لنبدأ بقصة بلا مصدر، ومنقطعة الصلة بكرة القدم، ولكننا متأكدون من أنك قد عايشتها بنفسك؛ أراد أحد صناع السيارات العالميين الحصول على حصة من السوق المحلي في إحدى دول العالم الثالث، فقام مهندسوه بتصميم سيارة عملية منخفضة التكاليف، ويمكن تجميع أجزائها في دولة أخرى نامية الاقتصاد ذات عمالة أرخص، ثم استخدموها مقرا لتصدير تلك السيارة إلى باقي دول الجوار.
نجحت السيارة لعمليتها وسعرها التنافسي، واستحوذت على نسبة ضخمة من سوق الشراء، بل وأضافت له مساحة أخرى من المشترين الجدد، الذين لم يسبق لهم امتلاك سيارة من قبل، ولكن أغراهم السعر بالتجربة.
لا بد أنك قد استنتجت باقي القصة؛ انتشار السيارة أجبر التجار على توفير قطع غيارها، وأجبر وِرَش الميكانيكا على تعلم أسرارها، فزاد الطلب عليها للأسباب ذاتها، فارتفع سعرها بالتبعية في متوالية غير منطقية تغذي نفسها بنفسها، فكلما زاد عدد ملاكها، زادت ثقة المشترين الجدد فيها، وبالتالي زاد سعرها مجددا، وعند لحظة ما، انقلب المنطق على ذاته، وأصبحت السيارة الرخيصة الاعتمادية المتوفرة عملة نادرة يُدفع فيها أضعاف قيمتها الفعلية.
طبعا أنت تعلم ما يحدث للسلع النادرة التي يُدفع فيها أضعاف قيمتها الفعلية؛ تتحول مع الزمن إلى قيمة مُطلقة، مثل الخير أو الحق أو العدالة أو الدولار، وتستمد سعرها -مفاجأة- من سعرها، وبالتالي تصبح دليلا على الوجاهة الاجتماعية والقدرة الشرائية المرتفعة، أي عكس ما أُنشئت لأجله بالضبط.
الأمر لا يتوقف هنا بالتأكيد، لأن التجار يلاحظون هذا التغير في الغرض من شراء السيارة، فيرفعون أسعار قطع الغيار بدورهم لتناسب دخول المُلاك الجدد، وتتبعهم وِرَش الميكانيكا، ثم يلاحظ الصانع ذلك وتستمر العجلة المفرغة في الدوران حتى تنفد الطاقة من الكوكب وتموت الشمس.
مقدمة في الاقتصاد
حسنا، هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في التغلب على هذه المعضلة؟ أغلب الظن أن الإجابة بالنفي. في الواقع، لو تمكن الذكاء الاصطناعي من تحديد قِيَم وأسعار أي شيء، بما في ذلك لاعبي كرة القدم، بدقة، لما كنت تقرأ هذا التقرير الآن، لأنك ستكون قد تحولت بالفعل إلى بطارية ثنائية القطب تغذي الآلات، كما تنبأت (1)(2) الأختان وتشاوسكي منذ ربع قرن تقريبا في “ذا ماتريكس” (The Matrix).
قصة السيارة حدثت بالفعل في دولة ما لن نذكر اسمها لأننا لا ننوي التحول إلى بطاريات بدورنا، وهي قصة يمكن إنتاجها في وثائقي بعنوان “كيف تحولت هيونداي إلى مرسيدس.. معضلة السوق الحر من ماركِس إلى نيمار دا سيلفا”، ولكن المهم فيها هو متابعة الأسباب التي منحت السيارة قِيمها السوقية المختلفة عند لحظات مختلفة من حياتها؛ من الاعتمادية والوفرة، إلى الثقة والأمان، ثم الوجاهة الاجتماعية.
هنا نستنتج الدرس الأول الذي لن يدركه الذكاء الاصطناعي عندما يحاول حساب قيمة كيليان مبابي الفعلية مثلا؛ السلعة ذاتها، بتكاليف التصنيع والعمالة والشحن ذاتها، قد تتغير قيمتها مع الزمن بناء على تفاعل المستهلكين معها. “قيمة لاعب كرة القدم” هي معنى ديناميكي وليس ستاتيكيا، متحرك لا ثابت، وحركته -مفاجأة أخرى- ليست مرتبطة بمباريات اللاعب وأهدافه وحسب.
ربما يكون هذا هو ما دفع مبابي نفسه إلى زيارة الكاميرون لتلميع صورته بعد التقارير الأخيرة التي تحدثت عن رغبته في البقاء في باريس لموسم إضافي، ثم رفض التجديد لموسم إضافي، وبالتالي التحول إلى لاعب حر، ثم إعادة الكرّة مجددا، وإشعال حرب أخرى على توقيعه بين ريال مدريد وباريس كما حدث الصيف الماضي، لكي يحصل على مكافأة أخرى وراتب أضخم، وهكذا حتى تنفد الطاقة من الكوكب وتموت الشمس. (3) (4)
هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع تأثر الشعبية بممارسات جشعة؟ هل يمكنه تعريف الجشع بوصفه قيمة مطلقة أصلا؟ أم أنه سيظل مقرونا بالعرض والطلب بدوره؟ هل يمكنه حساب كمية الخوف الغريزي لدى فلورنتينو بيريز من فقدان الصفقة التي راهن عليها طويلا؟ ماذا عن الأرباح المحتملة للعلامات التجارية التي ترعى الفتى؟ لحظة، هذا ليس مثالا موفقا؛ غالبا سيتمكن الذكاء الاصطناعي من حساب الأخيرة فعلا. المهم أن كل ما سبق، رغم عشوائيته، يُعد عوامل مؤثرة في سعر الموسم المتبقي في عقد مبابي مع باريس.
حسنا، مبابي هنا هو مجرد مثال، ويبقى السؤال الأهم قبل كل ذلك؛ هل تتوافق تقييمات الأندية مع إحصائيات اللاعب أصلا؟
جون مولر، عالم البيانات والمحلل الأميركي الشهير، كتب في سبتمبر/أيلول 2020 يقارن بين صفقتي تياغو إلى ليفربول وفينالدوم إلى برشلونة، باعتبار أن التقارير الصحفية توقعت أن يتأرجح سعر الثنائي في مساحة واحدة حول الـ25 مليون يورو، وكان هذا ما توصل إليه؛ الأول “يبتلع” الثاني إحصائيا إن جاز التعبير. (5) (6)
المفاجأة هنا أن الأسئلة السابقة، رغم منطقيتها، ليست الأهم في هذا السياق. السؤال الفعلي هو: هل سيختلف الوضع فعلا حتى لو تمكن الذكاء الاصطناعي من قياس كل شيء، بما في ذلك ما لا يمكن قياسه؟
الإجابة: لا.
من أفواه الإنترنت
لنذكرك أولا -في اختصار مخل- بأن الذكاء الاصطناعي (AI) وتقنيات تعلّم الآلة (Machine Learning) لا يوجدون المعلومات والبيانات من العدم، بل يستخدمون ما هو متاح بالفعل في اختبار احتمالات مختلفة، ثم “يتعلمون” بالتجربة والخطأ. المزية الرئيسية هنا هي القدرة الخارقة على معالجة بيانات ضخمة لا قبل لألف عالِم بها، ثم تكرار العملية بسرعة خارقة أيضا في متوالية لا نهائية، قد تستغرق من البشر مئات الأعوام.
هذا يدفعك -ويدفعنا معك- للتساؤل: ما نوع البيانات التي قد يستخدمها أي تطبيق للذكاء الاصطناعي للإجابة عن سؤال كهذا؟ (7) (8)
لنتخيل؛ أول ما سيقابله هو المفهوم الزئبقي المنتشر عن “حكمة الجماهير”؛ للوهلة الأولى، يبدو المصطلح محاولة يائسة لإضفاء شرعية ما على تفاعلات الجموع العشوائية على الإنترنت، لكن بمجرد التدقيق في آلياته، يتضح أنه محاولة يائسة لإضفاء شرعية ما على تفاعلات الجموع العشوائية على الإنترنت فعلا.
منذ عام واحد تقريبا، قادنا ستيورات جيمز، محرر “ذي أثلتيك” (The Athletic)، في محاولة عبثية للإمساك بمعنى “حكمة الجماهير”، وكانت النتيجة سلسلة لا نهائية من الإحالات إلى “الآخرين”، فيما يشبه لعبة “الهمسات الصينية” الشهيرة؛ حيث يجلس مجموعة من الناس في دائرة مكتملة، ثم يهمس أحدهم -بسرعة- بعبارة ما في أذن جاره، وعلى تاليه أن يسمعها ويفهمها ويعالجها ويهمس بها مجددا في زمن لا يتخطى الثانية، ثم تنغلق الدائرة في النهاية عندما تصطدم العبارة الأخيرة بالأولى، فيتضح ألا علاقة بينهما ويضحك الجميع. (9) (10)
يضحك الجميع لأن هذا التفاعل ينتج عبارتين على الوزن ذاته ولكن بكلمات ومعانٍ مختلفة تماما؛ تبدأ الدورة مثلا بـ: “ذهبت إلى المتجر لكي أبتاع البقالة”، وبعد بضع همسات تتحول إلى: “أكلت البنجر وشربت حتى الثمالة”.
هذا هو -بلا أدنى مبالغة- ما وصل إليه جيمز في بحثه بالضبط. هناك قصة شهيرة عن مكالمة تلقاها جيم سميث، مدرب دِربي كاونتي بين 1995-2001، من أحد مسؤولي نادي بلاكبيرن روفرز، يسأله فيها إن كانوا مستعدين للتخلي عن مدافعهم كريستيان دايلي، فعقد سميث اجتماعا عاجلا مع مجلس إدارة ناديه، قيل له فيه ألا يقبل -تحت أي ظرف- بأقل من 2.5 مليون جنيه إسترليني.
عاد سميث لمحادثه، وبينما يمهد طريقه للتصريح بالسعر المطلوب، باغته الرجل بقوله: “سمنحنكم 5.35 ملايين جنيه إسترليني”. بالطبع تمت الصفقة في اللحظة ذاتها، وكانت تلك هي اللحظة التي احترق عندها معالج الذكاء الاصطناعي.
“أنت تعلم أنه لو رغب نيوكاسل في إبرام أية صفقة الآن، فسيطلب الجميع ثلاثة أضعاف السعر السابق!”.
(الدنماركي فرانك أرنِسِن – كبير كشافي تشيلسي وعضو مجلس إدارته ومديره الرياضي السابق) (10)
هناك 13800 قصة تقريبا في تقرير جيمز عن وقائع مشابهة؛ عندما رغب مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي في ضم هاري ماغواير من ليستر، استخدم الأخير الرقم الذي دفعه ليفربول لضم فِرخيل فان دايك، من ساوثامبتون، قبلها بـ18 شهرا، كمرجعية. فان دايك كلف الريدز 75 مليون جنيه إسترليني، وهذا هو ما كان ليستر يريده.
طبعا صفقة فان دايك كانت في ظرف مختلف، ببساطة لأن ما سبقها من صراع إعلامي -كاد يتحول إلى قانوني- بين ساوثهامبتون وليفربول، بسبب زعم الأول أن الثاني تواصل مع اللاعب دون إذنه، ساهم في رفع سعر اللاعب لهذه الدرجة وتحويله إلى أغلى مدافع في التاريخ. ستسأل: ما الذي حدث بين سيتي ويونايتد وليستر إذن ليجعل ماغواير يستحق الرقم ذاته؟ لا شيء على الإطلاق، باستثناء أن لِستر كان يرى ماغواير بالجودة ذاتها. (11)
الحكمة الشعبية
ليستر حصل على 80 مليون جنيه إسترليني في النهاية لمجرد رغبته في الإحالة لصفقة فان دايك. إلامَ أُحيلت صفقة فان دايك إذن؟ إلى صفقة ستونز قبلها بـ18 شهرا أخرى، وصفقة ستونز أُحيلت إلى تلك التي نقلت ديفيد لويز من لندن إلى باريس، وهكذا؛ الهمسات الصينية تبدأ بـ46-36 مليون يورو في فرديناند وتورام على الترتيب في مطلع الألفية، وعندما تكتمل دورتها، يكون ماغواير قد أكل البنجر وشرب حتى الثمالة. (12) (13)
حينها طبعا غضب الكثيرون لأن موقع “ترانسفير ماركت” (Transfermarkt)، “المصدر” الوحيد لقِيَم اللاعبين السوقية على الإنترنت وقتها، كان قد حدد قيمة ماغواير بـ50 مليون يورو، ما يعني أن مانشستر يونايتد فقد 37 مليون يورو بلا داعٍ. (14)
استمر الغضب حتى خرج كريستيان شوارتز، منسق الموقع للقيم السوقية، ليقول إن طريقتهم الحسابية تعتمد بالأساس -مفاجأة أخرى- على تقييمات الجماهير؛ الموقع يدير عددا من المنتديات التي يتناقش فيها مستخدموه حول القيم “المنطقية” و”العادلة” للاعبين، ثم يقدمون حججهم وأسبابهم لـ80 موظفا أساسيا و1000 متطوع يعملون مع شوارتز، لدمجها مع قاعدة بياناتهم التي تشمل بعض الإحصائيات، بالإضافة إلى معايير أخرى -منطقية هذه المرة- عن عمر اللاعب ومركزه والمدة المتبقية في عقده، ثم إخراج رقم واحد يختصر كل ما سبق. (10) (15)
هذا يقودك إلى الدرس الثاني الذي سيتعلمه الذكاء الاصطناعي بعد تمشيط الإنترنت؛ الإنسان سيظل يقايض البيض بالذهب لو لم يكن يملك طريقة أخرى للحصول على ما يريده، لأن غريزته الأولى هي الرغبة في البقاء، البقاء في السوق والبقاء في المنافسة، حتى لو كان لا يفهم آليات الأول ولا متطلبات الثانية.
إلامَ أحال مستخدمو “ترانسفير ماركت” أول مدافع قيّموه؟ بيانات الموقع تعود إلى صفقات أُبرمت في الثلاثينيات من القرن الماضي، ولكن الموقع ذاته أُنشئ عام 2000، لذا من المرجح أن تكون صفقتا فرديناند وتورام لعبتا دورا كبيرا في التأشير على الصفقات التالية فعلا، ولكن مَن حدد سعر فرديناند وتورام أصلا؟
“أغلب المُلّاك يريدون أن تكون لهم الكلمة الأخيرة في تقييم اللاعب، وبعضهم يريد أن يشترك في المفاوضات أيضا. أحد مُلّاك البريميرليغ قرر أن يحتفظ بتقييمه للاعب لنفسه دون حتى أن يخبر مديره الرياضي! هذا يعني أن بعض الأندية تدخل المفاوضات عمياء حرفيا!”.
(تقرير “كيف تقيّم لاعبا؟” لستيوارت جيمز – ذي أثلتيك (10))
آخر المحاولات المرحة أتت من شوبهام موريا في 2018، عالم البيانات الهندي الأصل والمهووس بكرة القدم، استخدم مدونته الشخصية لقياس العلاقة بين “قيمة اللاعب الفعلية” -أيًّا كان معنى هذا المصطلح- وقيمته الواقعية. المثير أن موريا قرر أن المعادلة الحسابية لن تشمل “إمكانيات اللاعب”، بمعنى أن إحصائياته وأهدافه وما يفعله -أو لا يفعله- على أرض الملعب ليس مؤثرا هنا. (16)
لماذا؟ لأن موريا اكتشف أن هناك علاقة طردية بين أسعار لاعبي البريميرليغ مثلا وقِيَمهم السعرية في دوري الفانتازي، وعندما قارن الأخيرة بـ”شعبيتهم”، ممثلة في عدد زيارات صفحاتهم على ويكيبيديا (Wikipedia) وحساباتهم على “ترانسفير ماركت” (Transfermarkt) وموقع فانتازي البريميرليغ (FPL)، وجد العلاقة تزداد اتضاحا وانتظاما، ليثبت، دون قصد، أن الديمقراطية قد سقطت في الغرب فعلا.
حتى تحترق النجوم
شوارتز نفسه، يعتـ.. حسنا.. ما زلت تضحك.. لا بأس.. المهم أن شوارتز نفسه يعتقد أن النادي الذي يعتمد على تقديرات موقعه هو نادٍ كسول ببساطة، لأنه يجب أن يملك طرقا أكثر تقدما من موقع مجاني 90% من عامليه متطوعون. (10)
طبعا الأندية ذاتها لم تصل حتى إلى مرحلة “ترانسفير ماركت” بعد، لأنها تقيس الأمر بطريقة شديدة البدائية. المعادلة البسيطة هنا تتلخص في مدخلين رئيسين؛ مَن أريد؟ وكم يمكنني الدفع لأجله؟
الأخيرة بالطبع لا تُحدد بناء على قيمة ما تريده، بل بناء على كمّ ما تملكه من أموال. في الواقع، قد تكون تلك الفكرة تحديدا هي أدق وصف ممكن للوضع؛ تخيل أنك تريد شراء مُكيف هواء مثلا، فذهبت مع صديقك للمتجر -لم تأكلوا البنجر- فقام الموظف بتقييم وضعك المادي، ثم قرر سعر المُكيف بناء عليه. تخيل لو كان ثمن سلعة كتلك يتوقف بناء على وضعك المالي وطراز سيارتك وعلامة قميصك وحذائك، فيشتري الثري المكيف ذاته بخمس مرات سعر ما قد يدفعه الفقير. هذا هو ما يحدث في كرة القدم بالضبط.
طبعا اللاعبون ليسوا سلعا، ولكن عقودهم كذلك، وبطريقة ما، صنعت أندية كرة القدم الصغيرة طرازها الخاص من “العدالة” إن جاز الوصف. الفارق الوحيد هنا أنه طراز غير عادل، لأن دائرة الهمسات تلحق بهم في النهاية أيضا.
بعد بيع ماغواير لمانشستر يونايتد في الخامس من أغسطس/آب 2019، حاول ليستر استبدال الهولندي ناثان آكي من بورنموث به، وعندما طلب بورنموث 75 مليون جنيه إسترليني، لأن آكي، طبقا لمدربه، لا يقل جودة عن ماغواير، خرج ليستر ليؤكد أنه لن “يُحتجز رهينة” لأجل احتياجاته في السوق. بمعنى آخر؛ ليستر لن يقبل أن يفعل فيه بورنموث ما فعله هو شخصيا للتو مع مانشستر يونايتد. (17) (18)
الشيء ذاته حدث عندما حاول وست هام استباق رحيل دكلان رايس إلى أرسنال، بالتعاقد مع البرتغالي بالينيا من فولام؛ 90 مليون جنيه إسترليني كان الرقم المطلوب، طبعا لأن بالينيا ليس أقل جودة من رايس. (19)
هذا يقودك للدرس الثالث الذي سيتعلمه الذكاء الاصطناعي من الإنسان قبل أن يضع “قيمة عادلة” لأسعار عقود اللاعبين؛ حتى لو نجحت حساباته، ووصلت لنتيجة اتفق عليها الجميع، فقد يتغير كل شيء لتفصيلة طارئة لا يمكن قياسها، مثل تنافس عدة أندية على التوقيع مع اللاعب بعد علمهم بتوفره، أو لأن اللاعب يعمل مع وكيل أحمق أوهمه بأن بإمكانه الحصول على ضِعْف الراتب، فانتهى به الأمر بلا نادٍ ثم قبل بنصفه -قصة حقيقية لتقرير آخر- أو العكس، لأن أحدهم عرض في اللاعب 5.35 بينما كانت قيمته 2.5 مليون فقط.
المشكلة الرئيسة في تلك المشكلة ألا أحد يدرك المشكلة؛ أسعار اللاعبين لا تتضخم بلا منطق لأن الأندية لا تعلم قيمتهم الحقيقية وتنقصها المعلومة أو الآلية، أو لأن رؤساءها وملاكها عاجزون عن الاتفاق على معايير تقيد السوق، أو لأن مجموعة من الحمقى لا يعلمون شيئا عن أصول الاستثمار وإدارة الأعمال، بل ببساطة لأن تلك الأندية تملك من المال ما يفوق احتياجها بكثير، وما لا يتناسب أبدا مع ما تقدمه من مستوى في الملعب عموما، لأنها تغالي في أسعار القمصان وتذاكر المباريات وخدمات البث مستغلة رفاهية شعوبها ومستواهم المعيشي المرتفع في حصد أموال طائلة، ثم إنفاقها للتعاقد مع هازارد بـ130 مليون يورو ونيمار بـ220 وكوتينيو بـ160 وكريستيان دايلي بـ5.35. (18) (20)
هذه مشكلة لا يمكن للذكاء الاصطناعي -ولا أي ذكاء- علاجها حتى لو تحولنا كلنا إلى بطاريات، إلا لو تمكن بطريقة ما من إقناع كل هذه الجماهير بأنها كانت تتعرض للخداع كل موسم طيلة العقود الماضية، وهذا مستحيل طبعا، لأنه يحيل الأمر كله إلى “الحكمة الجماهير” مرة أخرى، الحكمة ذاتها التي تسببت في المشكلة بالمقام الأول.
__________________________________________
المصادر:
- فيلم The Matrix – IMDB
- لماذا يوجد البشر في حاويات في فيلم “The Matrix”؟ – Screen Rant
- لماذا يرغب مبابي في البقاء لموسم إضافي مع باريس لكن من دون تمديد عقده؟ – AS
- كيليان مبابي “متشرف” بوجوده في الكاميرون – BBC
- مراجعة موسم ليفربول 2020-2021 – Statsbomb
- من أين تأتي أموال صفقات كرة القدم؟ – Space
- ورقة غش لمعرفة كيفية عمل الذكاء الاصطناعي – Dummies
- كيف تعمل تقنيات تعلم الآلة؟ – Dummies
- الهمسات الصينية – Merriam Webster
- كيف تقيّم لاعبا؟ – The Athletic
- فِرخيل فان دايك؛ ليفربول يعتذر وينهي اهتمامه بمدافع ساوثامبتون – BBC
- ريو فرديناند – Transfermarkt
- ليليان تورام – Transfermarkt
- هاري ماغواير – Transfermarkt
- شرح القيمة السوقية للاعبين في ترانسفير ماركت.. كيف تُحدد؟ – Transfermarkt
- محاولة لتوقع القيمة السوقية للاعبي كرة القدم باستخدام تقنية تعلّم الآلة – Medium
- لِستر لن يتعاقد مع نيثان آكي بديلا لماغواير – Sky
- ماغواير بـ85 مليونا.. لأن الفقراء جزء من النظام أيضا – مدى مصر
- فولام يطلب 90 مليون جنيه إسترليني في بالينيا الذي يراه وست هام خليفة لدكلان رايس – The Daily Mail
- لعبة غير عادلة – The New York Times
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.