عباس البغدادي.. مهندس الحروف العراقي وآخر سلاطين الخط العربي | الموسوعة


عباس البغدادي خطاط عراقي من أبرع وأمهر خطاطي الحروف العربية في العصر الحديث، يوصف بأنه جهبذ الخط العربي المعاصر ورائد المدرسة العراقية الحديثة، وكان له تأثير كبير في تطوير الخط العربي وتعليمه، توفي في الثاني من مايو/أيار 2023 بالولايات المتحدة الأميركية.

نشأته وبراعته الفنية

ولد عباس شاكر جودي البغدادي في العاصمة العراقية بغداد عام 1949، وبرع منذ نعومة أظافره في فنون الخط والرسم وأجادها بإتقان كبير.

وتمتع البغدادي بحس فني وهندسي مرهف انعكس على اتساق الحروف ونسبها الذهبية، فنجح في تطوير إمكاناته الخطية بمفرده حتى حاز لقب “مهندس الحروف” لما يتميز به من موهبة فذة.

بدأ حياته الفنية بالرسم المحترف، لكنه ترك الرسم في وقت لاحق وتفرّغ للخط العربي لتعلّقه به، وأجاد أيضا فنون الزخرفة والتصميم والطباعة بأفكاره الإبداعية.

ورغم أنه لا يحمل شهادة في الخط العربي من أي مرجعية فنية في عصره، فإنه بفضل موهبته وإصراره أصبح من أهم مراجع الخط العربي في العالم.

وكان للبغدادي إنتاج زاخر من اللوحات، أبرزها 3 كراسات للخط العربي تقدّم مبادئ تعليم الخط العربي بطرق متنوعة، ولها طابع خاص من مدرسته الفريدة.

وتعد كراسة “ميزان الخط العربي” التي أنهاها عام 1986 أول إنتاجاته، قبل أن يصدر كراسة “النسخ المصحفي” المتخصصة في خط النسخ تشريحا وتفصيلا، والثالثة كراسة “تحفة الميزان” لمجموع الخطوط العربية التي أنتجها بطريقة جديدة لا تشبه الكراسات السابقة عام 1990.

وأعاد الخطاط الراحل لمدرسة الخط العراقية هيبتها ومكانتها عربيا وعالميا، ومنح عددا كبيرا من الخطاطين إجازات من داخل العراق وخارجه، وذلك اعترافا بما بلغوه من إتقان وإجادة في فن الخط العربي.

ارشيف كتابات الاستاذ عباس البغدادي المصدر : صفحه ارشيف كتابات الاستاذ عباس البغدادي على الفيس بوك
البغدادي بدأ حياته الفنية رساما قبل أن يتخصص في الخط (صفحه أرشيف كتابات عباس البغدادي على فيسبوك)

محطات مهمة

وشهدت مسيرته عديدا من المحطات المهمة والإنجازات اللافتة التي حققها في العقود الماضية، خاصة في فنون الخط العربي داخل العراق وخارجه.

وفي بداياته، نال جائزة بغداد لأفضل الرسامين الشباب عام 1969، وبعد سنوات عمل بالخط في الدار العربية للطباعة والنشر ودار الحرية للطباعة والنشر ببغداد بين عامي 1975 و1980، ثم أصبح رئيس خطاطي العراق بين 1988 و2003.

وشغل البغدادي منصب رئيس جمعية الخطاطين العراقيين ببغداد بين عامي 1999 و2003، وكان أستاذ الخط العربي للجمعية، وخطّ عديدا من أغلفة الكتب العلمية والأدبية والثقافية والدينية.

وعام 1998، أوكلت إليه مهمة تصميم شهادة الجنسية وهوية الأحوال المدنية وجواز السفر العراقي والعملة العراقية وشعار الدولة العراقية، ومصحف الدولة العراقية.

وكتب البغدادي عددا كبيرا من لوحات الخط العربي على جدران مساجد داخل العراق وفي بعض دول الوطن العربي، كما درّس مادة أصول الخط العربي وقواعده في عديد من المعاهد الفنية.

Iraqi President Saddam Hussein takes delivery of a copy of the Muslim Holy Book, the Koran Sunday, Sept. 24, 2000, in Baghdad. Iraqi Newspapers reported that Saddam ordered the holy book to be scribed in his own blood as a thanks to his long political career, in which he has not been harmed. (AP Photo/INA
مصحف الرئيس الأسبق صدام حسين الذي خطه البغدادي بدم الرئيس (أسوشيتد برس)

مصحف صدام

في عام 1998، طلب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين استدعاء البغدادي إلى مستشفى ابن سينا في بغداد، حيث كان يزور ابنه عدي الذي تعرض لمحاولة اغتيال، وطلب حسين من البغدادي خط القرآن بدمه وفاء بنذر له بعد نجاة نجله.

استغرق البغدادي عامين في كتابة المصحف بدم الرئيس الأسبق، حيث خلط الدم بمواد كيميائية خاصة لتسهيل الكتابة به، وتعزيز مقاومته لعوامل الزمن، ثم عُرض في متحف أم المعارك ببغداد.

وقال البغدادي إن راتبه كان نحو 24 دولارا آنذاك، وإنه تلقى مقابل إنجاز القرآن أقل من 3 آلاف دولار، وهو المبلغ نفسه الذي تلقاه كل عضو من لجنة مراقبة كتابة المصحف.

وأضاف البغدادي في تصريح للجزيرة نت عام 2004 “كانوا يقولون إنني كنز للوطن، وطلبوا مني كتابة كل أنواع المخطوطات، كل الوثائق الرسمية للوزارات والمحاكم والوثائق التي ترافق الأوسمة، لكنني لم أكافأ بشكل منصف”.

ارشيف كتابات الاستاذ عباس البغدادي المصدر : صفحه ارشيف كتابات الاستاذ عباس البغدادي على الفيس بوك
البغدادي خطَّ عناوين كتاب الكسوة الشريفة في مكة عام 2003 (صفحه أرشيف كتابات عباس البغدادي على فيسبوك)

مغادرة العراق

وبعد عام 2003، تعرّض البغدادي لتهديدات استهدفت حياته فلجأ إلى الأردن مع زوجته الثانية وأولاده الثلاثة، بينما بقيت زوجته الأولى وأولادهما الأربعة في العراق آنذاك.

وبعد استقراره في الأردن، درس البغدادي مادة الخط العربي في العاصمة عمّان واستمر في عمله حتى عام 2008، وصمم بعض أعمال الخط العربي للعائلة الملكية الأردنية.

وعام 2006، خطَّ البغدادي عناوين كتاب الكسوة الشريفة في مكة المكرمة، كما شارك في المعرض الخاص للخط العربي في إمارة الشارقة عام 2007، وصمم العملة الخاصة بإمارة أبو ظبي في العام ذاته.

ومن أبرز نشاطاته في الولايات المتحدة عام 2009 تدريس مادة الخط العربي وورشة عمل قدمها بمعهد الفكر الإسلامي “هرندن فرجينيا”، وأيضا إقامة ورشة عمل في متحف “ريغموند” في فرجينيا، وتنظيم ورشة عمل في المتحف الإسلامي في جورجيا.

كما قدّم استشارة قيّمة في إنشاء متحف للمخطوطات العربية والإسلامية في مركز كندي، في واشنطن العاصمة، وشارك في المعرض العالمي للفنون العربية والإسلامية.

وفاته

بعد معاناة طويلة مع المرض، توفي آخر سلاطين الخط العربي في الثاني من مايو/أيار 2023 بالولايات المتحدة الأميركية، وجرى تشييعه من مركز آدم الإسلامي في ولاية فرجينيا.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post تشكيل بيراميدز المتوقع أمام الأهلى.. رمضان ومصطفى فتحى ولاكاى فى الهجوم
Next post أغذية لتنظيم ارتفاع مستوى حمض اليوريك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading