الجلوس لساعات طويلة يمكن أن يقتلك.. أطباء من هارفارد يقدمون لك نصائح للتغلب على الأمر


مقدمة للترجمة

الكثيرون منا يجلسون لفترات طويلة، في مرحلة عمرية ما نفعل ذلك لأجل استذكار دروسنا، وبعدها نفعل ذلك في أعمالنا، ويوما بعد يوم يزداد عدد الوظائف التي تضطر الإنسان للجلوس من أجل العمل، مثل وظائف كتابة المحتوى والبرمجة وغيرها من وظائف عالم التقنية، لكن هذا السلوك له عواقب صحية وخيمة بحسب الأبحاث الطبية المعاصرة، لهذا السبب لجأنا إلى هايدي جودمان من “هارفارد هيلث ليتر”، لتنقل لنا بعض النصائح من خبراء الطب حول كيفية التعامل مع هذه المشكلة.

نص الترجمة

لم يعد يخفى على أحد التبعات الخطيرة لفترات الجلوس المطول للعمل. تشير الأبحاث دائما إلى أن نمط الحياة الخامل (خاصة فترات الجلوس الطويلة دون أي حركة) مرتبط بمخاطر أعلى تشمل أمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض السكر والسرطان وضمور المخ والعضلات، وقد تعترينا آلام الظهر، وربما يكون الجلوس طويلا سبيلنا إلى الموت المبكر.

بغض النظر عما إذا كنت تجلس كثيرا جرّاء العمل، أو السفر، أو نتيجة لما يتسلل إليك من شعور بالإرهاق أو المرض، أو حتى لمجرد الاسترخاء، فإن جلوسك لفترات طويلة عادة سيئة تجر وراءها كوارث أشد إيلاما. لذا فالأفضل لصحتك هو أن تظل نشيطا طوال اليوم (بالنهوض من مكانك والتحرك كل 30 دقيقة إن أمكن)، لكن إن لم يكن ثمة سبيل إلى ذلك، فها هي بعض الخطوات البسيطة التي يمكن أن تتبعها وقت جلوسك ليغدو وقتك مفعما بالنشاط والصحة.

تحدَّ عقلك

إلى أن الأفراد الذين يتسمَّرون تحت وطأة الجلوس طويلا أمام التلفاز هم أكثر عُرضة لخطر الإصابة بالخرف من الأفراد الذين تكتنفهم دوامة من العمل المستمر أمام أجهزة الحاسوب. (بيكسلز)

إحدى الطرق التي قد تجعل وقت جلوسك مفعما بالصحة هي الحفاظ على عقلك يقظا. يقول الدكتور أندرو بودسون، رئيس قسم علم الأعصاب الإدراكي والسلوكي في نظام بوسطن للرعاية الصحية بولاية فيرجينيا: “حينما يدخل الدماغ في حالة يقظة، تنشط الخلايا العصبية هي الأخرى بقوة وتُشكِّل أواصر جديدة بين الخلايا، ويتحول عدد أكبر من هذه الروابط إلى مخزون احتياطي من الخلايا التي تلعب دورا مهما في مواجهة اللويحات والتشابكات المُسببة لمرض الزهايمر” (وهي تراكمات غير طبيعية للبروتينات تعمل على إتلاف مناطق الذاكرة في الدماغ بمرور الوقت).

إن الأنشطة السلبية (التي تنطوي على نشاطات كسولة) كمشاهدة التلفاز لها تأثير معاكس على الدماغ. لتأكيد ذلك يقول الدكتور بودسون: “في تلك الأوقات، تنشط الخلايا العصبية بدرجة ضعيفة، ولا تُشكِّل أي روابط جديدة. لذا تشير أدلة متزايدة إلى ضرورة التعامل مع الدماغ من منطلق إما أن تستعمله وإما ستخسره”. فمثلا توصلت دراسة كبيرة نشرتها “مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم” (the Proceedings of the National Academy of Sciences) في 22 أغسطس/آب عام 2022 إلى أن الأفراد الذين يتسمَّرون تحت وطأة الجلوس طويلا أمام التلفاز هم أكثر عُرضة لخطر الإصابة بالخرف من الأفراد الذين تكتنفهم دوامة من العمل المستمر أمام أجهزة الحاسوب بغض النظر عن مستويات نشاطهم البدني. وهذا لا يعني أن مشاهدة التلفاز أمر غير صحي بقدر ما يعني أن شاشة التلفاز لا تُقدِّم لعقولنا الكثير بحيث تحفزها على الانخراط والتفاعل.

للحفاظ على إبقاء ذهنك يقظا أثناء فترات جلوسك، سيكون عليك في بعض الأحيان إطفاء التلفاز والاتجاه إلى أشياء أخرى يمكنها توسيع آفاقك، كأن تقرأ كتابا عن موضوع جديد، أو تستمع إلى أنواع جديدة من الموسيقى، أو تتعلم لغة جديدة. يمكن للعديد من تطبيقات الهواتف المجانية أن تساعدك لتبدأ في ذلك، وقد تعيد هذه الفكرة إحياء أفكار أخرى، كأن تجتمع مع أصدقائك لتلعبوا بعض الألعاب المعتمدة على التلاعب بالكلمات، سواء بالورقة والقلم أو على أحد التطبيقات، لقضاء بعض الأوقات المتحررة من ضغوطات الحياة. وعن ذلك يقول الدكتور بودسون ناصحا: “لا تكرر الألعاب ذاتها لفترة طويلة، بل استمر في تحدي عقلك”.

لكي تخفف من وقع معاناة الجلوس لفترات طويلة، حاوِل اكتشاف هواية جديدة تُفعم وجدانك وتكون مناسبة للجلوس في مكان واحد لفترات طويلة. (بيكسلز)

الخطوة التالية هي ممارسة نشاط على الورق أثناء جلوسك. اكتب لأحد الأصدقاء، أو اكتب قصة لأحفادك، ارسم صورة ولوِّنها، واستخدم الألوان المائية في الرسم. ليس ضروريا أن تكون الرسمة مثالية لتتمكن من الفوز بجائزة ما، كل ما هنالك أن الهدف الرئيسي لهذه التمارين هو السماح لإبداعك بالتدفق. لذا لكي تخفف من وقع معاناة الجلوس لفترات طويلة، حاوِل اكتشاف هواية جديدة تُفعم وجدانك وتكون مناسبة للجلوس في مكان واحد لفترات طويلة، كالحياكة، أو الكروشيه، أو التطريز، أو بناء مجسمات، أو تصنيع مشغولات جلدية مطعمة بفنون التطريز، وستجد الكثير من معدات البدء اللازمة لهذه الهوايات متاحة على الإنترنت.

اذهب إلى زيارة بعض الأصدقاء، هذا ما ينصح به الدكتور بودسون بقوله: “التواصل المباشر أو التفاعلات وجها لوجه، حتى أثناء الجلوس فقط، تشغل الدماغ وتحفزه على التفاعل والانخراط، كما تعزز نمو روابط جديدة بين خلايا المخ”. ولكي تنجاب عنك هذه الأوقات التي تكابدها وحدك، يمكنك أيضا صنع بعض الموسيقى، اعزف على آلة موسيقية إذا كنت تملك واحدة، أو تعلَّم أغنية جديدة، أو ابتكر أغنيتك الخاصة حتى وإن كانت قصيرة. والأهم من ذلك هو التأكد من تنوع الأنشطة التي تمارسها أثناء جلوسك على الكرسي أو على الأريكة. ومن جانبه، يقول الدكتور بودسون: “إن التحديات المختلفة، خاصة الجديدة منها، هي خير وسيلة لتحفيز الدماغ على أن يبذل في سبيلها جهدا أكبر، فيحافظ بذلك على صحته ونشاطه”.

مرِّن جسدك أثناء جلوسك

ثمة طريقة أخرى لجعل أوقات جلوسك مفعمة بالصحة والنشاط. قد تعتقد أنه لا يمكنك ممارسة بعض التمارين ما دمت جالسا، لكن ذلك ليس صحيحا، إذ يمكنك حتى أثناء جلوسك ممارسة بعض تمارين “الأيروبيك” (Aerobic Exercise)، وهي مجموعة من التمارين والأنشطة التي تحفز القلب والرئتين على العمل (بزيادة معدلات التنفس ومعدل ضربات القلب).

(بيكسلز)

لتأكيد ذلك تقول جانيس ماكغريل، أخصائية العلاج الطبيعي في مستشفى سبولدينج لإعادة التأهيل التابع لجامعة هارفارد: “إذا أطلقت العنان لذراعيك وساقيك للقيام بسلسلة من الحركات الدائرية في الهواء، أو سمحت لقبضتك بأن تمتد على هيئة لكمة في الهواء، أو قررت رفع ساقيك من وقت لآخر وأنت جالس، أو حرّكتهما على هيئة خطوات، فسيزيد ذلك من معدل ضربات القلب وتدفق الدم. غير أن السر الحقيقي يكمن في الحفاظ على هذه التمارين البسيطة لمدة 10 أو 20 أو 30 دقيقة”.

ربما يُحيلنا ذلك كله إلى تساؤل أهم: ما العوامل التي قد تجعل تمارين “الأيروبيك” على سبيل المثال فعالة أثناء فترات جلوسنا؟ للإجابة عن هذا السؤال تقول ماكغريل: “أي شيء قد يحفزك على الحركة أثناء جلوسك يكون فعالا، كأن تمارس تمارين الجمباز أو الملاكمة وأنت جالس، فضلا عن بعض التمارين المُخصصة للرقص البسيط أو تحريك جسدك على أنغام الموسيقى أثناء جلوسك”.

يمكنك أيضا أداء تمارين تقوية العضلات باستخدام الأوزان (الدمبلز) لتمرين عضلة الذراع (أو المعروفة بعضلة البايسبس “Biceps”)، أو استخدام حبال المقاومة لأداء تمرين التجديف (وهو تمرين لتقوية عضلات الظهر العلوية، وتحسين وضعية الجسد عن طريق لف أحد طرفي حبل المقاومة حول القدم لتثبيت الحبل، بعدها يُسحَب الحبل للخلف في وضعٍ مستقيم باستخدام المِرفَقين، كما لو كنت تمارس التجديف).

على الجانب الآخر، يمكن اللجوء أيضا إلى التمارين المعتمدة على وزن الجسم (كرفع الساق لمدة خمس ثوانٍ). تلعب هذه التمارين دورا في تقوية عضلاتك، وتساعدك في معرفة مدى سرعة حرق جسمك للوقود (الدهون والسعرات الحرارية). وتنضم إلى هذه القائمة تمارين أخرى يمكن ممارستها أثناء الجلوس، على غرار تمارين التمدد (الاستطالة) لشد العضلات الرئيسية في الجسم، كالعضلات الموجودة في الرقبة والكتفين والذراعين والساقين، إذ تساعد هذه التمارين على إبقاء العضلات مرنة وأقل عُرضة للإصابة.

يمكنك الاستعانة باليوتيوب للبحث عن دروس تدريبية يمكن ممارستها أثناء فترات الجلوس الطويلة. (بيكسلز)

بغض النظر عن نوع التمارين التي تمارسها، سواء كانت أيروبيك، أو تمارين لتقوية عضلاتك، أو تمارين التمدد، فجميعها مفيدة وتساعد أجسادنا على التمتع بصحة جيدة، كما أنها تقي من الأمراض المزمنة (كأمراض القلب وارتفاع السكر وضغط الدم)، وتحافظ على قوة عضلاتك وعظامك، وتحسّن التوازن، وتساعد على التحكم في الوزن والتقلبات المزاجية، كما تساعد على النوم بصورة أفضل، فضلا عن دورها في حماية عقلك. وعن ذلك يقول الدكتور بودسون: “يتمخض عن هذه التمرينات الرياضية زيادة في نمو خلايا دماغية جديدة، كما أنها تواصل سعيها في تقوية الذاكرة، وتحسين تدفق الدم إلى الدماغ”.

يمكنك الاستعانة باليوتيوب للبحث عن دروس تدريبية يمكن ممارستها أثناء فترات الجلوس الطويلة. ابحث عن نوع التمرين الذي قد يثير اهتمامك، وتأكد مما إذا كانت هناك نسخة يمكن ممارستها أثناء جلوسك، ومن الأفضل بالطبع أن تستقي معلوماتك من مصادر موثوقة مثل جامعة، أو برنامج للصحة واللياقة البدنية بالمشاركة مع مركز للرعاية الطبية، أو من مدرب شخصي معتمد، أو أخصائي للعلاج الطبيعي.

في نهاية المطاف، لكي تتمكن من أداء أي نوع من التمارين أثناء جلوسك، كل ما عليك فعله هو أن تتبع النهج الدقيق نفسه الذي تتبناه في أي تمرين وأنت واقف. تختتم ماكغريل نصائحها عن ذلك قائلة: “استخدم كرسيا ثابتا، مثل الكرسي الذي تجلس عليه أثناء تناولك للطعام، وارتدِ جوارب وأحذية رياضية لحماية قدميك، ثم ابدأ بإحماء بسيط من خلال حركات بطيئة لبضع دقائق قبل التمرين، ثم مارس تمارينك بصورة طبيعية، لكن قبل الانتهاء منها، احرص على أن تتبنى من جديد وتيرة بطيئة لتختتم بها تمارينك”. وأخيرا، تذكَّر أن أفضل تمرين هو الذي ستمارسه بانتظام. لذا، حاول أن تواظب أسبوعيا على 150 دقيقة من تمارين “الأيروبيك”، ومرتين على الأقل في الأسبوع من تمارين التمدد وتقوية العضلات للتخفيف من وطأة ساعات جلوسنا الطويلة.

__________________________________________

ترجمة: سمية زاهر

هذا التقرير مترجم عن Harvard Health Publishing ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post تنمية الصعيد: تنفيذ 27 مشروعا خلال العام المالى الحالى بتكلفة 400 مليون جنيه
Next post ميار شريف تخسر من المصنفة 25 عالميا في بطولة رولان جاروس للتتس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading