لأول مرة يحاكم 4 رجال متهمين بالإرهاب اليميني المتطرف أمام محكمة جنائية فرنسية خاصة، وتظهر من خلال هذا السجل الإجرامي هيكلة حركة العنصريين الفرنسيين الذين غالبا ما يبررون انتقالهم إلى العمل العنيف في بيانات سياسية شديدة الحماس.
وقالت مجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية -في تقرير بقلم ماتيو ديلاهوس- إن النص الذي يشكل أحد الأدلة الرئيسية في أول قضية جنائية لليمين المتطرف، يقدم تفاصيل هجوم لم يحدث في نهاية المطاف، ولكنه يظهر مدى تصميم الإرهابي الذي كتبه، وهو عبارة عن وثيقة بعنوان “استعادة أوروبا” وعلى غلافها شمس سوداء ترمز للنازيين، ويبدو من سطوره الأولى أنه سيل من الكراهية في وجه “غزو أوروبا من قبل دول معادية تماما وغير منسجمة مع حضارتنا”.
وكتب الجندي السابق ألكسندر جيليه، صاحب الوثيقة الذي ألقي القبض عليه في مدينة غرونوبل عام 2018 قبل أن يكمل هذا المشروع المميت، “في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، سيتم تنفيذ عملية خاصة للانتقام لضحايا الإرهاب الإسلامي الذين سقطوا في الهجمات التي وقعت منذ عام 2015، وستستهدف العملية أماكن يرتادها الإسلاميون الذين يتآمرون لقتلنا في مساجدهم، حيث عاشوا بحرية لفترة طويلة بسبب حكومة فرنسا الفاسدة”.
تسريع الفوضى
وقبل القبض على جيليه بأيام، ورد تقرير عن طلبه الحصول على مواد كيميائية تستخدم في تكوين مادة بيروكسيد الأسيتون الشديد الانفجار، وقد عثر المحققون في منزل هذا المهووس بالأسلحة ذي الخلفية الاجتماعية المتواضعة والمحبط بسبب فشل تجربته في الجيش -كما يقول الكاتب- على بندقيتي كلاشينكوف مصرح بهما قانونيا، وعلى كثير من الذخيرة والمتفجرات وسلسلة من النصوص في حاسوبه.
ويبدو أن الملف في الأساس -كما يرى الكاتب- سيكون هدفه الغوص في أساليب الإرهاب اليميني المتطرف، حيث يسعى القضاة والمحققون المعنيون بمكافحة الإرهاب، بعد أن أصبحوا على معرفة برسائل الولاء وأشرطة الفيديو الإسلامية المتطرفة، إلى تعلم فك رموز هذه الوثائق والبيانات ذات الطابع العسكري التي أصبحت معروفة بتوقيع الراديكاليين المتطرفين.
ويقول أحد رجال مكافحة الإرهاب “أصبح منهجا لديهم شرح مضمون العملية، ثم تفصيل مشروعهم السياسي ثم كتابة نصوص مستفيضة إلى جانب إعداد الأسلحة والمتفجرات والتدرب واختبار المتفجرات”.
والعامل المشترك بين الجهاديين والإرهابيين من اليمين المتطرف -وفق الكاتب- هو رغبتهم في نشر أكبر قدر من الدعاية لأفعالهم، كما فعل محمد مراح، وكما فعل اليميني برينتون تارانت، صاحب الهجوم على مسجدين في كرايستشيرش بنيوزيلندا عام 2019، الذي بث جريمته على الهواء، كما بدا أن من سمة الإرهاب اليميني المتطرف المميزة تبادل النصوص الطويلة على قنواتهم.
العامل المشترك بين الجهاديين والإرهابيين من اليمين المتطرف هو رغبتهم جميعا في نشر أكبر قدر من الدعاية لأفعالهم
وتمثل الصورة المرسومة في هذه الوثيقة “فردا سئم من أحزاب اليمين المتطرف، وقرر أن يباشر العمل بنفسه، وقد فكك قاضي التحقيق في النيابة العامة لمكافحة الإرهاب أثناء محاكمة أوريليان شابو عام 2022، الرسائل التي أرسلها المشتبه به، ليثبت رغباته “المتسارعة” في تسريع الفوضى من أجل إشعال حرب أهلية.
جهاد أبيض
وقد أظهر ألكسندر جيليه، مثل برينتون تارانت، رغبته في حمل السلاح انتقاما من “الهجمات الإرهابية الإسلامية” عام 2015، وبيّن أن العمل الانتحاري يسمح “بمذبحة أكبر بكثير”، ولكنه نفى أمام المحققين أن يكون قد قام بذلك العمل، ودافع عنه محاميه بأنه لم ينشر كتاباته لأنه لم يكن فخورا بها، وأنها لم تصدر عن أيديولوجية عميقة بل غضب وخوف بعد موجة الإرهاب التي أيقظت كل مخاوفه فيه.
الانجراف الجنائي المحتمل لليمين المتطرف، يشكل مصدر قلق كبير في فرنسا، مع أن القضايا اليمينية المتطرفة قيد التحقيق في وحدة مكافحة الإرهاب لا تتجاوز حتى الآن 5
ومع ذلك، تكشف كتابات ألكسندر جيليه عن ظواهر لم نشهدها بعد في فرنسا -كما يقول الكاتب- حيث ادعى أعضاء جماعات يمينية متطرفة بالولايات المتحدة أنهم “جهاد أبيض”، وهذا “الجهاد الأبيض” دعا إليه منذ عام 2015، زعيم مجموعة النازيين الجدد الأميركية جيمس ماسون، وهو عنصري ومعاد للسامية، وقد قدم المراهق الذي يحاكم في هذه القضية مجموعة جيمس ماسون الإرهابية الأميركية إلى أعضاء الخلية الآخرين.
وختم الكاتب بأن هذا الانجراف الجنائي المحتمل لليمين المتطرف، يشكل مصدر قلق كبير في فرنسا، مع أن القضايا اليمينية المتطرفة قيد التحقيق في وحدة مكافحة الإرهاب لا تتجاوز حتى الآن 5، من بين 386 قضية جنائية تتعلق بمكافحة الإرهاب، أغلبها يتعلق بـ”الإرهاب الإسلامي”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.