكلى”، فإنها تذكّر بأن الأفضل للصحة هو “تناول الفطر الطازج الكامل، وليس شرب الفطر المعالج في قهوة باهظة الثمن”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.