مراكش- تقف الطفلة أميمة شرف -ذات الـ13 ربيعا- بشموخ أمام جمهورها وهي تلقي قصيدة شعرية أبدعتها في لحظة تأمل في الطبيعة، بينما يتابع حركاتها بإعجاب لا تخطئه العين الكاتب والأديب عبد الله درقاوي الحاصل على جائزة المغرب “للكتاب الموجه للطفل والشباب”.
تتحدث عن طائر أتعبه التحليق في سماء هجَرتها السحب الممطرة، وعن جبل عارٍ بلا ثلوج يبكي في حرقة بلا دموع، في قصة صاغتها في قالب شعري وحولت كلماتها إلى مشهد درامي.
تقول أميمة بلغة عربية فصيحة ممزوجة بلكنة أمازيغية -في حديثها للجزيرة نت- إن “محاولة الكتابة تحرر قدراتي على التخييل؛ ذهني يتلقف الكلمات من هنا وهناك، يحاول نسج نصوص وخواطر بمشاعر جياشة”.
تأثير الشعر
في يوم ربيعي، تحولت قرية بمنطقة تيدلي مسفيوة بإقليم الحوز، الواقعة بسفوح جبال الأطلس الشاهقة في ضواحي مدينة مراكش، إلى محج أكثر من 100 يافع ويافعة، لتأثيث فضاء ورشة للكتابة الشعرية.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول عبد الحق ميفراني مدير دار الشعر بمراكش -التي تشرف على مبادرة “ملتقى حروف” في موسمه السادس- “نشعر أن هؤلاء البراعم شعراء قادمون إلى المستقبل، يكتبون بشغف ظاهر، ويصقلون مواهبهم الذاتية بما تلقوه من مسوغات نظرية”.
من جهته، يعتبر درقاوي في حديث للجزيرة نت أن “الشعر هو الأكثر قدرة على التأثير في النفس، بالأوزان والإيقاع الموسيقي، وجمال الألفاظ، وروعة الأسلوب، وعندما يأتي من ناشئ بقلب ناصع، فإن التأثير يكون أقوى”.
ويضيف أن “كل ذلك وجدته في كتابات أميمة -وآخرين- التي استطاعت التميز في عصر الهواتف وتراجع مستوى نسبة القراءة، وتحويل إبداعاتها الشعرية التي حفظتها عن ظهر قلب إلى مشاهد درامية مؤثرة”.
جرأة حذرة
جرت العادة أن يستدعي الراشدُ الطفلَ الذي يسكنه وهو ينسج عوالم نص إبداعي، حسبما يوضح الشاعر والناقد ميفراني، فكيف يكتب “راشد” لـ”طفل” و”طفل” لـ”راشد”، ويؤثر الواحد في الثاني والعكس، يدهشه ويحرك مكامنه عن طريق الأدب؟
أميمة الصغيرة المبدعة لا تجرؤ على وصف ما تكتب من شعر وقصة ومسرحيات بالأدب، لأنها ما زالت في بداياتها، ترنو إلى أن تكون مثل درقاوي أو الطفلة المغربية عبير عزيم أصغر كاتبة عربية صاحبة رواية “شمس بحجم الكف” الحائزة على جوائز متعددة.
تقضي أميمة وقتها بين المنزل والمدرسة في قريتها أيت حدو بمنطقة تيديلي، وفي وقت فراغها تقصد المكتبة أو تخرج إلى الطبيعة، لتقرأ كتابا أو تنشد قصيدة. هو حوار مع الذات أو مع محيطها يشعرها بدفء لا يوصف، وفق تعبيرها، كما أن شغفها بالتأمل في أساليب القرآن الكريم والاطلاع على سير الأولين والآخرين يصقل موهبتها.
ويقول درقاوي، الذي وضع رسومات أول معجم مغربي للطفل، إن “كتابات أميمة مدهشة، فهي بالنسبة لي، بصفتي كاتبا ورساما، ملهمة لأفكار جديدة قابلة للتوظيف في مشاريع نصوص ورسومات جديدة”.
عوالم جديدة
تحضر أميمة ورشات الكتابة الشعرية بانتظام في دار الشعر بمراكش (إحداها نقلت قرب قريتها)، والتي يؤطرها ناقدون وشعراء متمرسون مثل الناقد عبد اللطيف السخيري، والشاعر مصطفى غلمان والكاتبة فاطمة الزهراء رواح، وهناك تسبر عوالم الشعر، وتقارن بين ما هو موجود وما يمكن أن يوجد.
يلاحظ ميفراني أن “تقنيات الكتابة الشعرية والصوت والإلقاء مبادئ أولية في أفق انفتاح أوسع على عوالم الكتابة الإبداعية”.
ويضيف أن “تنمية مهارات الكتابة الإبداعية وإخصاب الملكات التخييلية تنتج نصوصا إبداعية خلاقة وخصبة تسعى لأفق المستقبل خارج الوصاية.. أدبيا ومجتمعيا”.
أما درقاوي، فيشير إلى أن نهضة الأمم ونجاحها تبدأ من الطفولة تماما كما يبدأ البناء من الأساس، وكلما قرأ الطفل عددا كبيرا من القصص والقصائد الشعرية نضجت لديه موهبة الكتابة وصارت لديه خصوبة في الإبداع القصصي”.
تعب لذيذ
حين تنهي أميمة قصيدة أو خاطرة أو قصة تشعر بالتعب، لكنه تعب منهك ولذيذ في الوقت نفسه، وفق تعبيرها.
“عندما أقرأ ما أكتب يكون ذلك مشوقا، ومحفزا لي في الاستمرار في النهل من معين الثقافة الواسع”، تقول أميمة.
ويقول درقاوي، بعد أن يتمم حواره الشيق مع أميمة، إن “كتابة الكبار بروح الصغار ستبقى ممتعة لهما في الوقت نفسه، والبحث عن عوالم جديدة في تلك الكتابة سيبقى مستمرا بالرغم من وجود ملهيات”.
أما ميفراني فيشير إلى أن “ما يحدث بين الطفلة أميمة والكاتب درقاوي من نسج خيوط رفيعة، وتأثير متبادل بين عالمين، مثال لمحاولة تمثل عوالم الكتابة التخييلية في مراعاة لحدود ما تطرحه جماليات التلقي”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.