القاهرة- يلقي العدوان الإسرائيلي المتجدد على قطاع غزة بظلال من القلق والارتباك على الموقف المصري الذي عاد إلى سيناريوهات التهدئة “المكررة”، لكن هذه المرة على وقع غضب مكتوم وتوتر غير معلن في العلاقات بسبب ما أشار إليه مصدر دبلوماسي مصري من “تجاهل متعمد من تل أبيب” لضرورات الأمن القومي.
وقال المصدر -الذي اشترط عدم الكشف عن هويته- للجزيرة نت إن اشتعال حدود مصر مع قطاع غزة المحاصر يتزامن مع الوضع المضطرب على الحدود الجنوبية مع السودان، بسبب تفجر الوضع هناك وعبور موجات من النازحين باتجاه القاهرة.
وتوقع المصدر أن يعاني الموقف المصري مزيدا من الارتباك هذه المرة مشيرا إلى أن القاهرة فتحت قنوات اتصال إضافية مع كل من غزة وتل أبيب للوصول إلى التهدئة.
كما عبر مصدر دبلوماسي آخر للجزيرة نت عن تشاؤمه بشأن احتمال نجاح جهود التهدئة المصرية، وأشار إلى أن العملية الإسرائيلية التي تحمل اسم “السهم الواقي” تأتي هذه المرة انعكاسا لأزمات داخلية يجري تصديرها للخارج، من دون أي اعتبار لأي من الشركاء الإقليميين ومن بينهم القاهرة.
هل جمدت القاهرة وساطتها؟
في هذا السياق، نفى المصدر تجميد القاهرة لجهود الوساطة كما نفى علم مصر بالاغتيالات والغارات قبل تنفيذها، مشيرا إلى أن إسرائيل أبلغت القاهرة بالفعل بالعمليات “لكن بعد حصولها بدقائق”.
واكتفى بالقول إن التصعيد الإسرائيلي يقوض من جهود تحقيق التهدئة وخفض التوتر في إطار ما تم التوصل إليه من تفاهمات في اجتماعي شرم الشيخ والعقبة قبل شهر رمضان بهدف تهيئة المناخ الملائم لإعادة تحريك مسار عملية السلام.
وكشف المصدر عن أن تدخل مصر كوسيط للتهدئة يتم في الأساس عن طريق جهاز المخابرات وليس عن طريق وزارة الخارجية التي يأتي دورها لاحقا، على حد تعبيره.
ولم تعلن القاهرة خلال الفترة الماضية أي رد فعل بشكل رسمي على ما يثار عن توتر في العلاقات مع تل أبيب، لكن مصادر في وزارة الخارجية كشفت للجزيرة نت عن أن مصر تتعامل مع حكومة برأسين في إسرائيل “واحدة يقودها اليمين المتطرف، والثانية تحاول تقديم نفسها للعالم كواحة للديمقراطية والأمن والأمان في الشرق الأوسط”.
وفي بيان رسمي، دانت وزارة الخارجية المصرية الغارات الإسرائيلية على غزة كما دانت اقتحام مجموعة من المستوطنين المسجد الأقصى صباح اليوم الثلاثاء، وطالبت بوقف هجمات المستوطنين التي تتم في الضفة الغربية والقدس المحتلة تحت حماية القوات الإسرائيلية، بالإضافة إلى استمرار الاقتحامات للمدن وآخرها نابلس.
وذكر بيان الخارجية المصرية أن الإجراءات الإسرائيلية والتصعيد المستمر “يتنافى مع قواعد القانون الدولي وأحكام الشرعية الدولية، ويؤجج الوضع بشكل قد يخرج عن السيطرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
هل تراجع الدور المصري؟
ويربط مراقبون للوضع في غزة بين تصاعد العمليات وما يسمونه تراجعا للدور المصري في الآونة الأخيرة.
ويعتبر الباحث بمركز دراسات الأهرام علي حافظ أن إعلان بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إبلاغ القاهرة بالضربات الأخيرة “هو محاولة لتوريطها وإظهار عجزها عن التحرك”.
كما يذهب حافظ إلى القول بأن إسرائيل تستغل انكفاء مصر على مشاكلها الداخلية، وتسعى هذه المرة للوصول بالعدوان على غزة إلى مراحل جديدة غير مسبوقة.
من جهته، يشير المحلل بمركز دراسات وادي النيل عمر حسين إلى أن إسرائيل تريد حصر جهود الوساطة المصرية في الضغط على الفصائل الفلسطينية لمنعها من الرد على اعتداءات الاحتلال.
وفي الاتجاه نفسه، يرى الصحفي المتخصص في الشؤون العربية شحاتة المصري أن مصر لا تمتلك حاليا كثيرا من أوراق الضغط، سواء على إسرائيل أو حتى على الإدارة الأميركية.
السهم الإسرائيلي ووساطة القاهرة
واعتبر المصري كذلك أن العملية الإسرائيلية الأخيرة التي تحمل اسم “السهم الواقي” أصابت جهود الوساطة المصرية “في مقتل” وضربت مصداقيتها لفترات طويلة.
من جهة ثانية، تحدثت الباحثة زهرة محمد للجزيرة نت عما تسميها محاولات متعمدة لإشعال النيران حول مصر من كل اتجاه، خاصة مع قطاع غزة فضلا عن جهة الجنوب مع السودان وجهة الغرب مع ليبيا.
ورفضت الباحثة المصرية المقربة من الحكومة القول بأن مصر ومخابراتها في حالة ترهل وضعف، لكنها اعترفت بأن التحديات كبيرة من مختلف الجهات وتوقعت أن تنجح الإدارة المصرية في وضع ما تسميها الخطوط الحمراء اللازمة للحفاظ على أمنها القومي.
وأشارت زهرة محمد إلى أن وفدا حكوميا كان في غزة قبل أيام لمتابعة إدخال سيارات حديثة إلى القطاع المحاصر من جهة إسرائيل، ونفت أي توجه رسمي لتشديد الحصار على أهل غزة. وأضافت أن “هذه مسألة أمن قومي بالنسبة لمصر”.
وكانت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي قالت اليوم الثلاثاء أن إسرائيل أبلغت مصر بإطلاق عملية عسكرية في قطاع غزة، و”أن الرسالة وصلت مصر بعد دقائق من الضربة الجوية الأولى على غزة”.
توتر غير معلن
ويرصد المراقبون توترا غير معلن في العلاقات المصرية الإسرائيلية كشف عنه وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس مؤخرا، حينما تحدث عما سماها “فجوة في العلاقات” مشيرا إلى أن مسؤولين من جهاز الأمن الداخلي الإٍسرائيلي (الشاباك) قاموا بعدة زيارات للقاهرة التقوا خلالها رئيس المخابرات المصرية عباس كامل.
وقال غانتس لهيئة البث الإسرائيلية إن العلاقات المصرية الإسرائيلية تمر بالفعل بأزمة على خلفية التوتر المستمر في قطاع غزة، وقال أيضا إن “مصر تعتبر أكبر الأصدقاء لإسرائيل، وتلعب دورا محوريا في المنطقة”، وأضاف أن “الطرفين سيجدان طريقة لإعادة الاستقرار”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.