أتى حريق اندلع في سوق ساروجة العريق فجر الأحد على منزل تراثي وسط العاصمة السورية دمشق يعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ19، وفق مصادر عديدة بينها المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا نظير عوض.
واندلعت النيران في منزل سكني بمنطقة ساروجة في وسط دمشق، التي كانت أول منطقة خارج السور الدمشقي العريق، وامتدت لتصل إلى بيت أثري يُعرف بأنه منزل عبد الرحمن باشا اليوسف، أمير محمل الحج الشامي في عهد السلطنة العثمانية.
الباشا والرئيس
وينحدر عبد الرحمن باشا اليوسف (1871-1920) لأُسرة كُردية جاءت من مدينة ديار بكر إلى دمشق، وكان نائب دمشق في “مجلس المبعوثان” – البرلمان العثماني، وعين لاحقا رئيسا لمجلس الشورى في نهاية عهد الملك فيصل الأول الهاشمي (ثالث أبناء شريف مكة الحسين ومؤسس المملكة السورية التي لم تدم طويلا)، وقُتل اليوسف خلال الأسابيع الأولى من الانتداب الفرنسي في سوريا عام 1920.
وأتت النيران التي أخمدت بعد ساعات على كامل منزل اليوسف، كما ألحقت أضرارا محدودة بمنزل الرئيس السوري السابق خالد العظم (1903- 1965) المحاذي له (الرئيس الـ11 بصفة مؤقتة للدولة السورية بين 4 أبريل/نيسان و16 سبتمبر/أيلول 1941) ورأس العظم حكومة بلاده 6 مرات وتولى منصبا وزاريا أكثر من 20 مرة قبل انقلاب حزب البعث على الرئيس ناظم القدسي عام 1963، حيث صودرت أملاكه ورحل إلى لبنان وعاش ظروفا مادية صعبة حتى وفاته خارج بلاده.
ولم يبق من منزل اليوسف سوى بضعة جدران فيما بدا أشبه بساحة ردم مليئة بالتراب والمفروشات المحترقة تتوسطها نافورة محترقة، فيما يواصل رجال الإطفاء عمليات التبريد في المنزل لتفادي حريق جديد.
وكان لليوسف دور مهم في الدبلوماسية العثمانية نهاية القرن التاسع عشر، خاصة في التقارب العثماني الألماني، وشارك في تنظيم استقبال القيصر الألماني غليوم الثاني خلال زيارته لدمشق عام 1898 حيث حل الإمبراطور ضيفا على قصره بسوق ساروجة، لكنه أقام في فندق دمشق وقصر ناظم باشا (1854-1927) على سفح جبل قاسيون.
أما في منزل العظم، فقد طالت النيران الجزء الجنوبي منه حيث بدت جدران متفحمة تماما، فيما سلم الجزء الأكبر من المنزل المبني على التراث العربي وتعبق ساحته بأشجار ليمون وأنواع مختلفة من الورد بينها الياسمين.
ولم تُعرف حتى الآن أسباب اندلاع الحريق على وجه اليقين.
وقال عوض لوكالة الصحافة الفرنسية “تكمن أهمية منزلي اليوسف والعظم المسجلين على لائحة التراث الوطني السوري في كونهما مرتبطين بالذاكرة السياسية والاجتماعية السورية”.
ويعود بناء المنزلين، وفق عوض، إلى الفترة الممتدة بين عامي 1820 و1850.
ويخضع بيت العظم، الذي يضم مركزا للوثائق التاريخية والأثرية من أرشيف الدولة خلال فترة الحكم العثماني للبلاد، لعميات ترميم نقلت خلالها كافة الوثائق التاريخية منه إلى المتحف الوطني بدمشق.
وتشهد العاصمة السورية بين الحين والآخر حرائق، ينقلها إعلام النظام السوري، تطال منازل أو أبنية وحتى أسواقا ويكون غالبا ناتجا عن “ماس” كهربائي.
وسجلت حرائق عدة في أسواق تراثية داخل دمشق القديمة خلال السنوات الماضية، أبرزها حريق كبير التهم جزءا كبيرا من سوق العصرونية في عام 2016، وآخر التهم محال تجارية في سوق الحميدية في العام الماضي.
غضب وحسرات
أثار الحريق غضبا عارما على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب أهمية المنطقة تاريخيا وعاطفيا لآلاف السوريين الذين غادروا دمشق منذ سنوات أو حتى من بقوا فيها.
وأشار مغردون سوريون إلى أن الحريق ليس بريئا، وقال الناقد والمترجم صبحي حديدي إنه لم تعد لدينا حاجة لنسج نظرية مؤامرة حول الحرائق التي تكاثرت في مناطق تاريخية وروحية عريقة من دمشق القديمة، وسط معطيات عن “مطامع إيرانية” في تلك المناطق، حسب وصفه.
لم تعد بريئة سلسلة الحرائق التي تكاثرت في مناطق تاريخية وروحية عريقة وفريدة من #دمشق القديمة، حول #الجامع_الأموي والآثار المملوكية والأيوبية و #سوق_ساروجة. لا حاجة لنسج نظرية مؤامرة، في ضوء معطيات صلبة عن مطامع إيرانية في هذه الأرجاء، العابقة بأنفاس #الشام الأعتق والأثمن #Syria pic.twitter.com/5iHlng6Vid
— Subhi Hadidi (@SubhiHadidi) July 16, 2023
وقال المؤرخ والمعماري ناصر رباط إن “حي ساروجة محكوم عليه منذ شق شارع الثورة في قلبه. لا مكان للبيوت التاريخية الكبيرة، خاصة التي اختفى أصحابها من دائرة التأثير مثل الأسر الكردية الدمشقية، في مخططات التطوير ومضاربات أراضي البناء. الحرائق المتكررة ليست أكثر من تحصيل حاصل”.
حي ساروجة محكوم عليه منذ شق شارع الثورة في قلبه. لامكان للبيوت التاريخية الكبيرة، خاصة التي اختفى اصحابها من دائرة التاثير مثل الأسر الكردية الدمشقية، في مخططات التطوير ومضاربات اراضي البناء. الحرائق المتكررة ليست اكثر من تحصيل حاصل، فالحي انتهى منذ أًُكل الثور الاحمر قبل ٥٠ سنة https://t.co/QEhWwqB6ak
— Nasser Rabbat (@nasserrabbat) July 18, 2023
وكتبت الشاعرة السورية المعروفة رنا القباني “لم يتركوا من تراثنا إلا الرماد، لأن لو فعلوا، لبان الفرق بيننا وبينهم”.
حُرق اهم قصر في #سوق_ساروجة البارحة, و هو بيت #اليوسف (الصورة لسقف من سقوف قاعاته). ابنة اختي ليلى حفيدة صغيرة ل #عبد_الرحمن_اليوسف، امير #الحج و #باشا من اكابر مدينتنا.
كانت تُدعى هذه المنطقة ‘#اسطنبول الصغيرة’ لفخامة بيوتها و الاهمية السياسية لعائلاتها في #الشام #العثمانية. pic.twitter.com/stJqNn7rAu— Rana Kabbani (@RanaKabbani54) July 16, 2023
ابنة اختي الدكتورة #ليلى_اليوسف، الحفيدة الصغيرة ل #عبد_الرحمن_باشا_اليوسف، الذي حرق قصره الفريد من نوعه ليلة البارحة في #سوق_ساروجة في #دمشق.
لم يتركوا من تراثنا الا الرماد، لأن لو فعلوا، لبان الفرق بيننا و بينهم.
فهم ليسوا الا تجار مخدرات و عكاريت و قطاع طرق و مجرمي حرب.#سوريا pic.twitter.com/yr6mBARY6V— Rana Kabbani (@RanaKabbani54) July 16, 2023
وأشار نشطاء للحرائق السابقة التي أتت على تراث سوري عريق مستنكرين ما اعتبروه “تدميرا ممنهجا” لمعالم المدينة التاريخية.
الحريق الذي جرى في حي ساروجة الدمشقي كالحرائق المثيلة السابقة،
التهم بيوتها وتاريخها وذاكرتها وملامح تمدنها . احترق بيت التراث الدمشقي
وقصر خالد بيك العظم
ومديرية المتاحف مبنى الوثائق التاريخية ،
وقصر أمير الحج عبد الرحمن باشا اليوسف وغيرهم ..
السواد غطى ساروجة وقلوبنا… pic.twitter.com/vsqgIb8DOk— Nora Joumblatt (@NJoumblatt) July 17, 2023
حريق #ساروجة في قلب #دمشق_القديمة ليس مجرد حريق عادي أو تقليدي كما يحدث في جميع الدول .. هذا الحريق في ظل المشروع الاحتلالي الإيراني والسيطرة على قرار الوطن ومقدراته .. هو حريق احتلالي يخدم أهدافا توسعية احتلالية منها مسح هوية #سوريا الثقافية والحضارية والإسلامية .. ومنها… pic.twitter.com/ZxS2iEYP49
— عمر | Omar (@Mushaweh) July 17, 2023
تدمير ممنهج لسورية ومحو لهويتها أرضاً وشعباً رجالاً ونساءً وأطفالاً ، شجراً وحجراً من تدمير الغوطة إلى إحراق نصف حي سوق ساروجة البارحة مع شوامخ معالمه وأهمها مركز الوثائق التاريخية وبه نصف تاريخ سورية (خمسة ملايين وثيقة) ومنزل عبد الرحمن باشا اليوسف أمير الحج في الدولة العثمانية. pic.twitter.com/NpDPQf3BIB
— أحمد معاذ الخطيب (@Mouaz_AlKhatib) July 16, 2023
المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع التواصل الاجتماعي
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.