مقدمة الترجمة:
حققت الصين مؤخرا إنجازا مهما ضمن جهود الاستيطان البشري للفضاء، بعدما أعلنت أكاديمية العلوم الصينية بأن بذور الأرز قد حُصِدَت من المحطة الفضائية الصينية “تيانغونغ”. وتُعَدُّ زراعة الطعام خطوة ضمن جهود أكبر يبذلها برنامج الفضاء الصيني لإيجاد موطئ قدم على سطح القمر، وتحقيق السبق في المنافسة الفضائية مع الولايات المتحدة. يرصد بيتر سينغر وتوماس كوربيت في مقالهما المنشور بموقع “ديفنس وان” أهمية الإنجاز الصيني الجديد وتداعياته.
نص الترجمة:
“إن زرعت في أرض ما؛ فإنك بذلك قد استعمرتها رسميا”. جاءت هذه الكلمات على لسان شخصية “مارك واتني” في واحدة من أهم لحظات قصة “المريخي” (The Martian)؛ حينما تعلَّم رائد الفضاء المُحاصَر في النهاية كيف يحفظ نفسه على المدى الطويل، ويعزز قانونيا مطالبته بالكوكب. لقد بلغت الصين في الآونة الأخيرة محطة مهمة مماثلة في رحلة الاستيطان البشري للفضاء، وذلك مع إعلان أكاديمية العلوم الصينية بأن بذور الأرز قد حُصِدَت من المحطة الفضائية الصينية “تيانغونغ”. ويُمثِّل هذا الإنجاز خطوة عظيمة إلى الأمام، لا سيما بالنسبة إلى خطط الصين الأوسع بخصوص الاستيطان البشري الدائم للقمر، وما بعد القمر.
لقد جيء بمحاصيل المستقبل إلى الفضاء على هيئة بذور، وقضت هذه البذور نحو 120 يوما كي تنبُت وتنمو على متن المحطة الفضائية. وبالأخير طرحت المحاصيل بذورها، وأُعيدَت عينات البذور إلى مركز هندسة وتكنولوجيا تطبيقات الفضاء في العاصمة الصينية بكين، جزءا من المرحلة النهائية التي تصبو إليها مهمة “شنجو-14” إلى محطة الفضاء الصينية “تيانغونغ”. ويجري الآن تحليل المحاصيل والبذور الجديدة لتحديد صلاحيتها والآثار التي تمخضت عن دورة الحياة المكتملة لها في الفضاء.
برنامج الصين الفضائي
أتت زراعة الطعام في الفضاء بوصفها جزءا من جهود أكبر يبذلها برنامج الفضاء الصيني ضمن مساعيه لإيجاد قاعدة على سطح القمر. ورغم أن الصين انضمت إلى سباق الفضاء عام 1970 بإطلاقها القمر الصناعي “دونغ فانغ هونغ 1″، فإن أول رحلة فضائية أطلقتها بكين لم تأتِ إلا عام 2003. ولم تمضِ فترة وجيزة حتى وجهت الصين أنظارها صوب القمر، حيث أطلقت دورة استغرقت عاما ونصفا من نوفمبر/تشرين الثاني 2007 حتى أبريل/نيسان 2009.
بحلول عام 2011، دشَّنت الصين المرحلة الأولى من برنامج محطتها الفضائية “تيانغونغ 1”. وقد بلغت المحطة هدفها المَرجوّ بالاستيطان المداري المستمر في غضون أشهر قليلة فحسب من اكتمالها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وفي النهاية، سُتفضي المعلومات التي جُمِعت من محطة الفضاء المأهولة على الدوام، جنبا إلى جنب مع المحاصيل المزروعة فيها، إلى الخطوة القادمة في سباق الفضاء الجديد المتنامي بين الولايات المتحدة الأميركية والصين: أي الاستيطان البشري على القمر.
تطمح إدارة الفضاء الصينية الوطنية للشروع في بناء مستوطنة على سطح القمر بحلول عام 2028. وتقضي الخطة الصينية بهبوط المركبة الفضائية “تشانغ آه-7” (Change’e-7) على القطب الجنوبي للقمر في عام 2026 بُغية التنقيب عن المياه وغيرها من الموارد. في الأصل، كان من المفترض أن تواصل المركبة الفضائية التالية “تشانغ آه-8” التنقيب الذي قامت به “تشانغ آه-7″، وأن تجد أفضل موقع لمحطة أبحاث القمر الدولية في القطب الجنوبي للقمر بحلول عام 2028. ومع ذلك، من الواضح أن الجدول الزمني قد سُرِّع العام الماضي، وبأن “تشانغ آه-8” قد بدأت الآن في عملية البناء الأولية للمنشأة وإثبات جدواها.
سباق ناسا والوكالة الصينية
يتضح أن الجدول الزمني المضغوط جاء استجابة لخطط وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” للعودة إلى القمر، فمن المقرر أن تهبط رحلة “أرتميس 3” على سطح القمر بحلول نهاية عام 2025، التي تحمل على متنها أول رائدة فضاء امرأة وأول رائد فضاء مُلوَّن (غير أبيض). ولاحقا، تطمح ناسا وشركاؤها الدوليون إلى تأسيس محطة البوابة القمرية في مدار القمر، لتكون هذه المحطة بمنزلة نقطة انطلاق تُستخدَم لنقل الأفراد إلى قاعدة القمر التابعة لناسا، أو معسكر قاعدة أرتميس كما سيُعرَف.
من المقرر أن تتخذ القاعدتان الأميركية والصينية من القطب الجنوبي للقمر مقرا لهما، إذ يُفترض وجود جليد مائي متجمد هناك، الذي يُعَدُّ موردا أساسيا للاستيطان الدائم. ونتيجة لمكثه قرابة 200 يوم في مواجهة الشمس، فإنه يشهد كذلك درجات حرارة أكثر استقرارا مقارنة بأجزاء أخرى من القمر، كما تسمح أشعة الشمس بتوليد ثابت للطاقة الشمسية. كل هذه المزايا تجعل هذا الموقع إستراتيجيا وذا قيمة لإنشاء قاعدة مستقبلية على القمر، كما تجعله موقعا محتملا لمنافسة جديدة.
إن إنشاء مستوطنة دائمة على القمر أمر منشود لأسباب عدة؛ أولها أن القمر يحتوي على كميات هائلة من عنصر الهيليوم-3، الذي يتعسَّر إيجاده على الأرض ويُعتقد أنه سيكون عظيم النفع لمفاعلات الاندماج النووية المستقبلية. وثانيها أن وكالات الفضاء ترغب في وجود قاعدة قمرية كي تكون موقعا تُختبر فيه التقنيات الجديدة، التي يمكن استخدامها في النهاية لاستيطان المريخ، حيث يستغرق السفر إلى القمر ثلاثة أيام، مقارنة بسبعة أشهر يحتاج إليها السفر إلى المريخ. وفي حال واجهتهم مشكلة أو لم تعمل تقنية ما كما ينبغي لها، فإن القيام بعملية إنقاذ ناجحة على القمر سيكون أيسر بكثير. وثالثها أن القاعدة القمرية ستكون نقطة انطلاق لتعدين الكويكبات من أجل استخراج معادن الأرض النادرة.
يظل سباق الفضاء الجديد هو السبب النهائي بطبيعة الحال. وقد قُدِّرت ميزانية الفضاء الصينية بـ10.8 مليارات لعام 2013، ما جعلها في المرتبة الثانية ضمن الدول الأعلى ميزانية عالميا في هذا المجال (بعد الولايات المتحدة). ويُعَدُّ البرنامج الفضائي الصيني مصدر فخر وطني عظيم، كما يحظى باهتمام وإرادة سياسية كبيرَيْن من أبرز قادة البلاد. وينطبق هذا بالأخص منذ عام 2011، حين حظر الكونغرس الأميركي وكالة “ناسا” من العمل مع وكالات الفضاء الصينية بعد سلسلة من عمليات الكشف عن التجسُّس لصالح الصين. ومنذ ذلك الحين، بذلت الصين جهودا مُضاعفة للعثور على شركاء دوليين، وتوقيع اتفاقيات تعاون، وبناء برنامجها الخاص.
ورغم أن الصين راكمت خبرة في مجال الفضاء، فإن الجدول الزمني المتسارع فرض ضغوطا أكبر على إدارة الفضاء الوطنية الصينية، وقد يدفعها إلى اتخاذ خطوات أخرى قبل الانتهاء من تجهيز البرامج بصورة كاملة. ويواجه استكشاف الصين لكوكب المريخ بعض العقبات بالفعل، حيث تعطَّلت مركبة “جورونغ” الجوَّالة على سطح المريخ، ويُحتمَل أن تتوقف عن العمل. وبصرف النظر عن ذلك، فإن الصين قد خَطَت خطوة صغيرة بإنجازها الأخير فيما يتعلق بالزراعة، وهي خطوة بمنزلة قفزة عملاقة في تطلُّعاتها الفضائية طويلة الأمد.
——————————————————————————————————————-
هذا المقال مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
ترجمة: كريم محمد.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.