اتفق محللون وخبراء استطلع برنامج “ما وراء الخبر” آراءهم بشأن مبادرة الجزائر لحل أزمة النيجر، على اعتبارها “أرضية مناسبة” للبناء عليها والتوصل لحل دبلوماسي يجنب المنطقة تداعيات التدخل العسكري.
لكنهم رأوا أن الفترة الانتقالية المقترحة ضمن تفاصيل تلك المبادرة أقل مما يمكّن من معالجة القضايا الضرورية والعودة إلى حكم مدني دستوري في البلاد، ذاهبين إلى أن تلك المبادرة “مرنة” وتفتح المجال لتوافق مختلف الأطراف على رؤية مناسبة لحل دبلوماسي.
وجاءت هذه الآراء خلال الحلقة التي خصصها برنامج “ما وراء الخبر” بتاريخ (2023/8/29) لإعلان الجزائر تقديمها مبادرة لحل الأزمة في النيجر، تتكون من 6 محاور وتقوم على فترة انتقالية مدتها 6 أشهر، تقودها شخصية مدنية متوافق عليها لإنجاز ترتيبات يشارك فيها الجميع.
وكان قادة الانقلاب في النيجر قد أبقوا على حالة التأهب في صفوف القوات المسلحة، في وقت حذرت فيه باريس بعد انتهاء مهلة طرد سفيرها في نيامي مما سمته طريق الكارثة المؤكدة في النيجر، وخطر الانهيار الأمني في غربي أفريقيا.
وتساءلت حلقة “ما وراء الخبر” عن أبرز عناصر المبادرة الجزائرية، ومدى نجاحها في توفير حل وسط يلبي مطالب الأطراف المعنية بالأزمة، ودلالة إبقاء قادة الانقلاب حالة التأهب القصوى في صفوف الجيش بموازاة استمرار تصعيدهم ضد باريس، ومدى دقة تحذيرات فرنسا من احتمال حدوث انهيار أمني في غربي أفريقيا.
مرنة ومنفتحة
وفي حديثه لما وراء الخبر، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف الدكتور حسني عبيدي أن المبادرة الجزائرية مرنة وقابلة للتحسين والإثراء حتى تكون منفتحة على جميع الأطراف، ونجحت في إعادة دينامية الدبلوماسية والتفاوضية، لافتا إلى أنها تتميز بمحافظتها على مبدأ أساسي هو عدم الاعتراف بالانقلاب العسكري.
واعتبر خفض المدة الانتقالية يساعد على تقليل فترة بقاء العسكريين في السلطة، ويمكن اعتباره حدا أدنى يبدأ بترك العسكر للسلطة، بخلاف ما طرحه الانقلابيون بأن تكون 3 سنوات، لكن الوصول إلى انتقال سلمي لحكم مدني يتطلب وقتا أكثر، على حد تقديره.
وفي هذا السياق، يرى عبيدي أنه من الصعب إجراء حوار وطني موسع يشارك فيه كل الأطراف في هذا الأمد القصير، كما يرى أن قوة المبادرة في قطعها الطريق أمام شرعية التدخل العسكري، لافتا إلى ضرورة أن يكون هناك قبول من العسكريين لها حتى ولو من حيث المبدأ.
واعتبر أستاذ العلاقات الدولية أن الموقف الفرنسي في وضع صعب، حيث يرى الداخل أن باريس فقدت أغلب مناطق نفوذها في أفريقيا، وهناك خيبة أمل تجاه المواقف الغربية بشأن تطورات الأزمة، مما دفع فرنسا لتصعيد اللهجة واعتماد خطاب مجحف بحق النيجر والساحل.
مغامرة صعبة
في حين يبرر الأكاديمي والمحلل السياسي النيجري الدكتور علي يعقوب إبقاء قادة الانقلاب حالة التأهب بين القوات المسلحة بأنه لم تصدر بعد ردود تجاه مبادرة الجزائر التي طُرحت قبل ساعات، ومن ثم فمن الصعب المغامرة بترك الميدان والحذر.
ويرى، في حديثه لما وراء الخبر، أن المبادرة الجزائرية يمكن البناء عليها، لكن يصعب قبول الفترة الانتقالية المذكورة فيها، حيث يرى أن ما تحتاجه البلاد من إصلاحات يتطلب فترة من عام ونصف العام إلى عامين، ومن ثم لا يتوقع يعقوب أن يقبل المجلس العسكري ولا الشعب النيجري تلك المدة.
واعتبر المحلل السياسي النيجري تحذير باريس من “كارثة مؤكدة” في النيجر ليس أكثر من دعاية إعلامية تسعى من خلالها لإثارة المخاوف الدولية بعد أن وجدت أن الأمر ينفلت من يديها، نافيا أن تحل بالنيجر كارثة على كل الأحوال.
مبادرة “حميدة”
بدوره، وصف بول إيجيمي، مسؤول الدراسات الإستراتيجية السابق في “إيكواس”، مبادرة الجزائر بـ”الحميدة”، معتبرا أنها جاءت في وقت ملائم للتخفيف من التوترات الحاصلة، موضحا أن على جميع الأطراف الداخلية والخارجية الاستماع إليها.
وأفاد، في حديثه لما وراء الخبر، بأن الجزائر، المجاورة للنيجر، قامت بدور مؤثر في مختلف المستجدات والتطورات في الساحل، وطرحها للمبادرة سيفتح الباب أمام تسهيل طريق الحل الدبلوماسي، مطالبا جميع الأطراف باستغلال هذه الفرصة.
لكنه استدرك بالقول “لنكن واقعيين، 6 أشهر بماذا ستفيد؟.. هل يمكن أن يقام خلالها انتخابات أم ستكون تعيين لشخص آخر؟”، ذاهبا إلى أن الفترة الانتقالية المناسبة والمقبولة يمكن أن تكون ما بين عام، وعام ونصف العام.
وأبدى إيجيمي تفهمه لموقف باريس المتشدد بشأن رفضها مغادرة السفير الفرنسي النيجر، لأنه في تلك الحالة سيكون من الصعب إعادة العلاقات الدبلوماسية في أمد قريب.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.