الصين كقوة سينمائية عظمى | آراء


تتوقف حافلة متواضعة على مشارف قرية صينية لينزل منها الشاب زوزي وخطيبته بعد أن اصطحبها في زيارة مفاجئة لأسرته ليعرفها عليهم.

تكتشف خطيبته حياة الريفي الصيني وتبدي إعجابها بها مقارنة بالمدن الكبرى المزدحمة. وبينما تدعي الأم أنها خالته، تدور مواقف كوميدية حين تستقبل العائلة الضيفة الجديدة في بيت أكبر وأفخم من بيتهم في محاولة لعدم إظهار مستواهم المادي والاجتماعي الحقيقي أمامها في فيلم “يا أمي” الصيني من إخراج جي هايتاو عام 2016.

الفيلم هو أحد الأفلام المترجمة إلى اللغة الإنجليزية والتي تتيحها الصين مجانا عبر قناة على اليوتيوب تتبع هيئة البث التلفزيوني الرسمي الصيني تحت شعار 1905 والذي يشير إلى عرض أول فيلم صيني بعنوان “جبل دينغجون”. وهو جزء من محاولات حثيثة تقوم بها الصين منذ عدة سنوات لخوض غمار الإنتاج السينمائي داخل وخارج حدودها. إذ يمكن القول إن دخول الصين على خط السينما في السنوات الأخيرة أشبه ما يكون بدخولها على خط التجارة والصناعة في العالم. أي أنها حاضرة في كل مكان بأشكال مختلفة.

على الصعيد الفني، فقد أبدت صناعة الأفلام الصينية مرونة مدهشة في التعامل مع متغيرات العصر دون الوقوع في فخ الدعاية الفجة أو الانكفاء على الذات، فهي تتعامل مع التراث والتاريخ الصيني بمنظور نقدي وجرأة في طرح عدد كبير من القضايا للنقاش.

تحاول أن تقدم نفسها كجزء من ثقافة العالم في محاولة لبناء جسور مع مختلف الثقافات وطرح الثقافة الصينية بشكل مبهر على صعيد الصورة والقصة في الأعمال السينمائية. وهو الأمر الذي جعل السينما الصينية تتخطى السينما اليابانية في آسيا بل وتضاهي سينما أفلام هوليود من ناحية ضخامة الإنتاج الفني وحجم الربح الذي تحققه في شباك التذاكر.

رغم الثقافة السينمائية المنفتحة للصين، فإن التوترات السياسية المتعاقبة بين الولايات المتحدة والصين انعكست على صناعة السينما الصينية

أما على صعيد الاستثمار وبشكل غير تقليدي، فقد دخلت الصين إلى معقل صناعة الأفلام الأميركية في هوليود واشترى رجل الأعمال الصيني وانغ جيانلين والذي يلقب بأغنى رجل في الصين، سلسلة دور السينما الأميركية “إيه إم سي” عام 2012، كما اشترى أيضا أستوديو لجيندري “جوراسيك وورلد” و”إنترستيلر” و”غودزيلا” عام 2016.

الأمر الذي دعا حينها 17 عضوا في الكونغرس الأميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى إصدار خطاب مشترك يحذرون فيه من استحواذ مجموعة واندا التي يرأسها جيانلين على كل هذا العدد من المؤسسات الأميركية وأن المجموعة مرتبطة بالحكومة الصينية.

العلاقة مع السينما الأميركية وبقية الدول

بالإضافة لهذا تحاول الصين أن تدمج صناعة السينما في دبلوماسيتها الناعمة فقد أسست عام 2018 تحالف مهرجان “الحزام والطريق” السينمائي والذي يعد تعاونا سينمائيا بين مهرجانات دولية تنتمي لأكثر من 30 دولة.

وهو تطوير لأطر التعاون الدولي لمبادرة دبلوماسية أطلقتها الصين عام 2013 لتشمل دول الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، والمعروفة باللغة الصينية بـ”حزام واحد وطريق واحد” وتعرف اختصار بمبادرة “الحزام والطريق”.

دشنت الصين فرعا من هذه المبادرة ضمن مهرجان شنغهاي السينمائي الدولي الذي أقيم هذا العام في شهر يونيو/حزيران الجاري، ممثلة في أسبوع أفلام الحزام والطريق. والمهرجان بحد ذاته يعد دلالة على القوة التي وصلت إليها الصين سينمائيا، فالمهرجان يعد واحدا من أهم المهرجانات السينمائية في آسيا وقد استطاع استقطاب نجوم كبار في عالم السينما.

الأهم من هذا هو أنه نجح في أن يكون بوتقة سينمائية عالمية تنصهر فيها أفلام الدول المختلفة ومنها بالمناسبة أفلام من العالم العربي. ناهيك عن أنه تجاوز الحظر المفروض على السينما الروسية في المهرجانات الدولية الأخرى وأفسح المجال لمشاركة أفلام من روسيا. كما واكب المهرجان هذا العام افتتاح مدينة السينما الإعلامية التابعة لمجموعة الصين للإعلام.

على صعيد المنصات الرقمية، فإن الأفلام الصينية حاضرة حتى على صعيد أفلام الخيال العلمي مثل فيلم “الأرض المتجولة 2” (The Wandering Earth 2) من إخراج فرانت جو وإيرليندور سفينسون عام 2022 ويعرض على منصة “آبل بلس” (Apple Plus).

وتدور أحداث الفيلم حول خطر وشيك يحيق بأهل الأرض بعد إنذار بأن الشمس على وشك الاحتراق في أقل من 100 عام وكيف يتعاون البشر لبناء محركات هائلة لتدفع الأرض بعيدا عن النظام الشمسي الحالي. وهناك كم متنوع من الأفلام الصينية على منصة نتفليكس تتراوح موضوعاتها بين قصص الرومانسية والحركة والأساطير.

الفيلم الصيني "The Wandering Earth 2"
الفيلم الصيني “الأرض المتجولة The Wandering Earth 2) “2) (الجزيرة)

رغم هذه الثقافة السينمائية المنفتحة، فإن التوترات السياسية المتعاقبة بين الولايات المتحدة والصين انعكست على صناعة السينما الصينية، ما يعني أن الأمر ليس محصورا في النطاق الفني الثقافي أو الشق الاقتصادي وحسب.

فقد أنتجت الصين فيلم “ولد ليطير” (Born to fly) وهو فيلم إثارة وحركة يروي قصة نخبة من الطيارين في سلاح الجو الصيني والتدريبات التي يتلقونها والتحديات التي تواجههم ويتغلبون عليها للدفاع عن حدود الصين.

وقد أجرت وسائل إعلام أوروبية وأميركية مقارنة بين الفيلم وفيلمين آخرين من إنتاج هوليود هما “توب غن” (Top Gun) و”توب غن ميفريك” (Top Gun: Maverick). والفيلم الأخير بطولة الممثل الأميركي توم كروز الذي يقوم بدور طيار حربي لطائرة “إف 18″، وخلصت إلى أن الفيلم الصيني جاء لينافس هذين الفيلمين وليثبت حضور سلاح الجو الصيني في مواجهة الصورة السينمائية لسلاح الجو الأميركي.

Top Gun: Maverick
الفيلم الأميركي “توب غن ميفريك” (Top Gun: Maverick) (الجزيرة)

يمكن القول إن الحضور السينمائي الصيني متنوع ومكثف وممتد جغرافيا وفنيا، وهو ما يجعل هذه التجربة أبعد ما تكون عن التجارب المحلية الناجحة في دول آسيا فقط بل تتعدى ذلك لتصبح ظاهرة، خاصة أن هناك وعيا لدى الدولة الصينية بأهمية السينما وشواهد كثيرة توحي بالرغبة الصينية لأن تكون عملاقا سينمائيا على غرار حضورها الاقتصادي العالمي الطاغي.

Previous post رئيس مصلحة الضرائب: تقديم كامل الدعم والمساعدة للممولين للتييسير عليهم
Next post الإسماعيلى يضع برنامجا تأهيليا لتجهيز باهر المحمدى لمواجهة أسوان بالدورى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *