سيناريو النشاط المائي على المريخ هو أن التبريد عند خطوط العرض المنخفضة خلال مراحل الميل الكبيرة للمريخ يؤدي إلى تساقط الصقيع/الثلج، فينتج عنه تكوين قشور على سطح الكثبان الرملية المالحة.
بدأت محاولات استكشاف سطح كوكب المريخ في سبعينيات القرن الماضي عندما أرسلت وكالة ناسا (NASA) المركبة الفضائية “فايكينغ1” (Viking1) التي أرسلت صورا عن المريخ في عام 1976 وأنجزت مهمة استغرقت 6 سنوات و116 يوما.
ومنذ ذلك الوقت توالت البعثات، وكان أهم ما شغل العلماء هو وجود المياه على سطح المريخ واحتمال وجود حياة. وأحدث تلك البعثات المركبة الصينية “زورونغ” (Zhurong) التي أطلقت في عام 2020، ووصلت إلى الكوكب الأحمر في عام 2021.
وعثرت “زورونغ” على دليل على وجود الماء على أسطح الكثبان الرملية على المريخ وفقا لبحث جديد قاده البروفيسور تشين شاوجوانغ من معهد الجيولوجيا والجيوفيزياء (IGG) في الصين التابع للأكاديمية الصينية للعلوم (CAS)، وقد نشر البحث في دورية “ساينس أدفانسز” (Science Advances) في 28 أبريل/نيسان الماضي.
دراسات وأدلة سابقة
يذكر البيان الصحفي الذي نشره موقع الأكاديمية الصينية أن الدراسات السابقة قدمت دليلا على وجود كمية كبيرة من الماء السائل في بدايات المريخ، ولكن مع اختفاء الغلاف الجوي للكوكب في المرحلة اللاحقة تغير المناخ كثيرا حيث يؤدي الضغط المنخفض للغاية وكمية بخار الماء إلى صعوبة وجود الماء السائل بشكل مستدام على كوكب المريخ اليوم، ولذا فقد ساد الاعتقاد على نطاق واسع أن الماء لا يمكن أن يوجد إلا في أشكال صلبة أو غازية.
ومع ذلك، فإن القطرات التي لوحظت على الذراع الآلية لفينيكس التابعة لناسا تثبت أن الماء السائل المالح يمكن أن يظهر في الصيف.
وأظهرت عمليات المحاكاة العددية أيضا أن الظروف المناخية المناسبة للمياه السائلة يمكن أن تحدث لفترة وجيزة في مناطق معينة من المريخ اليوم، ولكن على الرغم من ذلك لم يظهر أي دليل على وجود الماء السائل عند خطوط العرض المنخفضة على سطح المريخ.
أدلة جديدة
والآن، استخدم الباحثون بيانات تم الحصول عليها بواسطة كاميرا الملاحة والتضاريس (NaTeCam) والكاميرا المتعددة الأطياف (MSCam)، وكاشف تكوين سطح المريخ (MarSCoDe) على متن المركبة الجوالة زورونغ لدراسة الخصائص السطحية ذات المقاييس المختلفة والتركيبات المادية للكثبان الرملية في منطقة الهبوط.
ووجد الباحثون بعض السمات المهمة على أسطح الكثبان الرملية مثل القشور والشقوق والحبيبات والتلال المتعددة الأضلاع مع أثر يشبه الشريط. وقد كشف تحليل البيانات الطيفية أن طبقة الكثبان السطحية غنية بالكبريتات المائية والسيليكا المائية (خاصة الأوبال-CT) ومعادن أكسيد الحديد الثلاثية التكافؤ (خاصة الفريهيدريت) وربما الكلوريدات.
يقول البروفيسور تشين في البيان الصحفي “وفقا لبيانات الأرصاد الجوية التي قيست بواسطة زورونغ وغيرها من مركبات استكشاف المريخ، استنتجنا أن خصائص سطح الكثبان الرملية هذه مرتبطة بالمياه المالحة السائلة المتكونة من الذوبان اللاحق للصقيع/الثلج المتساقط على أسطح الكثبان الرملية المحتوية على الملح عند حدوث التبريد”.
سيناريو النشاط المائي
تسبب الأملاح في الكثبان الرملية ذوبان الصقيع/الثلج في درجات حرارة منخفضة لتكوين ماء سائل مالح، وعندما يجف الماء المالح ترسب الكبريتات المائية والأوبال وأكسيد الحديد والمعادن الرطبة الأخرى جزيئات الرمل لتشكيل تجمعات الرمل وحتى القشرة، ثم تتشقق القشرة بسبب الانكماش وتشكل عملية ذوبان الثلج/الصقيع اللاحقة مزيدًا من التلال المتعددة الأضلاع مع أثر يشبه الشريط على سطح القشرة.
ويذكر البيان الصحفي أن العمر المقدر للكثبان الرملية قد يمتد إلى 1.4 مليون سنة والعلاقة بين المراحل الثلاث للمياه تشير إلى أن انتقال بخار الماء من الصفيحة الجليدية القطبية باتجاه خط الاستواء خلال مراحل الانحراف الكبيرة في أواخر حقبة الأمازون المريخية أدى إلى تكرار البيئات الرطبة عند خطوط العرض المنخفضة.
ولذلك يعتقد العلماء أن سيناريو النشاط المائي على المريخ هو أن التبريد عند خطوط العرض المنخفضة خلال مراحل الميل الكبيرة للمريخ يؤدي إلى تساقط الصقيع/الثلج، فينتج عنه تكوين قشور على سطح الكثبان الرملية المالحة، ومن ثم تتصلب الكثبان وتترك آثارًا لنشاط الماء المالح السائل. ويوفر هذا الاكتشاف أدلة رصد رئيسة للمياه السائلة عند خطوط العرض المنخفضة للمريخ حيث تكون درجات حرارة السطح أكثر دفئًا نسبيا وأكثر ملاءمة للحياة منها في خطوط العرض المرتفعة.
وقال البروفيسور تشين “هذا مهم لفهم التاريخ التطوري لمناخ المريخ، والبحث عن بيئة صالحة للسكن، وتقديم أدلة رئيسة للبحث في المستقبل عن الحياة”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.