“سلاح يوم القيامة”.. ماذا نعرف عن طوربيد بوسيدون الروسي؟ ولِمَ تخشاه الولايات المتحدة؟


في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، نشرت وكالة “سي إن إن” (CNN) الإخبارية الأميركية أنباء عن فشل الروس في اختبار “طوربيد” نووي جديد، بعدما شوهدت السفن الروسية وهي تغادر منطقة الاختبار خائبة الرجاء. وقتها تكهنت الولايات المتحدة أن الصناعة العسكرية الروسية تمر بفترة عصبية، وربما لن تستطيع أن تفي بوعودها في اختبار الطوربيد المُنتظر، لكن روسيا تمكنت بالفعل مطلع العام من تسليم الطوربيد بنجاح، ليخرج إلينا “بوسيدون” الذي وصفته وسائل الإعلام العالمية بـ”سلاح نهاية العالم”، وقال عنه الرئيس الروسي بوتين إنه “سيحمي أمن روسيا لعقود قادمة”.

 

يُعَدُّ بوسيدون، بحسب ما جاء في مجلة “نيوزويك” (Newsweek) الأميركية، جزءا من الجيل الجديد لترسانة الأسلحة النووية الروسية، وهو سلاح بحري إستراتيجي قادر على حمل رؤوس نووية والوصول إلى عمق السواحل الأميركية وتدمير مدن بأكملها، وبالتالي يمكنه إشعال حرب نووية أو قُلْ حربا عالمية ثالثة إذا قررت روسيا استخدامه.

 

ما الطوربيد بوسيدون النووي؟

المفاجأة أن “الطوربيد الفائق” من طراز بوسيدون ليس بجديد تماما، فقد تسربت الأنباء عن تطويره عام 2015، هذا قبل الإعلان عنه رسميا عام 2018، وكان يُعرف حينذاك باسم “Status-6″، وهو طوربيد كبير جدا يعمل بالطاقة النووية، ذاتي القيادة ويمكن إعادة توجيهه عن بُعد، كما بإمكانه حمل رؤوس نووية لمسافات طويلة “عابر للقارات” واستهداف المدن وحتى حاملات الطائرات.

 

تشير التقديرات المستقلة إلى أن سرعة بوسيدون القصوى تتجاوز 90 كم في الساعة، مما يجعله أسرع بمرتين من الغواصات التقليدية، لكن المصادر الروسية تزعم أن السلاح الجديد تصل سرعته القصوى إلى أكثر من 200 كيلومتر في الساعة. يبلغ طول الطوربيد 20 مترا وقُطره 1.8 متر، كما يصل مداه إلى 10 آلاف كيلومتر على الأقل، وتبلغ حمولته 100 ميغا طن من الرؤوس النووية، أي ضِعْف قوة أكبر قنبلة نووية في التاريخ، وهو يفوق في ذلك قنبلة “القيصر” النووية التي اختبرها الاتحاد السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي، ويُعَدُّ أقوى 100 مرة من القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية. لهذا السبب يطلق على “بوسيدون” سلاح نهاية العالم، نظرا إلى قوته التدميرية الهائلة.

 

ما زالت أغلب قدرات بوسيدون يكتنفها الغموض، الأمر الذي يجعل منه مادة خصبة للشائعات والتكهنات الزائفة. لكن ما يُعرف عنه حقا أنه جيد جدا في التخفي نظرا لإمكاناته المتطورة، فله هيكل من التيتانيوم، وقدرة على مقاومة الضغط في الأعماق القصوى، وبالتالي يمكن استخدامه سلاحا ممتازا في قاع البحر. وتكمن خطورته الأساسية في قدرته على الإفلات من أنظمة الدفاع الصاروخية الأميركية وتفادي الضربات الوقائية. فالطوربيد ذاتي التشغيل ليس بحاجة إلى غواصة كبيرة ومزعجة لإطلاقه، وبالتالي بإمكان الروس وضع بوسيدون مسبقا في قاع البحر وتفعيله عن بُعد عند الحاجة إلى ذلك. ومع سرعته العالية ومداه العابر للقارات سيصعب تتبعه أو اعتراضه؛ ولهذا وصفته بعض وسائل الإعلام بأنه أكثر أسلحة الروس فتكا.

 

بالفعل انتهى تصنيع الدفعة الأولى من طوربيدات بوسيدون يناير/كانون الثاني الفائت، كما انتهت الاختبارات على المكونات الأساسية للطوربيد -بحسب المصادر الروسية- بما في ذلك وحدة التشغيل الذاتية التي تعمل بالطاقة النووية، ومن المفترض تسليمه قريبا إلى الغواصة بيلغورود، الجيل الثاني من الغواصات النووية الروسية التي تسلمتها موسكو منتصف عام 2022.

 

الفخر النووي الروسي

مؤخرا، لا يفوت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة دون التباهي بأن بلاده تمتلك اليوم أكبر إمكانات نووية في العالم، والحقيقة أنه رغم أن الكثير من مزاعم القوة العسكرية الروسية غالبا ما تكون مبالغا فيها، فإن هذا ينطبق بشكل أقل على منظومات السلاح النووي. وكلمتا السر في ذلك هما: “بوسيدون” و”بيلغورود” اللذان يُمثِّلان جزءا من برنامج الأسلحة الإستراتيجية الذي أعلن عنه الرئيس الروسي في مارس/آذار 2018.

 

ففضلا عن الطوربيدات الفائقة -سابقة الذكر- التي يجري اختبارها حاليا في البحار لحمل الرؤوس النووية، هناك الغواصة “بيلغورود” ذاتية القيادة التي وصفها الرئيس الروسي بأنه “لا يوجد شيء في العالم قادر على التصدي لها”. جاء الإعلان عن بيلغورود في يوليو/تموز من العام الفائت، عندما سُلِّمت الغواصة إلى البحرية الروسية في حفل مهيب لتعزيز الأسطول الشمالي الروسي، وذلك إبان الحرب الروسية – الأوكرانية، الأمر الذي أثار توترا في الغرب ونوبة قلق في البنتاغون، خاصة أن الغواصة كانت محملة بطوربيد نووي بحجم حافلة مدرسة.

 

يُطلق على بيلغورود لقب “وحش المحيطات”، فهي من أخطر وأكبر الغواصات النووية في العالم، وجرى تعديلها خصوصا لتكون قادرة على حمل طوربيدات بوسيدون، ليس طوربيدا واحدا ولكن 6 طوربيدات كاملة. لكنها في الوقت ذاته مصممة لتكون متعددة الاستخدامات، فإلى جانب استخدامها في العمليات القتالية، يمكن توظيفها أيضا في أغراض التجسس والعمليات الخاصة وعمليات الإنقاذ، وأيضا في عمليات استكشاف القطب الشمالي وإجراء الأبحاث العلمية المتنوعة.

 

صُمِّم بوسيدون وبيلغورود للوقوف في وجه أنظمة الدفاع الأميركية من الصواريخ الباليستية المنتشرة في أوروبا، التي طالما اشتكت روسيا من اختلال التوازن الإستراتيجي في المنطقة بسببها، ومن المرجح أن هذا النوع من التهديدات هو ما دفع البحرية الأميركية للاستجابة بإعادة تأسيس أسطولها الثاني المسؤول عن شمال المحيط الأطلسي بعد 7 سنوات من تفكيكه، لمواجهة تهديد الغواصات الروسية القادرة على استهداف العواصم الأوروبية من المحيط الأطلسي، وعلى رأسها بيلغورود.

 

“موجات تسونامي المشعة”

يُمثِّل كلٌّ من بيلغورود وبوسيدون تصعيدا للتهديد النووي الروسي ضد الغرب، خاصة إذا صدقت مزاعم وسائل الإعلام الروسية القائلة إن السلاح الجديد قادر على التسبب في موجات تسونامي عند استخدامه قبالة سواحل العدو. في هذا السياق، ادّعى المذيع الروسي الشهير ديمتري كيسليوف أن موسكو بإمكانها إغراق بريطانيا ومسحها عن الخرائط بضربة واحدة من طوربيد بوسيدون، مهددا إياها بـ”تسونامي نووي” يصل ارتفاع أمواجه إلى 500 متر من مياه البحر المشعة. تلك التهديدات أثارت قلق “الناتو”، خشية وصول “موجات تسونامي الروسية” إلى قلب العواصم الأوروبية، وما يمكن أن ينتج عنها من تلوث إشعاعي قادر على جعل مدن بأكملها غير صالحة للعيش.

 

القلق ذاته يُمكن رصده في الولايات المتحدة، إذ صرح كريستوفر فورد، مساعد وزير الخارجية الأميركية للأمن الدولي، قائلا إن السلاح الجديد قد صُمِّم خصوصا “لإغراق المدن الساحلية الأميركية بالموجات المشعة”، في حين أشارت المخابرات الأميركية إلى أنه في حال توجيه ضربة نووية أولى إلى موسكو، فسيأتي الرد عن طريق بوسيدون في هجمات انتقامية ثانية وثالثة. الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل يمكن للطوربيد الروسي أن يتسبب في تسونامي فعلا؟

 

بشكل عام، لا يختلف السلاح الجديد كثيرا عن أي سلاح نووي آخر، إذ يُعَدُّ اعتراض طوربيد نووي أو صاروخ باليستي عابر للقارات أمرا صعبا، ليست كل الدول مؤهلة للقيام به. لكن لأن بوسيدون يُمثِّل فئة جديدة من الأسلحة النووية، فهو سلاح لا يمكن ردعه عن طريق الدفاعات التقليدية، وبالتالي سيتعين على الغرب تطوير أسلحة جديدة مضادة للصواريخ من أجل اعتراضه.

 

رغم ذلك، شكَّك ثلاثة خبراء تحدثت إليهم “Euronews” في حقيقة قدرات الطوربيد الروسي الذي تزن حمولته 100 ميغا طن من الطاقة المتفجرة، قائلين إنه عملاق بشكل مبالغ فيه. الخبراء هم بافيل بودفيغ، الباحث في معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح (UNIDIR)، وسيدهارث كوشال، زميل باحث في الدفاع البحري والدفاع الصاروخي بالمملكة المتحدة، وديفيد هامبلينج، صحفي متخصص في الشؤون الدفاعية. وقد أشار الثلاثة إلى أن هذا الادعاء إن صح فسيكون بوسيدون أكبر رأس نووي على الإطلاق. في الوقت ذاته، صرح ديفيد هامبلينج أن تهديدات موسكو بمحو دول بأكملها عن طريق الطوربيد النووي ليست واقعية بأي حال.

 

فمثلا، سيحتاج عمل موجات تسونامي عن طريق الأسلحة النووية إلى قدر هائل من الطاقة، أكبر حتى مما يمكن الحصول عليه في انفجار نووي، الأمر الذي شبهه هامبلينج بتجارب الحرب الباردة المجنونة. بالطبع في حالة انفجار طوربيد نووي بالقرب من السواحل فسيكون ذلك قادرا على تدمير مدينة بأكملها، وكحالة الانفجارات النووية لن تكون المدينة صالحة للعيش لفترات طويلة من الزمن، لكن ما يُشاع عن التسبب في أضرار أبعد من ذلك مثل محو دولة كاملة كبريطانيا عن وجه الأرض، وفقا لهامبلينج، يُعَدُّ مبالغة لا صحة فيها.

 

يشير الصحفي المتخصص في شؤون الدفاع إلى أن انفجار بوسيدون الساحلي لن يضاهي الانفجارات التي تسببها القوة النووية الجوية. لكن التحدي الوحيد يكمن في التعامل مع المياه المشعة التي ستتبع ذلك، فمثل هذه الضربة قد تُلقي بسحابة إشعاعية كبيرة على سطح البحر من شأنها أن تسبب أضرارا تطول العديد من المدن والدول المجاورة.




اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post ارتفاع مؤشرات البورصة بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات محلية وأجنبية
Next post شرط الاتحاد الأوروبي لمساعدة تونس بـ 900 مليون يورو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading