تمر غالبية العلاقات الزوجية بمنعطفات مختلفة تهدد استقراراها، وفي الوقت الذي لا يخلو بيت من الخلافات بين الزوجين، قد يحتاج الكثيرون لمعرفة كيفية إدارة هذه الخلافات وتجنب تحولها إلى صراعات دائمة تبدأ بالدفاع عن النفس سريعاً، أو الهجوم على الطرف الآخر.
وتؤجّج كلتا الطريقتين النزاع، وتدفع الزوجين أحياناً إلى مراحل متقدمة من الغضب. لذا يظل اختيار السلوك العقلاني المتوازن أفضل طريق لحل الخلافات الزوجية حتى في أصعب اللحظات، وهو أمر يمكن التدريب عليه واختياره عن وعي لتقليل حدة النزاعات.
وسنحاول التعرف، هنا، على الفارق بين السلوك الهجومي والدفاعي، وكيف تتخلص منهما؟ وكيف تعتاد العقلانية وقت الغضب؟
هجوم ودفاع
يحدث كل من السلوك الهجومي والدفاعي استجابة نفسية في حالات الصراع، وهما سلوكان متناقضان. ومن المهم معرفة ما يميز هذه السلوكيات من أجل التعامل معها والاستجابة لها بطريقة صحيحة، إذ يهدف النوع الأول غالباً إلى مهاجمة الآخرين والرغبة في تأكيد السلطة، بينما يسعى الآخر إلى حماية نفسه من التهديدات أو النقد المتصوّر عن طريق التجنّب أو الإنكار أو التبرير.
ويتصف صاحب السلوك الهجومي، غالباً، بالثقة والعدوان واللامبالاة. وفي الوقت ذاته، فإن السلوك الدفاعي ليس سوى رد فعل على “الهجومي” ويمكن النظر إليه على أنه شخص خاضع يحاول حماية نفسه من الهجوم بطريقة غريزية بحتة.
لا تتسرّع في الدفاع عن نفسك
أن تكون دفاعياً فهذا يعني التسرّع في الدفاع عن نفسك عندما تواجه موقفاً غير مريح، بدلاً من الاستماع والتحدّث عن المشكلة الحقيقية، كما تقول إيمي داراموس المتخصصة بعلم النفس السريري ومؤلفة كتاب “فهم الاضطراب ثنائي القطب”.
ويحدث رد الفعل الدفاعي أحياناً بوعي، وأحياناً أخرى بغير وعي، وفق داراموس التي تذكر أمثلة على السلوك الدفاعي، مثل اختلاق الأعذار وتقديم المبرّرات إذا انتقدك شخص ما. ويحدث أيضاً أن ينتقدك شخص ما، فتذكّره بشيء ارتكبه بحقك سابقاً، لتجعله يشعر بالذنب تجاهك.
وهناك رد فعل دفاعي آخر يحدث كثيراً، وهو الإمعان في الاعتراف بما يقوله الطرف الآخر عنك حتى لا يجد ما يقوله، وقد تقدم وعوداً لا تستطيع الوفاء بها لتجنّب المواجهة الكبرى.
كيف تتوقف عن أن تكون دفاعيا؟
إن فهم محفزات وأسباب كونك دفاعيا هي أول طريق التحوّل نحو ردود أفعال متوازنة، إذ يسمح ذلك الفهم بإعداد ردود مناسبة في حالة الاستفزاز، وملاحظة ردود فعلك ومراقبة أحاسيسك الجسدية مثل الشعور بالتوتر في الأطراف أو التعرّق، لأن إدراك الاستجابات الجسدية يساعد في إبطاء رد الفعل واختيار الرد بطريقة أفضل.
لذا، حاول تسمية مشاعرك، حتى لو بينك وبني نفسك، لأن هذه الطريقة تولّد وعياً عاطفياً يدفع إلى التفكير وإدارة الذات بصورة أفضل. كما ينبغي عليك إظهار الدعم والتعاطف الذاتي والرعاية التي تظهرها لصديق أو شخص قريب، وإدراك أننا جميعاً غير كاملين نرتكب أخطاء بين حين وآخر. ويساعد التعاطف مع الذات في التحوّل إلى حالة أكثر تسامحاً مع النفس وتقبلاً لها.
الهجوم والعدوان النفسي
السلوك العدواني يستخدم القوة والعدوان النفسي لمهاجمة شخص ما، يرفض صاحبه الخضوع لأي شخص، وغالباً ما يحدث ذلك بهدف الوصول إلى غرض معين.
ويتسم صاحب السلوك الهجومي باللامبالاة بمشاعر الآخرين، والرغبة في السيطرة حتى ولو بطريقة غير واعية.
وعلى عكس السلوك الدفاعي الذي يمكن أن يكون خفياً أو مرئياً، فإن “الهجومي” يكون واضحاً ومرئياً لا لبْس فيه.
الحزم والعدوان ليسا الشيء ذاته
يعرّف علماء النفس الهجوم أيضاً على أنه سلوك موجّه عن قصد يسبب الألم والأذى والخوف، وليس بالضرورة جسدياً وحسب، بل يمكن أن يكون لفظياً ونفسياً، وهو في جوهره يحمل نوعاً من التهديد وعدم الاحترام. أما الحزم، فهو الصدق مع آرائك ومشاعرك وقناعاتك وقراراتك. وهنا يكون الشخص الحازم غير مسيء أو متلاعب بالآخرين.
ومن أجل معرفة ما إذا كنت شخصاً حازماً أم تتسم بالسلوك الهجومي، فهناك أمثلة لمجموعة من السلوكيات وضعها علماء النفس من أجل التفريق بين الشخصية الحازمة وتلك الهجومية.
فنجد أن الحازمين يعطون الأولوية لتحقيق أهدافهم والدفاع عن قيمهم وحقوقهم، لكنهم في الوقت ذاته يحترمون معتقدات الآخرين وقيمهم وحقوقهم، ويبحثون عن وجهات نظر بديلة في مختلف القضايا.
ويتحدث الحازمون بنبرة صوت هادئة، مدركين أن الصوت المرتفع يمكن أن يسبّب سوء تفاهم بينهم وبين الآخرين. كما أن هناك لطفا وهدوءا في لغة جسدهم وتواصلهم البصري.
بينما أصحاب السلوك الهجومي يظهرون التهديد والسخرية في طريقتهم ولغة جسدهم وحديثهم، ولا يمكنهم تقدير أفكار الآخرين ومشاعرهم ومعتقداتهم. ورغبتهم الأولى، دائماً، هي تأكيد هيمنتهم وسيطرتهم، وغالباً ما يكون وجودهم غير مريح للطرف الآخر.
ولا يمكن قصر السلوك المتوازن على العلاقة الزوجية فقط، ولكن السلوك المتوازن يفيد في تحسين كل العلاقات، فلا أحد يحب أن يبقى مدافعاً عن نفسه باستمرار أمام شخص ينتقص منه أو يدينه دائماً. كما أن الهجوم المستمر يستنزف الطاقة الشخصية من دون وعي.
وأخيرا، فإن ما بين الزوجين يعد من أصعب العلاقات، لأن الأشخاص، بعد سنوات طويلة من الزواج، تتراجع أهمية العلاقة الزوجية بالنسبة إليهم، ويتوقفون عن بذل مجهود من أجل إنجاحها، وتصبح المساوئ والعيوب أمراً مسلّماً به داخل العلاقة، مما يضعفها أكثر ويهدّد جوهرها ومعناها القائم على الود والاحترام.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.