القاهرةـ “دربك قريب من دربنا”.. كلمات لأغنية مصرية رددها إبراهيم هاشم الوافد السوداني الجديد إلى القاهرة بصوت مرهق وبعد رحلة هروب قاسية من القتال الدائر بين الأخوة في السودان.. فلم يترك هاشم فرصة للترحيب به من جانب مصريين قابلوه في منطقة “العتبة” بقلب القاهرة ليرد على تحيتهم بأغنية للمطرب المصري المعروف محمد منير.
أراد الوافد السوداني الجديد الذي تجاوز الـ50 من عمره بقليل أن يعبر عن عدم شعوره بالاغتراب في مصر، ويحد من شعوره بالقلق والإرهاق الشديدين من الرحلة الطويلة التي قطعها حتى وصل إلى العاصمة المصرية.
ووصف هاشم للجزيرة نت، رحلته من مدينة القضارف التي تبعد عن الخرطوم بنحو 400 كيلومتر إلى القاهرة بالقاسية للغاية، موضحا أن الرحلة التي كانت تتكلف 40 دولارا ووصلت هذه المرة إلى 800 دولار، لكنه قال بالعامية المصرية “المضطر يركب الصعب”.
ويشير هاشم إلى أن ارتباطه بمصر بدأ من خلال شقيقه الأصغر الذي يدرس في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر منذ 3 سنوات لكنه لم يكن يتخيل أن يترك تجارته التي أصابها ما أصاب السودان كله ليلحق بأخيه الأصغر عبد الرحيم.
وفي مؤشر على حجم الصعوبات التي تنتظر الوافدين الجدد يؤكد عبد الرحيم للجزيرة نت أنه يضطر للعمل ليلا في مركز لصيانة وتنظيف السيارات بمدينة نصر بالقاهرة لتوفير جزء من نفقات الدراسة والإقامة.
صعوبات متوقعة
في هذا السياق، توقعت السودانية المقيمة بمصر والتي تعمل لدى منظمة “تيري دي زوم” السويسرية لدعم المهاجرين فاطمة سليم أن الأمر سيزداد صعوبة خلال الفترة المقبلة، مشيرة إلى أن حجم الدعم الذي تقدمه المفوضية العليا للاجئين بالأمم المتحدة عبر مقرها في مدينة “6 أكتوبر” بمحافظة الجيزة المصرية ضعيف للغاية.
وتابعت “المفوضية تقدم دعما نقديا شهريا للفرد 450 جنيها شهريا فقط (15 دولارا)”، لافتة إلى أن السودانيين يتركزون في منطقة فيصل وأكتوبر بالجيزة وحدائق المعادي بالقاهرة ولا يفضلون الصعيد الذي يعاني كما تقول من مصاعب معيشية.
وتتحدث فاطمة عما تسميها مؤشرات للأزمات المقبلة، وتؤكد أن مستوى الإيجار الشهري لشقة سكنية متوسطة قفز خلال الأيام القليلة الماضية في منطقة “فيصل” من 5 إلى 9 آلاف جنيه مصري شهريا فضلا عن صعوبة الحصول على عمل في مجتمع يعاني من معدلات بطالة متزايدة، على حد تعبيرها.
وتتخوف فاطمة من اتجاه الحكومة المصرية لفرض رسوم إقامة على الأجانب المقيمين في مصر، مشيرة إلى أن هناك رسوما حالية على السودانيين زادت من 450 إلى 900 جنيه كل 6 أشهر، موضحة أن الأعداد الحالية للسودانيين بمصر تقترب من 5 ملايين، بينهم أعداد كبيرة غير مسجلة.
ويروي أحمد الناظر أحد الوافدين السودانيين الجدد إلى مصر الصعوبات التي واجهته خلال الرحلة من العاصمة الخرطوم إلى معبر “أرقين” الحدودي حيث نجح في الفرار بأسرته عبر أكثر من وسيلة مواصلات واستمرت الرحلة نحو يومين كاملين.
لكن المعاناة الكبرى كما يقول الناظر للجزيرة نت كانت في رحلة القطار من محافظة أسوان في جنوب مصر إلى القاهرة بسبب ما يصفه “بالتنمر” من جانب البعض، لافتا إلى أن أقرباء له في منطقة “ميت عقبة” بالجيزة سيساعدونه حتى يحصل على عمل في أحد محال قطع غيار السيارات التي كان يعمل بها قرب الخرطوم قبل أن يندلع القتال.
ساعات الانتظار
ويحكي الوافد السوداني الجديد الطيب الأزرق للجزيرة نت عن انتظار امتد لعشرات الساعات كما يقول عند معبر “أرقين” وينفي وجود أي دعم أو مساعدة من الجانب السوداني “بسبب العدد الكبير للمغادرين” وفي غياب أي تنسيق حكومي بين الجانبين أو حتى من المنظمات الدولية.
وفيما يتعلق بالدخول دون تأشيرة يقول هارون محمد إن هذا الأمر يقتصر فقط على من هم فوق سن الـ50 ودون الـ18 عاما ويشير إلى أن هناك مشاكل متزايدة تخص آلاف السودانيين العالقين على الحدود بسبب ضياع جوازات سفرهم وأوراقهم الثبوتية في رحلة الهروب من القتال.
من جهة ثانية، كشف مسؤول بالمفوضية العليا للاجئين في مصر (رفض الكشف عن اسمه) للجزيرة نت عن حالات نزوح وعبور قال إنها كبيرة وتقدر بالآلاف بعيدا عن المنافذ الرسمية، موضحا أن العديد من هذه الحالات بدأ يتوافد على مقر المفوضية للتسجيل والحصول على الدعم.
وحسب آخر بيان لوزارة الخارجية المصرية فقد بلغ عدد الوافدين عبر معبري “أرقين” و”قسطل” 16 ألف شخص بينهم 14 ألفا من السودانيين وألفا نازح من جنسيات مختلفة، وتعهد بيان الخارجية المصرية بتوفير كل الدعم والمساندة الإنسانية للنازحين.
قوافل السودانيين تتوافد نحو #معبر_أرقين البري مع #مصر؛ هربا من المعارك المحتدمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع pic.twitter.com/O7tPM7kLNd
— شبكة رصد (@RassdNewsN) April 26, 2023
تكاتف شعبي ومخاوف
وفي هذا الإطار يدعو مدير مركز الجنوب للحريات والحقوق المصري وجدي عبد الحميد إلى التكاتف الشعبي وعدم انتظار التحرك الحكومي.
وقال عبد الحميد للجزيرة نت إن هناك أكثر من رابطة شعبية مصرية يجري تشكيلها للتنسيق بشأن دعم السودانيين لكنه يشير إلى ما سماها تدخلات أمنية “سخيفة” واشتراطات تعرقل عمل منظمات المجتمع المدني، كما يضيف أن المنظمات الدولية الكبرى تتعرض لمضايقات فضلا عن كونها تعمل في إطار ميزانية دعم محدود وضئيلة للغاية.
كما ظهرت مبادرات من شركات الاتصالات أتاحت مجانية المكالمات وخدمة التجوال لمدة 3 أيام بالتزامن مع تأكيدات ووعود حكومية رسمية بتسهيل العبور والانتقالات الداخلية.
يقول علي أحمد، وهو مصري يعيش في أسوان، إن الكثيرين من أهالي المدينة فتحوا بيوتهم والجميع يتسابق على الضيافة الكاملة المجانية لكنه يشير إلى أن الأشقاء السودانيين يصرون على دفع ثمن إقامتهم خاصة للفنادق أو نصف الثمن على الأقل “حتى لا يصبحوا عبئا على المصريين”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.