مراسلو الجزيرة نت
القدس- وُصف قرار العشرات من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، ولا سيما من وحدات المظليين وسلاح الجو “بالعصيان العسكري” في خطوة “غير مسبوقة” ستكون لها تداعياتها على “متانة” وجاهزية جيش الاحتلال وقوات احتياطه لأي طارئ، بينما حذرت مستويات أمنية مختلفة من انعكاساتها على “قوة الردع” وتباينت المواقف بشأن احتمال أن يشكل القرار تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي.
وجاء قرار الطيارين الإسرائيليين بعدم الامتثال للخدمة، وتعليق المشاركة في المناورات العسكرية، احتجاجا على استمرار حكومة بنيامين نتنياهو بتشريع ما تسميه خطة “إصلاح الجهاز القضائي”.
وعلى خلفية ذلك، حذّر مركز أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، من “تآكل الردع الإسرائيلي في مواجهة حزب الله (اللبناني)” مشيرا إلى أن “تجنب الاحتكاك مع حزب الله، من شأنه أن يؤدي إلى وضع إستراتيجي خطير”.
وأصدر مركز أبحاث الأمن القومي تقدير موقف -وتحت عنوان “الخيام في مزارع شبعا كفرصة إستراتيجية”- حثّ من خلاله الحكومة الإسرائيلية على توجيه ضربة عسكرية إلى حزب الله في حال فشلت الجهود الدبلوماسية لإزالة الخيام العسكرية.
العصيان والطوارئ
وعلى وقع التوترات بالجبهة الشمالية مع حزب الله وتصاعد الاحتجاجات بين وحدات “جيش الشعب” تتصاعد الأزمات الداخلية في إسرائيل. ويقول الباحث بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إن ملامح هذا السجال بالأساس “حول أزمة التشريعات والانقلاب على كل منظومة القضاء وتغيير نظام الحكم الديمقراطي اليهودي”.
وعلى الرغم من احتدام الصراع واتساع دائرة الاحتجاجات التي وصلت إلى نظام الجيش، يستبعد شلحت -في حديثه للجزيرة نت- أن يكون لعصيان ضباط المظليين وسلاح الجو تداعيات على كل العمليات العسكرية خاصة في حالة الطوارئ.
ويعتقد الباحث بالشأن الإسرائيلي أن قرار العصيان، وعدم الامتثال للتدريبات أو خدمة الاحتياط، ليس سوى ورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية لثنيها عن مواصلة التشريعات القضائية، مؤكدا أنه في حالة الطوارئ أو أية عملية عسكرية فإن “الكل في إسرائيل سيمتثل للخدمة العسكرية”.
وأشار إلى أن “العصيان” أو “التمرد” الذي ينخرط فيه عشرات الجنود، يتم تضخيمه من قبل الإعلام الإسرائيلي والتهويل من تداعياته وتهديداته للأمن القومي الإسرائيلي، لافتا إلى أن القرار بمثابة وسيلة ضغط على حكومة نتنياهو التي قد ترضخ وترحل تشريعات المنظومة القضائية إلى الدورة البرلمانية المقبلة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وأوضح شلحت أن تأجيل التشريعات لم يحسم بعد، خصوصا وأن ذلك من شأنه أن يخلف أزمة داخلية بالحكومة، وسط الرسائل التي يبعث بها نتنياهو كنوع من إعادة الحسابات من طرفه، خصوصا في ظل الأزمة الحقيقية وغير المسبوقة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة الرئيس الأميركي جو بادين.
الخشية من أزمة ثقة
وفي تقدير موقف لرئيس معهد “يروشاليم” للإستراتيجية والأمن، أفرايم عنبار، يرى أن العصيان والتمرد في صفوف المظللين وسلاح الجو “يهدد بتعريض إسرائيل للكثير من المخاطر، وهي التي توجد في إقليم خطر ومتوتر وغير مستقر”. وبالتالي، يقول عنبار “بقاؤها منوط إلى حد كبير بقوتها العسكرية” وبرأيه هذه الحقيقة “واضحة” لجميع سكان إسرائيل.
لكن، المثير للاستغراب -وفقا لرئيس معهد “يروشاليم”- أن مجموعة من الطيارين والضباط بالوحدات الخاصة وفي الاحتياط، والذين يدركون ضرورتهم في “التشكيل القتالي” للجيش الإسرائيلي، أعلنوا عزمهم التوقف عن المشاركة في التدريبات والامتثال للخدمة العسكرية “بدعوى أن الإصلاحات القضائية ستحوّل إسرائيل إلى دكتاتورية”.
وأوضح عنبار أن العصيان ورفض الخدمة بالجيش له تداعيات تلحق ضررا جسيما بالدولة والجيش الإسرائيلي، حيث تشكل هذه الدعوات “سابقة خطيرة قد تمهّد لسلوك مماثل مستقبلا لأسباب ودوافع أخرى لأي شرائح اجتماعية قد لا توافق على سياسات الحكومة المنتخبة”.
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي -وفي ظل السجال حول التعديلات القضائية- وجد نفسه في عمق المستنقع السياسي، وهو مكان لا ينبغي أن يكون فيه، وهذا الأمر من شأنه أن يتسبب بأزمة ثقة في المؤسسة العسكرية، ليس فقط في الاحتياط ولكن أيضا داخل الجيش النظامي.
ويعتقد عنبار أن هذه الظاهرة من شأنها أن تسهم بتضرر الهيكل الحساس للعلاقات بين الجيش والمجتمع في إسرائيل، وكذلك زعزعة الثقة بين المستوى السياسي والجيش بشدة، والتأثير على عملية صنع القرار لدى القيادة السياسية خاصة بكل ما يتعلق بالقضايا الأمنية والعسكرية ومواجهات التوترات على مختلف الجبهات خاصة مع لبنان وحزب الله.
“سياسة احتواء”
يقول الباحث في قضايا الأمن القومي، أرئيل هايمان “رد قادة الجيش الإسرائيلي على ظاهرة العصيان يتم حتى الآن على مستوى توضيح المخاطر الكامنة والمحدقة بمتانة الجيش في حال توسّعت ظاهرة التمرد ورفض الخدمة العسكرية، وتراجعت كفاءة وقدرات قوات الاحتياط، وتآكل الردع”.
وأوضح هايمان -للجزيرة نت- أن السياسة الحالية لقادة الجيش الإسرائيلي تجاه من يدعون للعصيان ورفض الخدمة العسكرية، على خلفية الاحتجاجات المناهضة للتعديلات القضائية، هي “سياسة الاحتواء” ومحاولة لعدم إبعاد المترددين عن الخدمة ولمنع اتساع ظاهرة العصيان بالجيش.
لكن هذه السياسة كما يقول الباحث “لن تكون كافية بالضرورة في حال استمرت الحكومة في التشريعات القضائية، وهذا يضع إسرائيل أمام الكثير من التحديات بكل ما يتعلق بهوية الدولة، الأمر الذي يلزم الجيش بالتحضر للمواجهة وليكون في جاهزية عليا بساحة المعركة الحقيقية ضد أعداء إسرائيل”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.