دعم جديد من دون تأثير.. لماذا تتمسك الحكومة المصرية بـ”المشروع القومي للبتلو”؟ | سياسة


القاهرة- في الوقت الذي تعلن فيه وزارة الزراعة المصرية توفير اعتماد مالي جديد بنحو 236 مليون جنيه لـ352 مستفيدا من المشروع القومي للبتلو (اللحم الجاموسي)، الذي تعتبره الدولة أحد أهم مشروعاتها للأمن الغذائي، تساءل البعض عن جدوى استمرار دعم المشروع في ظل عدم تغييره أسعار اللحوم المرتفعة بمصر.

ووصل إجمالي ما تم تمويله للمشروع حتى الآن أكثر من 8 مليارات و40 مليون جنيه (الدولار يساوي رسميا 31 جنيها)، لنحو 42 ألفا و760 مستفيدا منذ إحيائه في عام 2017.

وتسجل أسعار بيع اللحوم للمستهلك المصري زيادة مطردة، ومؤخرا وصلت ما بين 250 و350 جنيها، وسط موجة تضخم مستمرة بلغت نسبتها حسب آخر الإحصاءات الرسمية 36.8% في يونيو/حزيران الماضي، مقابل 14.7% للشهر نفسه العام الماضي.

تأكيدات حكومية

ووفق بيان رسمي، أكد مصطفى الصياد، نائب وزير الزراعة للثروة الحيوانية والسمكية والداجنة، أن وزارته تعمل بجد على توفير جميع أوجه الرعاية البيطرية والصحية ودراسة أي مشكلات تواجه المستفيدين من المشروع القومي للبتلو على أرض الواقع والعمل على تذليلها في مهدها، عبر تكثيف المتابعات الميدانية.

ونفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء في وقت سابق فشل المشروع، مؤكدا أنه أسهم في زيادة رؤوس الماشية والألبان بالأسواق، وتخفيض معدلات الاستيراد والمحافظة على الثروة الحيوانية من الإهدار، وفق تصريحات رسمية، أواخر العام الماضي.

لكن في المقابل، يرى مسؤول سابق عن المشروع -في حديث للجزيرة نت- أن المشروع بات حاليا يشكل عبئا على الاقتصاد الوطني ويتطلب تعليقه من دون تقديم مزيد من القروض لفترة مقابل التركيز على الإنتاج السمكي والداجني.

حملة لحزب مستقبل وطن المقرب من الدولة لبيع لحوم منخفضة السعر بعد ارتفاع اسعارها - الصورة من الحساب الرسمي للحزب بالاقصر جنوبي البلاد
حملة لحزب “مستقبل وطن” لبيع لحوم منخفضة السعر بعد ارتفاع أسعارها (مواقع التواصل)

وقال المسؤول السابق -الذي طلب عدم نشر اسمه- “لا ألوم على زملائي الحاليين ما وصل إليه الحال، فالأوضاع تغيرت كثيرا، وما خططنا له يعرقله ارتفاع أسعار العلف، وعدم وجود سلالات قوية تعطي مردودا أكبر في اللحوم، وبالتالي فالاتجاه إلى التركيز على الإنتاج السمكي والداجني وإنتاج الألبان أفضل للاقتصاد المصري حاليا”.

واقترح على الحكومة تعليق المشروع لفترة قائلا: “نحن نحب مصر، وبالتالي النظر إلى العائد الاقتصادي يجب أن يكون أولوية، ولا يعيبنا تعليق المشروع لفترة من دون تقديم مزيد من القروض مع التركيز على البدائل القادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في البروتين كالدواجن والأسماك، والانشغال بتوفير سلالات عجول قادرة على إنتاج لحوم أكبر”.

وتعرض المشروع منذ الكشف عنه عام 1983 لتعثر متكرر، إلى أن أعادته حكومة رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري، بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، قبل أن يتوقف، ثم يُعاد تشغيله عام 2017.

تطبيق مجتزأ

من جانبه، يوضح عبد التواب بركات، الأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية بمصر ومستشار وزير التموين المصري الأسبق، في حديث خاص للجزيرة نت أن المشروع القومي للبتلو أظهر نجاحا في بدايته، ثم تراجع ولم يحقق زيادة إنتاج اللحوم ولا كبح الأسعار.

وأرجع بركات ذلك إلى ارتفاع نسبة الفائدة البنكية وزيادة تكاليف الأعلاف وانتشار مرض الحمى القلاعية وإغراق الأسواق باللحوم المستوردة والدواجن المجمدة وغياب الخدمات البيطرية الحكومية وغياب التسويق التعاوني، مما أدى لعدم نجاح المشروع في تحقيق أهدافه حتى الآن، بل تحقيق خسائر للمربين، وفشلهم في سداد القروض وتهديدهم بالسجن.

ويؤكد الأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية أنه لا بد من العودة إلى تنفيذ المشروع القومي للبتلو كاملا، بشكل غير مجتزأ وبمخطط يجعل مؤسسات الدولة داعمة للمربي، لا بنك تسليف بفوائد ترهق كاهله وإشراف غير فعال، وذلك عن طريق توفير العجول المحسنة للمربين وتوفير الأعلاف محليا، وخاصة كسب بذرة القطن، وتوفير الأدوية واللقاحات من دون تربح، مع شراء وزارة التموين لهذه العجول من المربين بعد تسمينها بأسعار تنصفهم وتناسب المستهلك.

الاستهلاك الإعلامي

في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أن العبرة في تقييم هذا المشروع بالأثر الاقتصادي الملموس، لا ببيانات الحكومة التي ثبت كثيرا أنها للاستهلاك الإعلامي المحلي، وفق رأيه.

ويضيف الصاوي -في حديثه للجزيرة نت- أن “هذا المشروع التهم من موازنة الدولة 8 مليارات وفق الأرقام المعلنة، ولم يقدم منذ عام 2017 المأمول منه في أسواق اللحوم والتأثير على أسعارها، وبالتالي فكل تمويل جديد له يمثل إرهاقا لميزانية الدولة”، مؤكدا أنه تكفي 6 سنوات لتقييم مدى جدواه اقتصاديا، خاصة أنه مشروع متعثر منذ بدايته.

ويعتقد الصاوي أن “مشروع البتلو” يحتاج إلى تصحيح مسار برؤية اقتصادية جديدة تقرأ سوق اللحوم جيدا، وتقدم حلولا عملية لصغار المربين والمستهلكين على السواء.

وفي السياق نفسه، يوضح أحد تجار المواشي للجزيرة نت أن “المبادرة الحكومية موجهة لصغار المربين والمستثمرين وتركز على البتلو (اللحم الجاموسي) فقط، بينما كبار المستثمرين هم أصحاب القرار في سوق اللحوم، ويعتمدون في بعض الأحيان على رأس مال عربي، ويحقق لهم البقر عائدا أكبر، وبالتالي فلن تحقق المبادرة هدفها المرجو من ضبط الأسعار ولا توفير اللحوم”.

وكان ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المنتمي لحزب الأكثرية البرلمانية (مستقبل وطن)، حمّل وزارة الزراعة -مايو/أيار الماضي- مسؤولية عدم تحقيق المشروع القومي للبتلو الهدف منه، وهو تخفيض الأسعار، موضحا أن مليارات الجنيهات صرفت على المشروع من دون جدوى، ولا بد من مراقبة ما تم صرفه، وفق تأكيده.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post ضحايا الزلزال.. قرار ألماني جديد يفاقم معاناة مئات العائلات التركية والسورية
Next post ذئب بهيئة إنسان يقتل الشباب باليمن.. من هو هذا الوحش؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading