مراسلو الجزيرة نت
لندن- ضربة قوية تلقاها القوميون المؤيدون للتاج البريطاني في أيرلندا الشمالية، بعد عجزهم عن تصدر الانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد، مقابل تصدر حزب “شين فين” (Sinn Féin) المؤيد للانفصال عن المملكة المتحدة لهذه الانتخابات، وذلك للمرة الثانية على التوالي في سابقة تاريخية.
وتعيش أيرلندا الشمالية حالة من انعدام الاستقرار السياسي سببها الرئيسي هو “البريكست”، حيث ما زال القوميون غير راضين عن مخرجات المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية، وينظرون للاتفاق الأخير بين الطرفين -الذي أطلق عليه اسم “إطار عمل وندسور”- باعتباره ضربا في انتماء أيرلندا الشمالية للمملكة المتحدة.
لكن الانتخابات الأخيرة أظهرت أن المزاج العام أصبح يميل أكثر لفكرة توحيد شطري أيرلندا والابتعاد عن المملكة المتحدة، وهذا ما عكسه تصدر حزب “شين فين” لتلك الانتخابات.
ويأتي هذا الوضع رغم محاولات الطمأنة التي قادها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى بلفاست (عاصمة أيرلندا الشمالية) في أبريل/نيسان الماضي، ووعده باستثمارات تفوق 6 مليارات دولار شريطة الحفاظ على الوضع السياسي في البلاد، وتحذيره من أي تغيير في مبادئ “اتفاق الجمعة العظيمة” الذي وضع حدا للحرب الدامية بين الوحدويين والانفصاليين.
نتائج تاريخية
تصدر حزب “شين فين” -الذي تصفه الأدبيات السياسية بأنه كان الذراع السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي سابقا- نتائج الانتخابات المحلية وأصبح صاحب أكبر حصة من المقاعد في هذه المجالس، ونجح في زيادة حصته بـ39 مقعدا مقارنة مع انتخابات سنة 2019، ويأتي هذا الفوز بعد سنة فقط من تصدر الحزب نفسه الانتخابات العامة.
وأصبح “شين فين” يمتلك حاليا 144 مقعدا في المجالس المحلية من أصل 462 مقعدا، بينما حل الحزب الديمقراطي الاتحادي (DUP)، في المركز الثاني بحصوله على 122 مقعدا في المجالس المحلية، وهي النتيجة نفسها التي سبق أن حصل عليها عام 2019.
ويظهر من النتائج أن الأحزاب التي تحمل التوجه الاتحادي كلها منيت بهزيمة في هذه الانتخابات، كما هي الحال بالنسبة لحزب “ألستر الوحدوي” (UUP)، وكذلك حزب العمال والحزب الديمقراطي الاشتراكي وكلها ضد الانفصال، وفقد زعيم الحزب الوحدوي التقدمي (PUP) مقعده في هذه الانتخابات.
وكلها نتائج تزيد الضغط على الأحزاب الوحدوية وتضعف من موقفها في التفاوض مع الحكومة البريطانية حول وضع أيرلندا الشمالية بعد البريكست.
العودة للبرلمان
تعيش أيرلندا الشمالية حالة من الجمود السياسي منذ أكثر من سنة، بعد قرار الحزب الديمقراطي الاتحادي الانسحاب من جمعية أيرلندا الشمالية، التي تمثل برلمان البلاد ويتم تقسيمها على أساس متساو بين الاتحاديين (40 مقعدا) والقوميين (40 مقعدا) والـ10 مقاعد المتبقية مخصصة للمحايدين.
ويقول الحزب الديمقراطي الاتحادي إنه لن يعود للبرلمان إلا في حال حصل على ضمانات قوية من الحكومة البريطانية بأنه لن تجري تغيرات على وضع أيرلندا الشمالية خلال نقل البضائع إليها من الاتحاد الأوروبي، ويرفض الحزب الوحدوي وضع أي نقاط تفتيش بحرية على البضائع القادمة من أوروبا نحو جمهورية أيرلندا ورغم كل التطمينات الأوروبية بأن أغلب البضائع لن تخضع للتفتيش وإنما الأمر يتعلق بعدد يسير منها، فإن هذا لم يقنع الوحدويين الرافضين للعودة إلى البرلمان.
في المقابل، ازداد موقف القوميون قوة أكثر بعد نتائج الانتخابات المحلية وتحولهم لأكبر قوة سياسية في أيرلندا الشمالية، وهو ما دفع حزب “شين فين” لدعوة الوحدويين للعودة فورا إلى البرلمان، من باب الاستجابة للرأي العام في أيرلندا الشمالية الذي قال كلمته في مناسبتين انتخابيتين خلال سنة واحدة ومنح القوميين صدارة المشهد السياسي.
وسيزداد المشهد تعقيدا في أيرلندا الشمالية أمام تعنت الوحدويين، واستقواء القوميين بنتائج الانتخابات، ويبدو أن الوساطة الأميركية قد فشلت حتى الآن في الوصول لأي حل يرضي الطرفين.
وأظهر استطلاع للرأي قامت به جامعة ليفربول أن 56% من الوحدويين في أيرلندا الشمالية يؤيدون الاتفاق الذي توصل إليه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك مع الأوروبيين حول وضع أيرلندا الشمالية، وأن 17% فقط هم الذين يعارضون وهو ما يزيد من الضغط على الوحدويين للعودة إلى البرلمان من جديد.
وأظهر الاستطلاع نفسه أن أغلبية سكان أيرلندا الشمالية (أكثر من الثلثين) باتت تشعر بالضجر من هذا الملف برمته، وترى أن الجمود السياسي ليس له معنى وأنه يؤثر على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.