مراسلو الجزيرة نت
طهران- “حضور طهران في حديقة واشنطن الخلفية”، تحت هذه اللافتة يثور الجدل حول جولة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، اليوم الأحد، في أميركا الجنوبية، وذلك بعد مضي نحو 4 أشهر على جولة مماثلة لوزير خارجيته.
وتتباين مواقف الأوساط الإيرانية حيال علاقات بلادهم مع دول أميركا اللاتينية؛ بين مرحب بنظرية تنامي الحضور الإيراني في الحديقة الخلفية لواشنطن، وآخرين يرون بأن هذه السياسة كلفت البلاد غاليا.
وفي سياق تغطيتها لزيارة رئيسي التي تشمل فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، ركزت وكالة “إرنا” الرسمية على أنه “لدى عدد كبير من دول أميركا اللاتينية وجهات نظر سياسية ودولية وثيقة ومشترکة مع الجمهورية الإسلامية”، مؤكدة أن الزيارة التي ستشهد التوقيع على وثائق لتوسيع التعاون الثنائي بين طهران والدول الثلاث، تأتي “استمرارا لسياسة تعزيز العلاقات مع الدول الصديقة ورفع مستوى التعاون الاقتصادي والسياسي والعلمي”.
وبالرغم من أن طهران لم تكشف حتى الآن تفاصيل الاتفاقيات المقرر توقيعها خلال أول زيارة يقوم بها رئيسي إلى أميركا اللاتينية منذ توليه مقاليد الحكم عام 2021، فإن وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان كان قد أكد عقب مباحثاته التي أجراها مع مسؤولي فنزويلا ونيكاراغوا في فبراير/شباط الماضي، أن بلاده تولي اهتماما كبيرا لتطوير علاقاتها مع دول أميركا اللاتينية، واصفا المواقف الإيرانية اللاتينية حيال القضايا الدولية بأنها صائبة.
مصالح اقتصادية
من جانبه، يقرأ الباحث السياسي الإيراني مختار حداد، الزيارة بأنها تأتي في سياق تطلعات طهران لتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع هذه الدول الصديقة، مؤكدا أن الجانب الاقتصادي يطغى على الأجندة التي يحملها الوفد الإيراني في جعبته.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الباحث الإيراني إلى أن عددا من دول أميركا اللاتينية تشاطر طهران سياستها المعارضة للولايات المتحدة، انطلاقا من “معاناتهما من التدخلات والغطرسة الأميركية”، على حد قوله، موضحا أن زيارة رئيسي تأتي في سياق تشكيل التحالفات الثنائية لمواجهة السياسات الأميركية.
ولدى إشارته إلى توقيع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، في يونيو/حزيران 2022، خطة للتعاون الشامل على مدى 20 عاما، يصف حداد التعاون الإستراتيجي بين بلاده وفنزويلا بأنه نموذج يحتذى به لتشكيل تحالفات مماثلة مع سائر دول أميركا اللاتينية.
الحديقة الخلفية
أما الباحث في الشؤون الدولية، سعيد شاوردي، فينظر إلى زيارة رئيسي في إطار الحضور الإيراني في “حديقة واشنطن الخلفية”، لموازنة حضور الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما حضورها العسكري في المياه الخليجية.
ويشرح شاوردي للجزيرة نت، أنه بعد نجاح أسطول بحرية الجيش الإيراني في الحضور بالمياه الإقليمية لدول أميركا اللاتينية على مقربة من المياه الأميركية، يقوم الرئيس الإيراني بزيارة إلى الدول الحليفة لتكريس هذا الحضور العسكري من جهة، والتنسيق من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية من جهة أخرى.
وتتمتع طهران بعلاقات قوية جدا مع الحكومات اليسارية في أميركا اللاتينية، وفق شاوردي الذي يعزو سبب ذلك إلى العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على هذه الدول، مؤكدا أن بلاده قامت باستثمارات كبيرة في أميركا اللاتينية، ولا سيما في مجال تدشين متاجر لبيع البضائع الإيرانية، وشراء حصص كبيرة من مصافي النفط وإمدادها بالبترول الإيراني.
وخلص الباحث الإيراني إلى أن بلاده تنتفع جراء العقود التي توقعها مع دول أميركا الجنوبية، خاصة في مجال تصنيع ناقلات النفط والزراعة العابرة للقارات، لمواجهة الجفاف داخل إيران وتدشين خطوط لإنتاج السيارات الإيرانية هناك، فضلا عن التنسيق السياسي في الأوساط الدولية.
بروباغندا سياسية
على النقيض من ذلك، تعتقد طائفة من المراقبين الإيرانيين أن العداء للولايات المتحدة والتوجه الأيديولوجي يطغيان على سياسة طهران الخارجية، ما كلف البلاد غاليا خلال أكثر من 4 عقود خلت.
وفي هذا السياق، يقارن أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران مهدي مطهر نيا، بين علاقات بلاده مع دول أميركا اللاتينية وتحالفات طهران مع الدول الآسيوية المعادية لواشنطن مثل الصين وروسيا، مضيفا أن وقوف إيران إلى جانب الدول الطامحة إلی تشكيل جبهة موحدة معادية لواشنطن يتناقض وشعار الثورة الإيرانية “لا شرقية ولا غربية” وأنه أضر بمصالح الشعب الإيراني.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد الأكاديمي الإيراني أن العزف على وتر العداء للولايات المتحدة يصب في صالح الأخيرة؛ إذ مكّنها من التوصل إلى إجماع دولي ضد طهران انطلاقا من التهديد الذي تمثله في إطار هذه التحالفات.
ووصف مهدي مطهر “الحضور الإيراني في باحة واشنطن الخلفية بأميركا الجنوبية” بأنه يضر بسمعة بلاده، ويشكل ذريعة للولايات المتحدة لتعزيز حضورها بالشرق الأوسط، لاحتواء ما تراه تهديدا ضد مصالحها الحيوية.
وختم الأكاديمي الإيراني بأن التقارير الإيرانية عن حضورها العسكري والاقتصادي في الفناء الخلفي للبيت الأميركي، يندرج في إطار عمليات البروباغندا السياسية، وذلك لأنه لا يمكن إبطال مفعول العقوبات الغربية دون الخروج من القائمة السوداء وإحياء الاتفاق النووي، مشيرا إلى أن بعض الدول الحليفة لطهران ليس لديها ما تقدمه للاقتصاد الإيراني أصلا، علی حد تعبيره.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.