“تناول الطعام ليلا لا يزيد الوزن”، تحت هذا العنوان راحت منشورات لأطباء تغذية ومدربي لياقة بدنية تتحدث عما وصفوه بـ”الأساطير” و”الأفكار المغلوطة” بشأن تناول الطعام في وقت متأخّر من المساء.
وأكد هؤلاء في منشوراتهم أن عادة الأكل ليلا غير مؤذية، بخلاف الشائع، وأن المسألة تتعلق بكمية السعرات الحرارية التي تدخل الجسم، وأنها ما دامت مضبوطة فلا فارق يذكر بين تناول الطعام في الليل أو النهار.
وهكذا، ينبعث الجدل بين فريقين: الأول يرى أن تناول الطعام ليلا “كارثة صحية”، والآخر يراه “أمرا لا مشكلة فيه”.
لماذا نحب تناول الطعام ليلا؟
حين ينام الجميع، تقوم دينا عبد العظيم (25 عاما) إلى الثلاجة، لتبدأ المهمة اللذيذة جدا. تقول “كنت أستيقظ بعد منتصف الليل، أشعر بالملل والحزن. أتجه إلى الثلاجة، أفتحها لأتناول كنافة نابلسية، أو حلوى المولد النبوي مثلا، لأغيب في عالم من السعادة العامرة بالسكر”.
وتستطرد قائلة “لكنني أفيق على ذلك الشعور بالكتمة، كأن جبلا صار فوق قلبي فجأة، فأنسى كل شيء ولا أفكر إلا في الطريقة التي سوف أنام بها من دون أن تهاجمني الكوابيس”.
دينا واحدة من ملايين الذين يستسلمون لتناول الطعام في وقت متأخر، من دون أن يتنبّهوا إلى ما يعنيه ذلك في الواقع، إذ تتكفل بعض الأسباب بتحويل تلك العادة الليلية إلى إدمان يصعب الإقلاع عنه. ومن بين تلك الأسباب:
- عدم تناول ما يكفي من الطعام طوال اليوم، مما يؤدي إلى تناوله بشكل مفرط في الليل جراء الجوع، فيتم اعتياد الأمر يوما بعد يوم.
- الشعور بالملل والأرق.
- أن تكون مصابا بواحدة من اضطرابات الطعام، مثل النهم أو متلازمة الأكل الليلي، فتلجأ إلى الطعام لكبح مشاعر الحزن أو الغضب أو الاحباط. ويكون تناول الطعام في تلك الحالة حيلة نفسية، وليس بسبب الجوع، مما يقود بالضرورة إلى السمنة والاكتئاب وصعوبة النوم.
تقول دينا “ينحصر تفكيري عقب وجبة ليلية دسمة، كل مرة، في تخمين أي الأجزاء سوف تستقبل كل تلك السعرات الزائدة، البطن السفلية، أم الأفخاذ أم غير ذلك. ثم يساورني القلق سريعا بشأن الطريقة التي سوف أحتاجها لنسف تلك الدهون المتراكمة، فيزداد شعوري بالكآبة”.
هل يزيد تناول الطعام ليلا الوزن؟
تروي دعاء عبد العظيم قصتها مع متلازمة الأكل ليلا، فتقول “لا أعلم كثيرا عن الأمر من الناحية العلمية، لكن الأكيد أنني كلما تناولت الطعام ليلا ساءت حال الدهون في البطن السفلية لدي، والتي أعاني منها كثيرا، مع مقاومة للأنسولين”.
وتشرح “حين أستسلم لذلك الطعم المغري عقب منتصف الليل، ينتهي الأمر وقد تناولت بضعة أرغفة، وقمت بالتحلية مرات عدة، قبل أن أسارع إلى تناول مُهَضّم، وهو فاتح للشهية في الوقت ذاته، لأستيقظ في الصباح منهكة ومرهقة، مع بطن أكبر”.
عرف العالم للمرة الأولى “متلازمة الأكل ليلا” عام 1955، بحيث يتناول المصابون بها 25% من طعامهم اليومي بعد وجبة العشاء.
وعلى الرغم من استناد مؤيدي فكرة عدم وجود علاقة بين الأكل ليلا وزيادة الوزن إلى أن السعرات المتناولة ليلا تقع ضمن السعرات المسموح بها، وبالتالي فإنها لن تضر، فإن دراسة كشفت أن المسألة لا تتعلق بزيادة الوزن بشكل مباشر، بل بما هو أبعد وأكثر تعقيدا، إذ يعتمد الأمر على عوامل عدة، مثل: كيفية تنظيم الجسم الوزن، وعدد السعرات الحرارية التي يحرقها، ومستويات الجوع، والطريقة التي يختزن بها الدهون.
وأظهرت دراسة عام 2020 وجود صلة بين توقيت تناول الوجبات وزيادة الوزن، وأكدت أن الأكل في وقت متأخر مرتبط بزيادة أخطار السمنة، وزيادة الدهون في الجسم، وتراجع القدرة على إنقاص الوزن، حتى مع تحديد وتقليل سعراته الحرارية.
ما العلاقة بين الأكل في وقت متأخر وبين القلق والاكتئاب؟
تكفّلت البحوث العلمية بإيجاد علاقة بين الأكل ليلا وبين السمنة، لكن هل يمكن أن يكون لذلك الفعل -سواء كان عادة أو اضطرابا- أثر على الحالة النفسية على مدار اليوم؟
كشفت دراسة علمية نُشرت في سبتمبر/أيلول الماضي، وجود علاقة بين توقيت تناول الطعام والتأثيرات المزاجية المحتملة التي ارتبطت باختلال الساعة البيولوجية الداخلية. واختارت الدراسة بعض الفئات التي تضطرها ظروف عملها إلى تناول الطعام ليلا، ليتبيّن أن تناول الطعام ليلا ساهم في زيادة القلق بنسبة 16% والاكتئاب بنسبة 26%.
ولعل هذا ما دفع القائمين على الدراسة إلى اقتراح ضبط الساعة البيولوجية، ضمن خطط فقدان الوزن، من أجل صحة عقلية جيدة وخسارة وزن بشكل أفضل، وأن يتم حساب توقيت الوجبة كجانب مهم من جوانب التغذية.
هل يجب حقا التوقف عن الأكل ليلا؟
لم تكن مها طه من هواة الأكل في وقت متأخّر من المساء، حتى أنجبت طفلها الأول. تقول “صار تناول الطعام ليلا أمرا طبيعيا، مما فاقم مشكلة الوزن لدي. لذا، حين أردت اتباع نظام غذائي لفقدان الوزن، كان أول ما قمت بتغييره هو تناول الطعام ليلا”.
وتضيف “بداية، لم يكن الأمر سهلا، خصوصا أنني كنتُ أعاني نهما عاطفيا، لكن النتائج كانت محفّزة، إذ لم أفقد وزني الزائد وحسب، بل صارت حالة قولوني أفضل، فتوقفت آلام المعدة الصباحية، وتراجعت نوبات النهم العاطفي التي كانت تدفعني إلى تناول الطعام ليلا”.
هنا، يُطرح السؤال: هل يجب اتخاذ القرار بالتوقف عن تناول الطعام ليلا؟
تبدو الإجابة عن السؤال بـ”نعم” صائبة، إن لم يكن بسبب الأرقام المفزعة المتعلقة بـ”السمنة” حول العالم، فبسبب الآثار النفسية والبدنية المترتبة عليه. وينصح الخبراء بالتوقف عن تلك العادة باتباع خطوات، أهمها:
- حدد السبب الذي يدفعك إلى تناول الطعام ليلا، هل هو نهم عاطفي، أم نهار مرهق، أم شعور بالممل، أم أسباب أخرى؟
- غيّر روتين يومك بحيث تأكل ما يكفيك وقت النهار.
- احصل على نوم جيد من أجل إدارة الشهية والوزن.
- اطلب الدعم العاطفي والنفسي إن كنت بحاجة إلى ذلك.
- تخلّص من الأمور التي تجعلك تشعر بالتوتر والقلق، ومن ثم تدفعك إلى تناول الطعام.
- استخدم تقنيات الاسترخاء مثل تمارين التنفس، والتأمل، والحمام الساخن، واليوغا.
- احصل على كميات كافية من البروتين مع كل وجبة لتحقيق شبع أكبر.
- احتفظ بوجبات خفيفة صحية تلجأ إليها عند الضرورة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.