حذّر “برنامج الأغذية العالمي” من أن العنف الدائر في السودان يمكن أن يسبب أزمة إنسانية في كامل منطقة شرق أفريقيا، فيما أعلنت الأمم المتحدة أن أمينها العام قرر إرسال منسق الشؤون الإنسانية مارتن غريفيث “فورا” إلى المنطقة في ضوء تدهور الأوضاع في السودان.
يأتي ذلك فيما تستمر المعارك بالأسلحة الثقيلة والخفيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومناطق سودانية أخرى، رغم إعلان الطرفين موافقتهما على تمديد الهدنة السارية 72 ساعة إضافية.
وقال الجيش السوداني -في بيان له الأحد- إنه وافق على تمديد الهدنة مع قوات الدعم السريع 3 أيام، بدءا من موعد انتهاء سريان اتفاق وقف إطلاق النار الحالي منتصف ليلة الأحد، وذلك بناء على وساطة أميركية سعودية.
وأضاف “على الرغم من رصدنا لنوايا المتمردين بمحاولة الهجوم على بعض المواقع، فإننا نأمل أن يلتزم المتمردون بمتطلبات تنفيذ الهدنة”.
كما أعلنت قوات الدعم السريع -في بيان لها- تمديد الهدنة الإنسانية 72 ساعة، استجابة لما وصفتها بنداءات دولية وإقليمية ومحلية، بهدف فتح الممرات الإنسانية وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين وتمكينهم من قضاء احتياجاتهم والوصول إلى مناطق آمنة.
وقال البيان إن قوات الدعم السريع تجدد التزامها الصارم بالهدنة الإنسانية المعلنة، والوقف الكامل لإطلاق النار، رغم الخروق المستمرة من قبل من وصفتها بـ”القوات الانقلابية” التي ظلت تهاجم مواقعها ومعسكراتها.
وكانت الآلية الثلاثية في السودان -والتي تضمّ الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية لتنمية وسط وشرق أفريقيا (إيغاد)- قد دعت كلا من رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى تمديد آخر لوقف إطلاق النار 3 أيام.
نقطة الانهيار
إنسانيا، أعلنت الأمم المتحدة أن أمينها العام قرر إرسال منسق الشؤون الإنسانية مارتن غريفيث بشكل فوري إلى المنطقة، في ضوء تصاعد الأزمة في السودان.
وجاء في بيان لستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن حجم وتسارع وتيرة الأحداث غير مسبوق، معربا عن قلق المنظمة من التأثير الفوري والطويل الأمد على السودان والمنطقة.
وحثّ البيان أطراف النزاع على حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، والسماح بمرور المدنيين الفارين من مناطق القتال واحترام العاملين في المجال الإنساني والطبي.
كما قال غريفيث إن الوضع الإنساني في السودان وصل إلى نقطة الانهيار، مؤكدا أن الحل الواضح للأزمة السودانية هو وقف القتال.
وقد حذّر “برنامج الأغذية العالمي” من أن العنف في السودان يمكن أن يسبب أزمة إنسانية في منطقة شرق أفريقيا كلها.
وقال مدير المنظمة في ألمانيا مارتين فريك إن هناك نقصا في كل شيء، كما ارتفعت أسعار الغذاء بصورة كبيرة، مشيرا إلى أن ثلث سكان البلد كانوا يعانون الجوع بالفعل قبل اندلاع الاشتباكات.
وأضاف أن الأسعار ارتفعت في جنوب السودان بما يصل إلى 28% خلال فترة قصيرة، وأن زيادات مماثلة في الأسعار سُجلت في تشاد.
وأكد فريك أن ارتفاع الضغط على إمدادات الأغذية، بسبب مواسم الأمطار السيئة، يزيد الأزمة سوءا في منطقة القرن الأفريقي.
إمدادات
في سياق متصل، قالت الناطقة الرسمية للصليب الأحمر إليونا سيننكو -في مقابلة مع الجزيرة- إن طائرة تابعة للمنظمة هبطت في مطار بورتسودان، وعلى متنها 8 أطنان من المواد الطبية.
وانطلقت شحنة من المواد الطبية المنقذة للحياة الأحد من العاصمة الأردنية عمّان إلى بورتسودان، ضمن عمليات الطوارئ التي تنفذها اللجنة الدولية للصليب الأحمر عقب اندلاع النزاع في السودان.
وتضمّ الشحنة معدّات جراحية لدعم المستشفيات السودانية ومتطوعي جمعية الهلال الأحمر السوداني الذين يقدمون الرعاية الطبية لجرحى المواجهات المسلحة.
لاجئون
على صعيد آخر، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأحد أن نحو 6 آلاف شخص، معظمهم نساء، فروا من السودان إلى جمهورية أفريقيا الوسطى خلال أسبوعين جراء الاشتباكات.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قد أعلن الخميس أن نحو 3 آلاف شخص دخلوا البلد من السودان، وهم يعيشون في “مخيمات عشوائية” قرب بلدة أم دافوق الحدودية.
وأضاف “لقد تعطلت التجارة بين السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى بشدة، مما أدى إلى زيادة حادة في أسعار الضروريات الأساسية”، في حين أن “120 ألف شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية” في شمال أفريقيا الوسطى.
معارك مستمرة
ميدانيا، قال مراسل الجزيرة إن الطيران الحربي قصف رتلا للدعم السريع عند مدخل مدينة أم درمان غربي الخرطوم، كما قصف مواقع للدعم السريع في منطقة “أبو سعد” جنوبي أم درمان.
وكان مراسل الجزيرة قال إن طائرات سلاح الجو حلقت صباح اليوم الأحد في شَمْبات شمالي الخرطوم بحري، وإن قوات الدعم السريع تصدت لها بأسلحة مضادة للطائرات، بينما شهد محيط القصر الجمهوري -في اليوم الثاني للهدنة الخامسة- مواجهات متفرقة وتبادلا لإطلاق.
وقال الجيش السوداني إنه دمر أرتالا للدعم السريع قرب منطقة الزريبة بولاية شمال كردفان، وفي منطقتي المويلح وفَتّاشة غربي أم درمان.
وأضاف الجيش أن قواته تواصل رصد أرتال متحركة من الغرب إلى العاصمة، مما يؤكد استمرار من وصفه بـ”العدو” في انتهاك الهدنة.
وكشف الجيش أن من سماهم المتمردين حولوا “مستشفى شرق النيل” إلى ثكنة عسكرية مدججة بالسلاح ومركز قيادة للعمليات.
واتهم الجيش -في بيان أصدره- قوات الدعم السريع بمواصلة القصف العشوائي، والاستمرار في نهب الممتلكات العامة والخاصة بما فيها البنوك.
إجلاءات جديدة
وبالتوازي مع استمرار المعارك، تتواصل عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من السودان، حيث أعلنت القنصلية الروسية في جدة أن السعودية أجلت عددا من المواطنين الروس إلى المدينة على متن سفينة عسكرية.
وكانت الخارجية السعودية قد قالت -في بيان لها- إنها أجلت من السودان 5197 شخصا من 100 دولة، منذ بدء عمليات الإجلاء.
وقد وصلت إلى قاعدة الملك فيصل البحرية السفينة “الدرعية”، وعلى متنها 52 من رعايا دول عدة، في الرحلة الثالثة عشرة للأسطول البحري السعودي.
كما وصلت صباح الأحد إلى ميناء جدة الإسلامي سفينة إجلاء هندية قادمة من السودان، وعلى متنها 288 شخصا.
وأعلنت الخارجية الإيرانية بدورها عودة جميع المواطنين الإيرانيين الذين كانوا يقيمون في السودان إلى البلاد.
وأشارت الوزارة إلى إجلاء 56 مواطنا إيرانيا من الخرطوم خلال الأيام الماضية، حيث نُقلوا إلى ميناء جدة السعودي ومنه إلى العاصمة الإيرانية طهران.
كما أكدت وكالة الأنباء الإماراتية وصول طائرة إجلاء ثانية من السودان إلى الإمارات مساء الأحد، وعلى متنها 136 راكبا إماراتيين ودبلوماسيين ورعايا من 9 دول لم تحددها.
وكانت طائرة إجلاء إماراتية أولى وصلت السبت الماضي إلى الإمارات، “تقل عددا من المواطنين ورعايا 16 دولة”، وفق المصدر.
كما أفادت الخارجية المصرية -في بيان لها مساء الأحد- بأن “خطة إجلاء المواطنين المصريين المتواجدين في السودان أسفرت عن إجلاء 6960 مواطنا مصريا”.
وأضافت “نجحت جهود الدولة، السبت والأحد، في إعادة 561 مواطنا مصريا بالسودان من خلال المعابر البرية بين مصر والسودان”.
كما وصل إلى مطار مقديشو الدولي، مساء الأحد، 150 مواطنا صوماليا من العالقين في السودان، وفق ما ذكره وزير خارجية الصومال أبشر عمر جامع، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة الصومالية.
وأوضح عمر جامع أن الحكومة الصومالية “تمكنت الأحد عبر طائرتين من إجلاء 150 مواطنا كانوا عالقين بين الحدود السودانية والإثيوبية.. وأن أكثر من 250 مواطنا وصلوا حتى الآن إلى حدود دولة جنوب السودان وإثيوبيا، وسيتم نقلهم إلى البلاد في اليومين المقبلين”.
رعايا أميركيون
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية الأحد أن نحو ألف مواطن أميركي تمكنوا من مغادرة السودان بتسهيل من الحكومة الأميركية، منذ بدء المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقال المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميلر إنه “في إطار جهد متعدد الجنسيات، قامت الحكومة الأميركية بمعية حلفائها وشركائها، بتسهيل مغادرة زهاء ألف مواطن أميركي من السودان منذ بدء أعمال العنف”.
وأضاف أن قافلة ثانية نظمتها الحكومة الأميركية وصلت الأحد إلى مدينة بورتسودان، وسيتمكن من على متنها من الانتقال إلى دول أخرى -خصوصا السعودية- عبر البحر الأحمر.
وكانت واشنطن أعلنت أول أمس السبت أن قافلة أولى تضم أميركيين وموظفين محليين ومواطنين من دول حليفة، وصلت إلى بورتسودان مع استمرار عمليات إجلاء الرعايا الأجانب.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.