انضم نجم أفلام الحركة (الأكشن) الممثل الأميركي نمساوي الأصل أرنولد شوارزنيغر إلى نجوم السينما القدامى الذين توجهوا إلى الشاشة الصغيرة -إذ سبقه كل من هاريسون فورد، وسلفستر ستالون، وجين فوندا، وستيف مارتن- في عمل يُعرض حاليا على منصة نتفليكس أحدث أعماله مسلسل “فوبار” (FUBAR).
يتكون مسلسل “فوبار” من 8 حلقات، وينتمي إلى نوع الحركة الذي تخصص فيه شوارزنيغر طوال مسيرته المهنية، ولم يتم الإعلان عن تجديده موسما آخر بعد، ولكن نهايته جاءت موحية بأن قصة أبطاله لم تكتمل بعد.
كوميديا عائلية أم عائلة كوميدية؟
“فوبار” بالإنجليزية ليست كلمة مطروقة، أو مصطلحا يستخدم بسلاسة، بل لها دوائرها الضيقة، وغالبًا يكون استخدامها في العمليات العسكرية، وهي تعني الوضع الذي تعمه الفوضى، أو الإخفاق الشديد، ولم يكن “فوبار” العنوان المبدئي للمسلسل، بل حمل فترة عنوانا أكثر غموضًا، وهو “أوتاب” (Utap)، وهو اختصار لجملة “برنامج المساعدة التدريبية للوحدة” (Unit Training Assistance Program) التي تستخدم أيضًا في سياقات عسكرية.
والكلمتان تدلان على طبيعة المسلسل نفسه، الذي تدور أحداثه في أروقة المخابرات الأميركية والعمليات العسكرية السرية من أجل حماية العالم من كارثة ما، وتدور أحداث المسلسل حول عميل المخابرات الأميركية “لوك برونر” الذي توشك مسيرته المهنية على الانتهاء بالتقاعد، ويحلم بحياة مختلفة على الصعيد الأسري، حيث أفسد عمله زواجه وعلاقاته الأسرية.
ويطلب منه رؤساؤه في جهاز المخابرات الانضمام لمهمة أخيرة، ينقذ خلالها أحد العملاء المهمين، ويكتشف بعد قليل أن هذا العميل ليس سوى ابنته “إيما”، التي تخفي عنه عملها مع المخابرات، وتفاجأ هي الأخرى بانتماء والدها للمؤسسة ذاتها.
يصبح على الأب وابنته التعاون في مهمة إضافية، لإنقاذ العالم من الشرير “بورو” الذي يحاول صنع قنبلة نووية وبيعها لتجار الأسلحة، ولكن تحت سطح العلاقة بين “لوك” و”إيما” الكثير من الغضب المكبوت، والإحباط المتبادل، فيكون عليهما حل كل هذه المشاكل التي تراكمت على مدار السنين وهما يحاولان إيقاف هذا التهديد.
ينتمي المسلسل إلى نوع يمزج بين الكوميديا والحركة معًا، وقد برع فيه شوارزنيغر في العديد من أفلامه على مدار الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ويحتاج هذا النوع إلى مؤهلات خاصة من البطل، مثل خفة الظل، بالإضافة إلى القدرات الجسدية التي تؤهله لمشاهد “الأكشن”، وقد حمل مشعل هذا الأسلوب في التمثيل من بعده المصارع السابق “دواين جونسون”، فكلاهما رغم عضلاتهما المفتولة والجسد الرياضي يملكان القدرة على إضحاك المشاهد مثل إثارته بالضبط.
ويعتمد مسلسل “فوبار” بشكل أساسي على موهبة “أرنولد” والشخصية (الكاريزما) الخاصة به، وطبيعة الكوميديا التي تنبع بشكل أساسي من اكتشاف كل من الأب وابنته حقيقة الطرف الآخر، والخلط بين علاقة الزمالة الحديثة والبنوة القديمة.
فنجد بعض المشاهد تدور أحداثها في الغابات والبطلان يهربان من الرصاص، وهناك مشاهد أخرى في غرفة الطبيب النفسي الذي يحاول مد جسور الود بين “لوك” و”إيما” ومساعدتهما على محو تاريخ سابق من الإحباط من جانب الابنة على الأخص.
عمل من الثمانينيات في ثوب القرن 21
أرنولد شوارزنيغر ابن مرحلة خاصة من تاريخ السينما الأميركية، عندما كان نجاح أبطال “الأكشن” يرتبط بحجم عضلاتهم، وقدرتهم على تقديم مشاهد الحركة المعقدة، شخصيات هذه المرحلة كانت تشبه الأبطال الخارقين، ولكن من دون بذلات خاصة، وعلاقاتها الشخصية كانت مجرد خلفية أو دافع للمغامرة، وانتهت هذه المرحلة بصعود أنماط أخرى من البطولة الذكورية، مثل نمط “بروس ويلس” على سبيل المثال، البطل الذي يشبه رجل الشارع العادي، ويحمل مشاكله وهمومه العائلية وهو يؤدي مهمته البطولية.
يستعيد مسلسل “فوبار” نمط أفلام شوارزنيغر القديمة، ويبدو في كثير من الأحيان كأنه إعادة كتابة باستخدام الذكاء الاصطناعي لحبكة هذه الأفلام، مع وضع لمسة من الحداثة، يظهر ذلك بداية من مشاهد الحركة غير المنطقية والحركات التي لا يمكن أن يقوم بها أي رجل في سن البطل حتى لو كان ذا لياقة بدنية عالية.
وهو ما يُظهر تجاهل صناع “فوبار” طبيعة المرحلة العمرية، وإصرارهم على جعل المسلسل كما لو أنه آلة زمن تنقل البطل للماضي الخاص به، وأهدروا فرصة تقديم عمل يتناول قصة رجل مخابرات يرغب في التقاعد فعلا لكنه مجبر على العمل لأسباب عائلية.
كوميديا المسلسل أتت كذلك تقليدية للغاية، بدعابات قديمة، لا تستخدم بوعي خفة ظل البطل، بل ظلت حبيسة عقد الثمانينيات الذي أصبح أطفاله اليوم في عقدهم الرابع، وظهرت أجيال أخرى بعدهم كان يجب أن يستهدفهم المسلسل.
يمكن اعتبار “فوبار” عملا حاول استغلال نجاح وشهرة شوارزنيغر، ولكنه لم يحاول إضافة شيء إلى هذا النجم بإدماجه في هذا الزمن الجديد، على عكس مسلسل مثل “شرينكينغ” (بطولة هاريسون فورد على منصة “آبل تي في بلس”) الذي جعل من عمر الممثل ونشأته في عالم قديم له قواعده الخاصة جزءًا أساسيًا من دوره في المسلسل، سواء بإصابته بمرض يقتصر بشكل كبير على الشيخوخة، أو بسخريته من “العالم الجديد”.
ويتشابه المسلسلان كذلك في أهمية العلاقة بين الأب والابنة ومحاولة استرجاعها، ولكن يظهر في “شرينكينغ” وعي كبير بكل هذه العوامل، بينما يدير مسلسل “فوبار” ظهره لها.
لم يحقق مسلسل “فوبار” سوى معدل 51% على موقع “روتن توماتوز”، وبالتأكيد مثّل إحباطا لكثير من المشاهدين المنتظرين لعمل يعيد لهم نجمًا محبوبًا سرقته السياسة من الفن سنوات طويلة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.