بحلول اليوم الأربعاء، الخامس من يوليو/تموز، يكمل محمود حسن شهرين في القاهرة التي وصل إليها فرارا من الحرب الضارية في نواحي العاصمة السودانية الخرطوم منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
واتخذ حسن من “حي فيصل” الشهير بمحافظة الجيزة سكنا، أسوة بآلاف السودانيين الذين اختاروا المكان ذاته للإقامة، لكن الرجل وأسرته قرروا مغادرته بسبب ارتفاع تكلفة السكن التي بلغت 20 ألف جنيه مصري شهريا، بما يعادل نحو 550 دولار.
يقول حسن للجزيرة نت، إنه عندما وصل برفقة أسرته المكونة من 6 أفراد وجد صعوبة في الحصول على مسكن بسبب مغالاة الوسطاء وأصحاب الشقق، ولكنه اضطر في نهاية الأمر إلى استئجار شقة بهذا المبلغ الكبير، ليكتشف لاحقا أنه وقع في فخ السماسرة ودفع مبلغا باهظا، وأن بإمكانه استئجار مسكن بثلث هذا المبلغ.
وعن أوضاعه خلال الشهرين الماضيين، يقول حسن إنه لا يزال يعيش على ما تبقى من أموال على وشك النفاد، مشيرا إلى أنه قرر بدء رحلة البحث عن عمل، خاصة أن الأوضاع في الخرطوم لا تبشر بنهاية قريبة للمعارك.
لم يملكوا الخيار
وتمثّل قصة الرجل وأسرته واحدة من آلاف الحكايات التي يعيشها السودانيون في مصر، حيث فوجئوا بعد وصولهم أيام القتال الأولى بأسعار باهظة للإيجارات، وهم الذين صرفوا مدخرات كبيرة لتأمين خروج عاجل دفعوا خلاله أثمان تذاكر السفر من الخرطوم للقاهرة التي وصلت حينها إلى ما يزيد على 400 دولار للشخص الواحد.
وتروي السودانية نادية علي للجزيرة نت، كيف أنها اضطرت لبيع مصوغاتها الذهبية بثمن بخس أمام حافلة النقل التي ستقلّهم إلى القاهرة، بعد أن رفع أصحاب وسائل النقل أسعار التذاكر ولم يتركوا لهم خيارا في ظل تصاعد أصوات القصف والرصاص حولهم.
وتتحدث الشابة الثلاثينية التي غادرت الخرطوم مع طفليها وعدد من أفراد عائلتها بعد أسبوعين من القتال الضاري في ضاحية “جبرة”، عن وصولهم إلى القاهرة بعد معاناة ورحلة شاقة ليكتشفوا لاحقا أن المبلغ الذي دفعوه للسكن في منطقة المهندسين كان “خرافيا” مقارنة بالمعتاد.
وتحكي أن الوسيط طلب فور وصولهم ما يعادل 800 دولار في الشهر كأجرة لمسكن متواضع للغاية، واشترط دفع شهرين مقدما مع مبلغ آخر كتأمين، وهو ما اضطرهم حاليا للبحث عن خيارات أخرى بعد تناقص مدخراتهم بشكل كبير.
كما واجهت ابتسام حسن المصير ذاته عند بداية وصولها إلى مصر قبل نحو شهر، باستئجارها سكنا مرتفع السعر واضطرت لإخلائه سريعا، ثم اللجوء لشقة غير مفروشة بنحو 3 آلاف ونصف جنيه مصري (بما يعادل 100 دولار)، وتقول إنها ستعمل على تأثيثها تدريجيا.
الوجهة الأولى
ومنذ منتصف أبريل/نيسان الماضي حين نشبت الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، كانت مصر الوجهة الأولى للسودانيين الفارين من جحيمها لاعتبارات عديدة، من بينها القرب الجغرافي وسهولة وصولها برا مع إغلاق المجال الجوي، فكانت الخيار الأفضل والمتاح لغالبية الأسر المقتدرة ماليا.
غير أن تفاقم الأوضاع الأمنية بالخرطوم دفع غالبية الفارين للمغادرة إلى مصر دون تخطيط سليم لما يمكن أن يكون عليه المستقبل، بعد أن خرج عدد كبير منهم تاركين أموالهم ومقتنياتهم الثمينة بأمل انتهاء القتال قريبا. إلا أن الواقع خالف التوقعات مع انحدار الأوضاع في العاصمة الخرطوم للأسوأ بعد نحو 3 أشهر من القتال الشرس.
ولجأت بعض الأسر التي استعصى عليها مواصلة دفع مبالغ طائلة إلى مشاركة السكن مع أسر أخرى وتقاسم الأجرة، وهو الأمر الذي بات يشكو منه بعض المصريين، حيث تتعالى أصوات في وسائل التواصل الاجتماعي لإبعاد السودانيين والتذمر من وجودهم الكثيف و”إزعاجهم” للأسر المجاورة.
ويروي السوداني كمال مصطفى للجزيرة نت معاناته مع مصريين طالبوه بالمغادرة بعد أن استقر بمدينة “نصر” بمعية زوجته وأبنائه الأربعة وانضم إليه شقيقه بعد سوء الأحوال الأمنية في ضاحية “الفتيحاب” بأم درمان التي يقطنها، وقررا تقاسم السكن.
وما إن وصل الشقيق مع أسرته، حتى أبدى سكان البناية انزعاجهم من الحركة الدؤوبة للأطفال، ولم يمر وقت طويل حتى طالبوهم بالرحيل.
العودة للسودان
ويدفع سوء الأحوال المادية بعشرات الأسر المتعسّرة للتفكير في العودة إلى السودان رغم التردي الأمني وعدم وجود مؤشر لنهاية القتال قريبا.
وبالفعل غادرت أسرة محمد عبد الله خلال عطلة عيد الأضحى، كما يقول أحد أقربائه للجزيرة نت، بعد أن أخفق في توفير أي مبلغ يعينه على الحياة في مصر. وسيتجه عبد الله وأسرته المكونة من زوجته وشقيقتيه و3 أطفال، إلى ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم لحين هدوء الأوضاع والتمكن من العودة لمسكنهم في الخرطوم بحري.
مشاريع ومبادرات
في المقابل، انخرط عدد من السودانيين في مشروعات صغيرة لمواجهة كلفة المعيشة العالية في القاهرة. وتبرز هنا قصة زينب إبراهيم التي استأجرت فور وصولها القاهرة محلا تجاريا قرب مسكنها وخصصته لبيع الأطعمة الشعبية السودانية حيث يلاقي رواجا كبيرا.
ولا تسهم المبادرات الشعبية أو الخيرية في تخفيف وطأة المعيشة على السودانيين. وتبدو تحركاتها محدودة للغاية وغير ظاهرة للعيان، من بينها مبادرة “شغّلني” التي خصصت بعض وظائفها للسودانيين، في حين لم تتضمن المبادرات الأخرى سوى مساعدات طبية وإنسانية للمتكدسين على المعابر، لكن أعدادا من السودانيين تحاول التعامل مع الأوضاع بطرق تكافلية بمساعدة المتعسّرين وتقديم مساعدات عينية لهم.
ونشرت منظمة الهجرة الدولية أحدث تقاريرها عن السودان، الثلاثاء، قائلة إن الصراع هناك أدى بجانب النزوح الداخلي، إلى تحركات مختلطة عبر الحدود لـ 697 ألفا و151 سودانيا إلى الدول المجاورة.
وقالت إن 255 ألفا و565 سودانيا مسجلاً وصلوا إلى مصر، لكن منذ 18 يونيو/حزيران لم تتلق المنظمة أرقاما محدثة من وزارة الخارجية السودانية.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.