تعرّف الدراسات الثلاث ما حدث في تلك المنطقة على أنهما زلزالان متتاليان وليس زلزالا واحدا وآخر تابعا له.
قدم فريق بحثي دولي نظرة أولية عن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا فجر يوم 6 فبراير/شباط الماضي ثم تبعه زلزال آخر نفس اليوم. وبحسب 3 ورقات بحثية صدرت بالتزامن، فإن الزلزالين صنعا معاً ما أطلق عليه اسم “التدمير المزدوج” نادر الحدوث.
الدراسات الثلاث عرّفت ما حدث في تلك المنطقة على أنهما زلزالان متتاليان وليس زلزالا واحدا وآخر تابعا له. فقد وقع الأول حوالي 4:17 صباحاً بتوقيت مكة المكرمة وكان مركزه غرب مدينة غازي عنتاب، وبلغت قوته 7.8 درجات على المقياس، وبعد مرور 9 ساعات وقع زلزال آخر بقوة 7.6 درجات بالقربِ من مدينة كهرمان مرعش.
وقد بلغ عدد ضحايا هذين الزلزالين في تركيا وسوريا -حسب تقديرات أولية- حوالي 50 ألف قتيل.
كيف تحدث الزلازل؟
لو تخيلنا أن كوكب الأرض ثمرة تفاح، فإن طبقة القشرة الأرضية ببساطة قشرة التفاحة الرقيقة، لكن القشرة الأرضية ليست قطعة واحدة تغطي الأرض، بل تتكون من عدد من القطع التي تسمى الصفائح التكتونية، والتي تتداخل مع بعضها بعضا بشكل يشبه الأحجيات الورقية.
وتتحرك الصفائح التكتونية ببطء شديد (عدة سنتيمترات كل عام) لذلك لا نشعر بحركتها، وحينما تلتقي ببعضها البعض فإن أطرافها تنزلق ببطء وسلاسة، لكن في بعض الأحيان تتداخل تلك الأطراف بقوة ما يتسبب في حدوث الزلازل.
وتواجه تركيا مشكلة، إذ تقع على صفيحة تكتونية صغيرة تسمى صفيحة الأناضول، تندفع نحو الغرب بفعل حركة صفيحتين كبيرتين مجاورتين، الأولى هي الأوراسية من الشرق والشمال، والثانية هي العربية جنوبها، ويضاف إلى ذلك تأثير حركة الصفيحة الأفريقية.
وقد تسببت الاحتكاكات المستمرة بين حدود تلك الصفائح التكتونية في بناء فالقين كبيرين بتركيا، الأول فالق شمال الأناضول الذي يجري على مسافة 1500 كيلومتر ويبتعد خطه الرئيسي 20 كيلومترا فقط عن إسطنبول، والثاني فالق شرق الأناضول بطول 700 كيلومتر.
ضربة جيولوجية
وبحسب الدراسات الجديدة، التي نشرت في دورية “ذا سيزميك ريكورد” (The Seismic Record) يقع مركز الزلزال الأول على بعد حوالي 15 كيلومترًا شرق فالق شرق الأناضول، ويقع مركز الزلزال الثاني على بعد حوالي 90 كيلومترًا إلى الشمال من الزلزال الأول.
وتشير النتائج التي توصل إليها الباحثون إلى أن الزلزال الأول تسبب خلال 80 ثانية فقط في تمزق هذا الصدع بشكل مزدوج، أي أن الصخور الأرضية حول مركزه تحركت في اتجاهين مختلفين على طول حوالي 350 كيلومترًا، مما أدى إلى حدوث إزاحات سطحية للأرض تزيد على 6 أمتار.
وقد أشار الفريق البحثي إلى أن الزلزال الثاني تسبب في تمزيق مزدوج لنفس الصدع على مسافة 170 كيلومترًا تقريبًا خلال 35 ثانية، مع أكثر من 7 أمتار من الإزاحة السطحية.
إلى جانب ذلك، تشير النتائج التي توصل إليها الفريق البحثي إلى أن مراكز الهزات الارتدادية الخاصة بالزلزالين توزعت على امتداد 160 كيلومترًا تقريبًا من تلك المنطقة الصغيرة التي ضربت بهما.
أمر نادر
وبحسب بيان صحفي رسمي صدر من الجمعية الأميركية لعلوم الزلازل -والتي شاركت بفريق بحثي في الدراسات الثلاث- فإن حدوث زلزالين كبيرين في وقت قريب جدًا بهذا الشكل مثّل كارثة مضاعفة غير شائعة، تصل احتمالات حدوثها فقط إلى حوالي 7%.
لكن الباحثين يعتقدون أن الصدمة الأولى كانت قوية كفاية بحيث ربما تكون قد أحدثت تغييرات في الإجهاد بمنطقة مركز الزلزال الثاني (أي قامت برفعه إلى الحد الأقصى) مما تسبب بدوره في الزلزال الثاني.
وبشكل عام، جاءت نتائج الأبحاث الثلاثة لتشير إلى أن ما حدث في تركيا وسوريا من اهتزاز كان غاية في العنف بحيث أمكن أن يسبب أضرارا جسيمة على كل المستويات، وقد زاد من الكارثة أن الزلزال الثاني عادة ما يكون ذا أثر أقوى، ليس لأنه أكبر في القيمة على المقياس، بل لأنه يقوم بضرب بنية تحتية قد تأثرت بقوة بالزلزال الأول، مما جعلها معرضة للخطر بدرجة أكبر، وهو ما حدث بالفعل.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.