يحاول السياسيون حاليًا اغتنام الإمكانات التي يوفرها روبوت المحادثة “شات جي بي تي”، بينما يحذر ناشطون يمينيون غربيون من انحيازاته الليبرالية والتقدمية، ويناقش دبلوماسيون وخبراء تطبيقاته المحتملة في السياسات الخارجية والقوة الناعمة والتأثير على الجمهور.
اجتاح برنامج “شات جي بي تي” (ChatGPT) التوليدي، الذي يتفاعل مع البشر ويستطيع إنتاج كل أنواع النصوص عند الطلب، الأوساط الجامعية والمهنية وحتى السياسية، حيث بات سياسيون يستخدمونه لكتابة خطابات أو صياغة قوانين، غير أنه يهدّد بتشكيل حملات تأثير يصعب تحديد إذا ما كانت بشرية الصنع أم لا.
في اليابان، استجوب نائب في البرلمان رئيس الوزراء بأسئلة اقترحها روبوت “شات جي بي تي” نهاية مارس/آذار الماضي. وفي فرنسا، صاغت الأداة تعديلا لمشروع قانون للألعاب الأولمبية لعام 2024.
السياسيون والذكاء الصناعي
يحاول السياسيون حاليا اغتنام الإمكانات التي يوفرها روبوت المحادثة هذا الذي ضمّ أكثر من 100 مليون مستخدم نشط مطلع العام الجاري، بعد شهرين فقط من إطلاقه.
يقول باسكال مارشان، الأستاذ في علوم الإعلام في جامعة تولوز، إن أدوات الذكاء الاصطناعي مثل “شات جي بي تي” قادرة “على توليد خطابات متماشية” مع الأيديولوجيات السياسية التقليدية. لكن لكونها غير قادرة على الابتكار، فهي أقل أهمية بالنسبة للأحزاب التي ترغب في “التكيف مع الوضع الراهن والتوافق مع العصر”.
وتواجه الأحزاب اليمينية صعوبات مع برنامج “شات جي بي تي”، إذ تعتبره وليد ثقافة الـ”ووك” (woke) -أي اليقظة حيال الإساءات العنصرية والتمييز- ومطبوعا بالقيم الليبرالية و”التقدمية” لوادي السيليكون الأميركي حيث شركات التقنية الكبرى.
اليمين الغربي
في فرنسا، يروّج رئيس “التجمّع الوطني” جوردان بارديلا عبر شبكات التواصل الاجتماعي لفكرة أن “شات جي بي تي” يؤسس لـ”استبدال عظيم جديد”، ومصطلح “الاستبدال العظيم” يشير إلى نظرية مؤامرة يمينية متطرّفة ترى أنه يُستبدل بالسكان الأوروبيين آخرون مهاجرون، بشكل منتظم، وخصوصا من أفريقيا.
وتتكون هذه النظرية من عنصرين أساسيين، يتمثل العنصر الأول في التوقعات الديمغرافية التي تقول إنه نظرا للهجرة الجماعية وارتفاع معدلات الخصوبة، فإن السكان من أصل غير أوروبي في طريقهم إلى تجاوز عدد السكان الأصليين في أوروبا، وهذا من شأنه أن يساعدهم في فرض ثقافتهم ودينهم على القارة.
من ناحية أخرى، يؤمن الكاتب رينو كامو صاحب النظرية بأن “الاستبدال العظيم” سيحدث نتيجة مؤامرة تنفذها “سلطة خفية”، وهي النخب الحاكمة الرأسمالية المناصرة للعولمة، التي تدعم عمليات الهجرة الجماعية من أجل بناء عالم جديد تختفي فيه كل الخصوصيات القومية والعرقية والثقافية، ويصبح قابلا للسيطرة والتشكل بما يلبي احتياجات الاقتصاد المعولم.
أمّا نائبة رئيس “حزب الاسترداد” اليميني المتطرف ماريون ماريشال، فاعتبرت أن الروبوت يقضي على “الحسّ النقدي”.
وبرنامج “شات جي بي تي” الذي صممته شركة “أوبن إيه آي” (OpenAI)، أو البرامج المنافسة مثل “بارد” (Bard) الذي طورته “غوغل” (Google)، هي برامج لديها تحيزات ناتجة عن تدريبها من خلال مجموعة ضخمة من نصوص ومعايير أضافها مصمموها للحدّ من توليد تصريحات مثيرة للجدل أو مرفوضة.
في نيوزيلندا، صمّم الباحث ديفيد روزادو روبوت “رايت وينغ جي بي تي” (RightWingGPT) المدرَّب لإنتاج تصريحات محافظة داعمة للأسرة التقليدية والقيم المسيحية والسوق الحرة، ولكنه غير متاح للجميع.
وأعلن رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، الاثنين الماضي، أنه يعمل على إنشاء أداته الخاصة للذكاء الاصطناعي “تروث جي بي تي” (TRUTHGPT) التي ستسعى، على حد قوله، إلى “إظهار أكبر قدر من الحقيقة” والتنافس مع البرامج الأخرى التي تفتقر إلى الضوابط اللازمة.
في الصين، التي دعا رئيسها شي جين بينغ لإدراج الذكاء الاصطناعي في السياسة الخارجية لبلده واستخدامه في تعزيز الدبلوماسية، تعتزم بكين إخضاع أدوات الذكاء الاصطناعي لإجراءات “تدقيق أمني” في مدى التزام محتوياتها “القيم الاشتراكية الأساسية” وعدم مساسها بأمن الدولة.
التلاعب بالجماهير
ويرى أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة القاهرة سليمان صالح أن هناك كثيرا من المؤشرات التي تدل على أن الخوارزميات والروبوتات أصبحت تستخدم للتلاعب بالرأي العام، عن طريق بناء الأجندة الإعلامية والمجتمعية وتغيير مسار مناقشة القضايا العامة، مذكرا بأنه تم استخدام حسابات وهمية في الانتخابات الأميركية عام 2016، لنشر شائعات سياسية وأخبار زائفة وتوجيه الناخبين لروابط تتضمن أخبارا سياسية تؤثر على سلوكهم.
وأضاف صالح -في مقاله المنشور على موقع الجزيرة نت- أن الذكاء الصناعي يمكن أن ينتج مضمونا لناخبين يبحثون عن معلومات سياسية معينة خلال الأزمات السياسية، وذلك لتأييد مرشحين أو زيادة التعاطف معهم بتصويرهم بأنهم يتمتعون بشعبية، لحث المواطنين على التصويت لمرشح ما.
وتجري نقاشات واسعة حاليا بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي في مفهوم العلاقات الدولية والعملية السياسية والدبلوماسية، حسب ما يقول الباحث في العلوم السياسية خالد وليد محمود.
ويرى محمود -في مقاله على الجزيرة نت- أن الذكاء الاصطناعي دخل عالم السياسة الخارجية ويجري تطبيقه على مجموعة واسعة من الأنشطة القنصلية والدبلوماسية وفي أجندة ذات موضوعات واسعة متباينة التخصصات، تتراوح بين الاقتصاد والأعمال والأمن، وصولا إلى ترسيخ ونشر مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.