طومان باي هو آخر سلاطين دولة المماليك في مصر. ولد عام 1474 في مدينة حلب السورية، واعتلى العرش السلطاني في الشهور الأخيرة من عمر الدولة المملوكية، قاد الجيش المملوكي في معركة الريدانية ضد العثمانيين، وخسر فيها الجيش المملوكي وسقطت القاهرة بيد العثمانيين وانتهى بذلك عهد الدولة المملوكية. وقع طومان باي بيد العثمانيين وانتهى به الأمر مشنوقا عام 1517.
المولد والنشأة
ولد الأشرف أبو النصر -المعروف باسم طومان باي- عام 1474 في مدينة حلب السورية وهو من أصل شركسي، واشتغل خادما في قصر سلطان مصر آنذاك الأشرف قايتباي وهو في سن مبكرة، وذلك بعد أن أخذه عمه معه إلى مصر وقدمه للسلطان.
اشتغل طومان باي بعد ذلك في ديوان الأعمال الكتابية بالقصر السلطاني، وأصبح بعدها أحد أعضاء الحرس الخاص للسلطان، بعدما تعلم فنون الفروسية، ثم ترقى تدريجيا حتى أصبح أميرا على 100 شخص.
وفي عام 1500، أصبح عمه قانصوه الغوري سلطان المماليك في مصر، الأمر الذي فتح لطومان باي أبواب تسلق درجات الحكم في مصر، فأصبح الذراع الأيمن لعمه ونائبه في حكم دولة المماليك.
وفي السنوات الأخيرة من حكم السلطان قانصوه الغوري، وقعت أزمة بين دولة المماليك في مصر والدولة العثمانية ذات القوة السياسية والاقتصادية، التي كانت تريد السيطرة على بلاد الشام التابعة لدولة المماليك.
وللدفاع عن بلاد الشام ضد العثمانيين، خرج السلطان قانصوه الغوري عام 1516 بجيش جرار إلى الشام لمواجهة الجيوش العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول.
وعين السلطان قانصوه الغوري ابن أخيه طومان باي نائبا له على حكم مصر حتى عودته من المعركة. لكن جيش المماليك انهزم خلال المعركة التي جمعتهم بالجيش العثماني في منطقة مرج دابق (تسمى معركة مرج دابق) وقُتل قانصوه، ليتم اختيار طومان باي من طرف أمراء المماليك ليصبح سلطانا جديدا لدولة المماليك في مصر خلفا لعمه.
التجربة السياسية والعملية
لم يكن طومان باي متحمسا لهذا المنصب، فرفض في البداية تولي عرش الدولة المملوكية، بسبب الضعف الذي كانت تعيشه لحظتها أمام تعاظم قوة الدولة العثمانية وسيطرتها على المنطقة، لكنه في نهاية المطاف وافق بعد أن طمأنه أمراء الدولة وأقسموا له على الولاء والطاعة.
استمر حكم طومان باي لدولة المماليك شهورا قليلة فقط، تميزت بالعدل واللين، الأمر الذي جعله سلطانا محبوبا من الجميع، على عكس فترة حكم عمه التي اتسمت بالشدة والقسوة.
ولمواجهة الجيوش العثمانية الطامعة في غزو الدولة المملوكية، جهز طومان باي جيشا كبيرا استعدادا للمعركة المرتقبة بعدما أصبح العثمانيون على وشك الدخول إلى مصر.
وفي تلك اللحظة، اقترح عليه السلطان سليم الأول أن يبقى حاكما لمصر شريطة خضوع حكمه للدولة العثمانية، لكن طومان باي رفض المقترح وأعلن مواجهته للعثمانيين.
وعندما اقترب الجيش العثماني من القاهرة، خرج طومان باي بجيش جرار والتقى الجيشان في منطقة الريدانية، ودارت معركة شرسة كانت الغلبة فيها لجيش المماليك، الذي تمكن من وقف زحف الجيش العثماني في بداية المعركة، لكن الكفة مالت في نهاية المعركة لصالح العثمانيين نظرا لكثرة عددهم وقوة عدتهم وعتادهم.
بعد هذه الهزيمة، انسحبت جيوش المماليك بقيادة السلطان طومان باي من شوارع وأزقة القاهرة، لكن السلطان سليم الأول تردد في الدخول إليها في الأيام الأولى بعد نهاية المعركة، لأنها كانت لا تزال تحت سيطرة المماليك على الرغم من هزيمتهم.
وبعد أيام قليلة، وافق السلطان سليم على دخول القاهرة قبل أن تباغته جيوش طومان باين لتنطلق معارك أخرى طاحنة في شوارع القاهرة استمرت 4 أيام.
انتصر المماليك مرة أخرى في بداية هذه المعارك، بفضل معرفتهم ودرايتهم بشوارع وأزقة القاهرة، إضافة إلى انخراط سكان المدينة في هذه المعارك ومساعدتهم جيش المماليك، لكن العتاد العسكري المتطور للجيش العثماني وكثرة جنوده رجحت الكفة لمصلحته مرة أخرى في نهاية المعركة.
وبذلك رفع جيش المماليك راية الاستسلام، وهرب طومان باي خارج القاهرة. وبعد هذه الهزيمة، أصبحت القاهرة تحت حكم العثمانيين، الذين أعلنوا نهاية الدولة المملوكية في مصر والمشرق الإسلامي التي دام حكمها نحو 267 عاما، وأصبحت مصر بعدها تحت حكم العثمانيين.
معركة الريدانية
وقعت معركة الريدانية يوم 22 يناير/كانون الثاني 1517، إذ تواجه الجيشان العثماني بقيادة السلطان سليم الأول والمملوكي بقيادة طومان باي في منطقة الريدانية القريبة من حي العباسية بالقاهرة، واستخدم فيها العثمانيون لأول مرة المدافع المملوءة بالشظايا، وهي مدافع تقذف بمعدل من 5 إلى 10 قذائف متوالية.
هذه المعركة كانت نتيجة سنوات من الوضع العسكري غير المستقر بالنسبة للدولة المملوكية، التي كانت تفقد قوتها وسيطرتها في المشرق الإسلامي لصالح الدولة العثمانية وجيشها، الذي اكتسب حينها خبرة كبيرة من خلال احتكاكه بالجيوش الأوروبية.
وقبل مواجهة الجيش العثماني، حفر الجيش المملوكي خندقا طويلا على طول الخطوط الأمامية، ولما علموا بدخول العثمانيين إلى أراضيهم، حاول السلطان طومان باي إقناع باقي الأمراء بترك منطقة الريدانية ومُباغتة العثمانيين من الخلف بعد أن أنهكهم التعب جراء المسافات الطويلة التي قطعوها في الصحراء، إلا أن الأمراء لم يستجيبوا لأوامر سلطانهم وظنوا أن الخندق وحده كفيل بحمايتهم.
لكن العثمانيين، قبل أن يصلوا إلى منطقة المعركة، كانوا قد أسروا بعض سكان المنطقة واستنطقوهم حول الخطة التي وضعها طومان باي وجيشه لمواجهتهم.
فأخبروهم أن جيوش المماليك حفروا خندقا طويلا وتحصنوا فيه في انتظار وصولهم، حينها فهم العثمانيون طبيعة الخطة التي وضعها الجيش المملوكي، كما أدركوا نوع المدافع التي يتوفر عليها.
وعندما وصلت الجيوش العثمانية وبدأت المعركة في منطقة الريدانية، استبسل الجيش المملوكي في الدفاع عن أراضيه معتمدا على الفرسان والسيوف والمدافع الثقيلة غير القابلة للمناورة.
لكن الجيش العثماني اعتمد -في المقابل- على أسلحة نارية متطورة ومدافع خفيفة الحركة وسهلة التموضع سهلت سيطرة العثمانيين على المعركة وحسمها لصالحهم.
وانهزم بذلك جيش المماليك في هذه المعركة وشكلت نقطة تحول مهمة في تاريخ دولة مصر، التي خرجت من حقبة الدولة المملوكية المترامية الأطراف لتدخل حقبة جديدة بعدما أصبحت ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية التي كانت مساحتها تجمع بين 3 قارات: آسيا، أوروبا وأفريقيا.
لكن العثمانيين لم يظفروا بهذا النصر إلا بعدما تكبدوا خسائر كبيرة في هذه المعركة، منها مقتل سنان باشا الصدر الأعظم والرجل المُقرب للسلطان العثماني سليم الأول، الذي قال في حقه بعد الاستيلاء على مصر: “استولينا على مصر، لكننا فقدنا سنان باشا، خسارتنا فيه لا يمكن أن تعادلها دولة”.
ما بعد معركة الريدانية
بعد دخول العثمانيين القاهرة بدؤوا بـ”تطهير” شوارعها وأزقتها من وجود المماليك، متوعدين كل من يتستر على وجودهم بأقصى العقوبات.
وفي المقابل، كان المماليك يخرجون في كل ليلة على شكل مجموعات ويشنون هجمات على الجيش العثماني في ما يشبه حرب عصابات كان يقودها السلطان طومان باي بنفسه.
غير أن استعمال الجيش العثماني للبنادق واستهدافه المماليك من سطوح المباني وأسوارها أجبرهم على التراجع والاستسلام، وهرب طومان باي إلى الإسكندرية شمالا، واختبأ هناك عند أحد زعماء القبائل الذي استقبله وأكرم ضيافته، لكنه وشى به بعد ذلك إلى السلطان العثماني سليم الأول الذي أرسل قوة عسكرية للقبض عليه.
وبعد إلقاء القبض على طومان باي من طرف العثمانيين أتوا به إلى سليم الأول، ودار بينهما حوار جعل السلطان العثماني يعجب بشجاعة وذكاء طومان باي وأراد أن يعفو عنه.
إلا أن أتباع السلطان سليم أقنعوه بضرورة إنهاء حياته متحججين بأن بقاءه حيا يشكل خطرا على الدولة العثمانية ويضعف سيطرتها على حكم مصر، وهو ما جعل السلطان سليم الأول يقتنع بفكرتهم ويقرر في نهاية المطاف إعدام طومان باي.
وقد قال المؤرخ المصري محمد ابن إياس الحنفي في كتابه “بدائع الزهور في وقائع الدهور” عن إعدام طومان باي: “فلما شُنق وطلعت روحه صرخت عليه الناس صرخة عظيمة وكثر عليه الحزن والأسف، فقد كان شابا حسن الشكل وسنُّه حوالي 44 سنة، وكان شجاعا بطلا تصدّى لقتال ابن عثمان وثبت وقت الحرب وحده بنفسه، وكان ملكا حليما قليل الأذى كثير الخير، وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية 3 أشهر و14 يوما”.
وبعد إعدامه أصبح السلطان المملوكي طومان باي آخر سلاطين الدولة المملوكية التي حكمت مصر والمشرق العربي لأكثر من قرنين ونصف القرن، وأصبحت بذلك مصر ولاية خاضعة لحكم الدولة العثمانية، وتم تعيين خاير بك، أول حاكم لمصر تحت حكم العثمانيين.
الوفاة
أُعدم السلطان المملوكي طومان باي شنقا من طرف العثمانيين يوم 15 أبريل/نيسان 1517، بعدما أخرجه جنودهم من سجنه في القاهرة وساروا به إلى باب زويلة، حيث تم شنقه، وسط صراخ أنصاره ومحبيه.
وظلت جثته معلَّقة بالباب 3 أيام، قبل أن يُدفن تحت قبة عمه السلطان قانصوه الغوري الواقعة ضمن مجموعة الغوري التي تعدّ أحد أهم المعالم الأثرية جنوبي القاهرة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.