برلين ـ “العداء للمسلمين متفشٍ في ألمانيا بشكل واسع”، و”مسلمون كثر في ألمانيا يتعرضون في حياتهم اليومية للتمييز والكراهية وحتى للعنف”، و”المسلمون يعانون يوميا من خطر التمييز والتجريم والعنصرية”، و”المسلمون أكثر أقلية في ألمانيا تتعرض للضغوطات”.
هذه بعض التصريحات التي جاءت على لسان مسؤولين ألمان كبار بينهم وزيرة الداخلية نانسي فيزر، تعليقا على نتائج تقرير مستقل هو الأول من نوعه في ألمانيا، اعتمد على عدة دراسات أجريت في الأعوام الماضية، بإشراف مجموعة من كبار الأكاديميين والأكاديميات في الجامعات والمؤسسات الألمانية الوازنة.
ووفق التقرير، لا يعد العداء للمسلمين مشكلة هامشية بل ظاهرة منتشرة بشكل واسع في المجتمع الألماني، و50% من المواطنين الألمان يقرون بعدائهم للمسلمين، الأمر الذي يعتبر تربة خصبة وبوابة لجماعات معادية للديمقراطية، في إشارة من التقرير إلى اليمين المتطرف.
العداء للمسلمين “ممارسة يومية”
إحدى الأكاديميات اللاتي أشرفن على التقرير هي كريمة إبراهيم مديرة مركز “توثيق المعلومات لمحاربة العنصرية” (IDN-NRW)، التي أكدت أن ظاهرة العداء للمسلمين في ألمانيا والتمييز ضدهم “ممارسة يومية” يتعرض لها ملايين المسلمين.
وفي حديثها للجزيرة نت، قالت كريمة إن التقرير توصل لحقائق تؤكد تعرض المسلمين يوميا للعنصرية والتمييز في أسواق العمل والقطاع التعليمي والأماكن العامة، الأمر الذي يعني أن العداء للمسلمين أصبح شيئا عاديا، لأن هذا العداء لم يعد يتعلق بناخبي حزب يميني شعبوي مثل حزب “البديل” أو بالنازيين الجدد، بل إنه منتشر في وسط المجتمع.
ويذهب التقرير إلى أبعد من ذلك، موضحا أن المجتمع الألماني ينظر إلى نحو 5.5 ملايين مسلم في ألمانيا على أنهم “مهاجرون غرباء ينتمون لدين متخلف ومرتبط في وعي المواطن الألماني على أنه دين عنيف ومتطرف”، الأمر الذي يؤدي إلى تعرض المسلمين للتمييز في جميع مناحي حياتهم.
دور الإعلام
ولا يعفي التقرير وسائل الإعلام الألمانية من تحمل المسؤولية، مشيرا إلى أنه يتم تقديمهم في الإعلام أيضا بطريقة سلبية.
فوفقا للتقرير، فإن 90% من الأفلام الألمانية التي تم تقييمها تنظر إلى المسلمين من منظور سلبي، وتتناول قضاياهم في إطار الهجمات الإرهابية والتطرف والحروب واضطهاد المرأة.
ووفق كريمة إبراهيم، فإن التقرير كشف أن الإعلام الألماني “حبيس نظرة سلبية ضد المسلمين، وذلك من خلال تقديمهم في إطار صور تتعلق بالإرهاب وتعظيم العنف والتطرف والحجاب والمشاكل الأمنية”.
تقصير الحكومة
وتطرق التقرير إلى دور النخب السياسية في هذه القضية، وينصف جميع الأحزاب السياسية باستثناء الحزب اليميني الشعبوي (البديل)، موضحا أن هذا الحزب هو الوحيد الذي يحتوي برنامجه الانتخابي على نصوص معادية للمسلمين، وأن جميع الأحزاب الأخرى سواء المحافظة منها أو اليسارية تنتقد بشكل واضح ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين.
وحول دور الأحزاب السياسية والحكومة في محاربة الظاهرة، أقرت النائبة في البرلمان الألماني عن حزب الخضر لمياء قدور، أن الجهات الحكومية الألمانية لم تكن ترى هذه المشكلة وكانت تكتفي في الأعوام الماضية برؤية الوجه الآخر للعملة، وهو النظر إلى المسلمين في إطار الخطر الأمني والتطرف، بدون الانتباه إلى تعرض المسلمين لتمييز ممنهج.
وفي حديثها للجزيرة نت، أضافت قدور -التي شاركت إلى جانب الخبراء في تقديم التقرير- أن أي مشكلة هيكلية تحتاج لحلول هيكلية، الأمر الذي يعني ضرورة عمل السياسة على حماية المسلمين في الحياة العامة.
وشددت على أن أحد أهم أسس التعايش المشترك هو تعزيز دور التعليم وضرورة توفير المزيد من الفرص التعليمية للمسلمين، وإبراز تنوع حياة المسلمين في ألمانيا وتأسيس جهة حكومية معنية بمساعدة المتضررين وحمايتهم من ظاهرة العداء لهم.
التوصيات
وقدم التقرير توصيات عدة لجميع الجهات المسؤولة عن محاربة الظاهر الخطيرة، مثل: الشرطة والجهات الحكومية والقضاء ووسائل الإعلام فضلا عن القطاع الثقافي.
وينصح القائمون على التقرير الحكومة الألمانية بعدم التأخر في تأسيس مجلس خبراء وتعيين مفوض لمحاربة العداء للمسلمين، وهيئة توثيق لاستقبال الشكاوى، وتنظيم دورات تدريبية للعاملين في مجال رياض الأطفال والمدارس ومراكز الشرطة والقضاء والجهات الإدارية ووسائل الإعلام والقطاع الثقافي.
وعن هذه التوصيات، قال أمين عام مجلس المسلمين الأعلى في ألمانيا عبد الصمد اليزيدي، إن اعتراف جهة مستقلة عينتها الحكومة الألمانية بهذه الحقائق أمر “أثلج صدر الجهات المسؤولة عن المسلمين في ألمانيا، لأن جزءا كبيرا منها يعد من المطالبات التي يكررها مجلس المسلمين الأعلى في ألمانيا منذ عقود، لا سيما الطلب المتعلق بضرورة تعيين مفوض للحياة الإسلامية”.
كما أشار اليزيدي -في حديث للجزيرة نت- إلى ضرورة التمحيص في المقررات والكتب المدرسية، من أجل إزالة عبارات وأوصاف تحريضية ضد الإسلام والمسلمين، مؤكدا أن السلطات الألمانية لا تستطيع الآن التهرب من المسؤولية، بل يجب عليها القيام بواجباتها من أجل محاربة الظاهرة الخطيرة التي تمس وتضر بتماسك المجتمع في ألمانيا، في وقت تمر فيه أوروبا بأوقات مضطربة على خلفية أحداث حرق المصحف الشريف في السويد.
وحول دور السياسة في التصدي للظاهرة، تقول كريمة إبراهيم إن الحكومة مطالبة بحماية الأقليات والديمقراطية في آن واحد وقبل كل شيء، وتطبيق التوصيات التي باتت بفضل هذا التقرير متوفرة ومؤكدة، مضيفة أنه “لا يوجد لدينا الآن مشكلة في الحقائق المتوفرة بل في تطبيق ما نطالب الحكومة به”.
وعن رأيها فيما إذا كانت وزيرة الداخلية الألمانية ستأخذ هذه التوصيات على محمل الجد، اكتفت كريمة بالقول إنها “تأمل في ذلك”، علما أن الوزيرة أكدت على ضرورة محاربة الظاهرة ولكن اللجنة المسؤولة عن إعداد التقرير “سترى كيف ستتصرف الوزيرة وستراقب ذلك بعناية”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.