هل تظهر عليك أعراض قلق وحزن قبل عيد ميلادك؟ أم تفكر في حياتك ولا تشعر برضا؟ أم تفضل اجترار الماضي والانشغال بالأهداف التي لم تحققها، مثل الزواج والإنجاب، من دون النظر إلى النعم الأخرى؟
ربما أنت مصاب برهاب الوقت أو “كرونوفوبيا”، ويعني الخوف الشديد من مرور الوقت، ويمكن أن يسبب قلقا أو اكتئابا أو سلوكيات وسواسية، مثل حساب الأيام.
يعتقد أن ذلك الرهاب يصيب عادة مسجونين، أو مرضى، أو كبار السن، أو مصابين باضطراب بالقلق العام، لكن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أكدت أن غالبية كبار السن لا يعانون القلق، حيث تتراوح بعض تقديرات القلق الشديد لدى كبار السن بين أقل من 1% إلى نحو 5%.
كما أن تقرير عيادات “كليفلاند” لفت إلى أن البشر طوروا رهابا من المستقبل بعد الحجر الصحي.
رهاب انعدام اليقين
يقضي البشر كثيرا من الوقت في التفكير في ما لا يدور حولهم: في الماضي، أو في المستقبل، أو ما لن يحدث على الإطلاق، حتى تأكد العلماء من أن شرود الذهن يعد الوضع الافتراضي لعمل الدماغ.
لكن مجلة “الرابطة الأميركية لتقدم العلوم” (AAAS) نشرت نتائج دراسة بعنوان “عقل حائر غير سعيد” أجراها باحثان من جامعة هارفارد. وصمم الباحثان تقنية لتسجيل عينات من أفكار الأشخاص ومشاعرهم وسلوكياتهم المتكررة، وجمعوا ربع مليون عينة من 5 آلاف شخص في 83 دولة، ووجد الباحثان أن الأشخاص يفكرون في ما لم يحدث بقدر تفكيرهم في ما يحدث، وذلك ما يشعرهم بالتعاسة، فينشغلون بالغد والفرص الضائعة بدلا من الامتنان للوضع الحالي.
واستعان تقرير لصحيفة “الغارديان” (The Guardian) بشرح مبسط قدمه كيفن تشابمان، المتخصص في اضطرابات القلق والبالغين والمراهقين، للفرق بين القلق الطبيعي واضطراب القلق من المستقبل، فإذا شعرت بقلق عند التفكير في مستقبلك، واستمر ذلك القلق ساعات، وانتهى، فقلقك طبيعي، أما إذا واجهت صعوبة في تشتيت عقلك عن التفكير في سيناريوهات سوداوية، فأنت مصاب باضطراب القلق العام، ذلك الاضطراب الذي حدده “المعهد الوطني للصحة العقلية” (NIMH) بـ6 أشهر من القلق، وصعوبة في التحكم فيه، وتضرر جوانب الحياة الاجتماعية والمهنية.
وأكد تشابمان أن الناضجين الجدد، من نهاية العشرينيات حتى بداية الثلاثينيات، قلقون بشكل استثنائي اليوم أكثر مما كانوا عليه قبل ذلك، نتيجة عدم تسامحهم مع اللايقين، وشعورهم بأن مستقبلهم صار أكثر غموضا.
وتناول التقرير أيضا مؤشرات اضطراب القلق العام عالميا، وفق العمر، لعام 2019، أي قبل أزمة كوفيد-19، فمع أن احتمالات التعرض للقلق ترتفع وتنخفض، إلا أن السنة الأولى بعد سن الـ30 تعد العمر النموذجي الذي يظهر فيه اضطراب القلق العام المتعلق بمرور الوقت، وتعد الفئة العمرية بين 29 و49 سنة هم الأكثر عرضة للإصابة باضطراب القلق العام.
أزمة ربع العمر
تتماشى معدلات القلق مع ظاهرة “أزمة ربع العمر” التي يعانيها أشخاص عدة في سن الـ20 والـ30، نتيجة تعرضهم لضغط المقارنة مع نظرائهم.
ووضح تقرير آخر نشرته مجلة “هارفارد بيزنس ريفيو” نتائج دراستين مستقلتين أكدتا أن شباب اليوم يعانون أزمة نفسية أكبر من الأجيال السابقة، حيث انخفض متوسط عمر المكتئب إلى منتصف العشرينيات، بعدما كان بين أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات قبل 30 عاما.
وتنتج “أزمة ربع العمر” عن عوامل مختلفة، فربما تبدأ مع محاولات الفرد إثبات اكتمال نضجه في سن الـ20 والـ30، في حين يرسل له مجتمعه رسائل مختلطة، ويقلل من قيمة إنجازاته الشخصية أو المهنية، لو لم يتزوج أو ينجب طفلا بعد، ليبقى محاصرا في مرحلة التظاهر بالنضج.
وقد تأتي تلك الأزمة نتيجة حاجة الفرد تغيير خطته، بعد مواجهته أزمة أطاحت بمشاعر الاستقرار التي عاشها في علاقة زواج، أو وظيفة مستقرة، أو ربح ثابت.
وربما تستمر تلك العملية لسنوات، أو تكرر نفسها، فقد رصد محللو البيانات في تطبيق الصحة العقلية، “هابيفاي” (Happify)، مؤشرات نفسية لنحو 88 ألف مشاركا، ووجدوا أدلة على تصاعد أزمة ربع العمر في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من العمر، ثم ارتفاع مستويات الإجهاد النفسي خلال الثلاثينيات والأربعينيات، وتبقى ثابتة لمدة 20 عاما تقريبا، ثم تنخفض بحدة مع اقتراب سن التقاعد.
كيف تتقبل الحاضر؟
تغذى على الإيجابية: إن قلقك الشديد من احتمال ضياع سنوات عمرك قد يقضي على أفراح الحياة العابرة، لذلك، عليك تبني عقلية مختلفة، فبدلا من التركيز على تقدم عمرك، ركز على الاكتشافات والتجارب الجديدة، واستبدل أفكارا مثل، “ستظهر تجاعيد مع تقدمي في العمر” بعبارة “سأستمر في التعلم مع تقدمي في العمر”.
تحكم في حياتك: لا يمكننا التحكم في الوقت، لكن يمكنك التحكم في عوامل تساعدك على تحقيق أهداف ذات مغزى مثل جدولك اليومي.
عش اللحظة: تعلمنا اتجاهات فلسفية عدة أن السعادة تكمن في عيش الوقت الحالي، لذلك درب عقلك على “أن يكون هنا الآن”، خلال أوقات التأمل اليقظ.
تأقلم: يُعزى السلام النفسي الذي يحدث بعد أزمة ربع الحياة إلى مجموعة مهارات، مثل: المرونة النفسية، وتنظيم عواطفنا وتخفيفها، أو نبذها بدلا من السماح لها بالسيطرة، كما نضع الأمور في نصابها، ونؤمن بأنفسنا أكثر، وندرك أن المشاعر التي تخترق صدورنا أحيانا تكون مؤقتة، ولا ينبغي أن تستهلكنا، وبالرغم من أنها مؤلمة، فإنها فرصة نادرة للنضج، وربما تخرج منها شخصا آخر، قادرا على عيش حياة أكثر سعادة وأكثر جدوى.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.