متابعات ينبوع العرفة:
داخل ورشته الطينية القديمة في فناء منزله بحي الطي على أطراف مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، يواظب العم ميساك بيدروسيان الأرمني الذي قارب التسعين من عمره على ممارسة مهنة الأجداد التي ورثها من عائلته منذ أربعة قرون ونصف.
يضرب العم ميساك برجله على دولاب تصنيع الفخار في مصنعه الطيني ذي السقف الخشبي المنخفض، وجدرانه المتهالكة وأرضيته الطينية التي تنبعث من فناياه عبق الماضي.
كما يمرر الأرمني المسن أصابعه على قطع الصلصال لتطويعها كما يحب، فتخرج من بين راحتيه تشكيلات فنية بأحجام مختلفة تبهر الألباب.
آخر فواخرجي في الجزيرة
ورث هذا الرجل المسن، تلك المهنة التراثية لأولاده وأحفاده، وهو من رواد صناعة الفخار والفواخرجي الأول والأخير في منطقة الجزيرة السورية.
كما يتقن أربعة لغات وهي لغته الأم الأرمنية، الكردية، العربية، والتركية، لكنه يفضل التحدث هو وعائلته كغالبية العائلات الأرمنية في شمال شرق سوريا باللغة الكردية.
أما عن مهنته هذه فقال في مقابلة مع العربية. نت:” “كنت أراقب والدي وجدي وأعمامي، وهم يصنعون أجود أنواع الأواني الفخارية في مدينة سوسان بتركيا قبل هجرتنا”.
إلى حلب!
وقص العم ميساك، رحلة هروب العائلة من مجازر العثمانيين في تركيا باتجاه سوريا، لينتهي بهم المطاف في القامشلي قائلًا: “وصل والدي إلى مدينة حلب ومنها انتقل إلى القامشلي، وفتح ورشته الصغيرة في حي قدوربك، وبعدها شدت العائلة الرحال إلى الأطراف الجنوبية للمدينة والتي باتت تعرف اليوم بحارة طي التي لم تكن موجودة قبل مايقرب الثمانين عامًا”.
كما أضاف قائلاً: “بنينا منزلنا منذ ذلك الوقت ولازال على حاله .. وبدأنا عملنا في المهنة و بمرور السنوات توافد الناس للسكن بقربنا حتى تحولت إلى حارة شعبية كبيرة كنا نحن المؤسسين الأوائل لها”.
دهس بالأرجل
أما عن مراحل تصنيع الفخار فأكد الرجل العجوز أنه يحرص بنفسه على انتقاء نوع التراب، ووضعه في أحواض خاصة معدة لذلك لأيام بعد غربلته ودهسه بالأقدام.
ثم يتولى أنطون ابن ميساك ذو الخمس والأربعين عامًا عملية العجن بالأرجل وبالطريقة البدائية، ويطري كميات كبيرة من الطين بالماء حتى تصبح جاهزة للتشكيل على دولاب التصنيع الذي يتناوب ميساك وابنه العمل عليه، وتصنيع التنانير الفخارية والمزهريات والحصالات وأواني المتة وطلبيات خاصة يرغبها بعض الزبائن.
بعدها يجهز الابن والوالد الفخاريات المصنعة لوضعها في فرنين، واحد منها داخل ورشة التصنيع خاص بالأواني الصغيرة، والثاني في فناء المنزل مخصص للقطع الكبيرة كالتنانير. فتبدأ مرحلة التجفيف بتعريضها للهواء، وبعدها شوائها في الفرن الطيني على درجة عالية تصل حرارتها لـ 1200 درجة قرابة 15 ساعة وتترك لتبرد وتجهز للبيع.
إقبال متدني
وعن إقبال الزبائن على شراء معروضاته، قفال: “الإقبال متدني بالمقارنة مع السنوات السابقة، وعملنا مرتبط بالطلبات الخاصة للزبائن، لكن في الآونة الأخيرة بتنا نتلقى طلبات من أصحاب المطاعم التي باتت تفضل طهي بعض الأطعمة في الأواني الفخارية وتقديمها لزبائنها، نظرًا للقيمة الصحية للطهي بالفخار”.
واستذكر العم الأرمني، مواسم البركة سابقًا-كما وصفها- وضغط العمل لساعات طويلة لتلبية عروض طلبيات أصحاب المشاتل، الذين كانوا يزرعون صنوف الورود والرياحين والشتلات المتنوعة من الزرع في أواني فخارية، وتأسف العم الارمني استبدالها اليوم بأكياس النايلون، و إقبال أصحاب المشاتل على استخدامها نظرًا لرخص أسعارها.
“سنورثها لأحفادنا”
تواصل عدة ورش في حلب ودمشق وإدلب والقامشلي صناعة الفخاريات في عموم سوريا، رغم ظروف الحرب التي عاشتها البلاد، ويحاول أصحابها حفظ مهنة الآباء والأجداد من الزوال، بالرغم من تدني اقتناء الفخار واستخدامه كما أوضح ميساك بيدروسيان في حديثه.
وختم قائلا “سنقاوم ونحافظ ونتمسك بتركة أسلافنا وسنورثها لأبنائنا وأحفادنا”.
الجدير بالذكر ان خبر “آخر فواخرجي في القامشلي.. مهنة رافقت عائلته 400 عام” تم اقتباسه والتعديل عليه من قبل فريق يبوع المعرفة والمصدر الأساسي هو المعني بصحة الخبر من عدمه.
وموقع ينبوع المعرفة يرحب بكم عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة كافة الأحداث والأخبار اول بأول.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.