14/5/2023–|آخر تحديث: 14/5/202312:39 PM (بتوقيت مكة المكرمة)
في عام 1948، سقطت أمة في امتحان قاسٍ أمام التاريخ، بعد أن كانت حتى قرون قريبة تخترق بثقافتها قارات العالم المختلفة، وتصيح جيوشها “الله أكبر” فتُسقِط ممالك وتخلع عروشا. لقد صارت الأمة العربية بحلول ذلك العام غير قادرة على حماية بقاعها المقدسة أمام مهاجرين مُحتلين وعصابات مسلحة، وليس أمام إمبراطورية عظمى أو جيوش قاهرة، وذلك بعد عقود من الرزوح تحت هيمنة الاستعمار الأوروبي. وبلغ العرب من الضعف أن اجتمعت جيوشهم في حرب على جماعة سُكانية لا يعادل عددها سكان عاصمة من عواصمها الكُبرى، فخسرت خسارة مُذلة وتشرَّد شعب من شعوبها بأكمله. لقد كانت حرب 1948 شهادة الإعلان الصارخ عن الوضع العربي المأساوي الجديد، وعن أمة باتت تحمل عار الهزيمة وفقدان الأرض والتخلف المادي، وهو عار سرعان ما تضاعف في العقود اللاحقة حتى توقيع اتفاقات “السلام” مع مَن هزمها أول مرة.
لم تُحَل حتى الآن الكثير من ألغاز حرب 1948، وكلما زاد التعمُّق في أحداث الحرب التي خاضتها الجيوش العربية في مواجهة العصابات الصهيونية على أرض فلسطين، ازدادت الأسئلة التي لا يوجد لها جواب شافٍ. وفي واقع الأمر، أتى أداء الجنود العرب في بعض المعارك مُستبسلا واستثنائيا إلى حدٍّ يجعلنا نطرح السؤال الآتي: هل خسر العرب لأسباب عسكرية حقا أم أن ثمَّة مؤامرة سياسية أفضت إلى الهزيمة؟ ويفرض ذلك السؤال نفسه لأننا لا نتحدث في عام 1948 عن إسرائيل المتطورة ماديا التي عرفناها طيلة العقود الماضية، بل نتحدث عن عصابات مسلحة لا تمتلك سلاحا متفوقا نوعيا على السلاح العربي، رغم ما حازته من دعم دولي. في هذا المقال سنحاول أن نعيد النظر من قرب إلى أسباب الهزيمة التاريخية في حرب 1948، التي تشكَّلت على آثارها أهم التحولات السياسية والاجتماعية داخل العالم العربي في السنوات اللاحقة.
خطط متخبِّطة وهيمنة بريطانية
“لن أعترف بأن خطأ كبيرا قد ارتُكب بحق الهنود الحمر في أميركا أو السود في أستراليا بإحلال عِرق أقوى وأعلى نوعية مكانهما”.
(ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا السابق)
شحذت الحرب وما حام حولها الكثير من النظريات والأساطير. ففي مصر ساد الحديث لعقود عن أن النظام الملكي أرسل الجيش بأسلحة فاسدة عن عَمْد، بينما شاع في العراق الحديث عن أن أحد القادة العسكريين في الميدان قال والحنق يملؤه: “ماكو أوامر”، بمعنى أن القيادة السياسية كبَّلت الجيوش عن القيام بدورها الصحيح لاستعادة أرض فلسطين. ولكن بعيدا عن تلك الروايات الشعبية التي تكشف لنا تصوُّرات الشعوب العربية عن جيوشها آنذاك، التي سنُفصل حقيقة بعضها في السطور القادمة، فإن هناك حقائق ثابتة تثير الدهشة بالفعل، منها مثلا العدد الضئيل للجنود على الجانب العربي، رغم أن عدد جالية المحتلين اليهود في فلسطين بلغ حينها نحو 650 ألف نسمة لا أكثر، في حين بلغ عدد سكان مصر وحدها نحو 19 مليون نسمة.
تمكَّنت الميليشيات الصهيونية من نشر ما لا يقل عن 29 ألف رجل على أقل تقدير مع انطلاق الحرب على خط القتال بتنظيم عالٍ، إذ كان جنودها قد اكتسبوا العديد من الخبرات في الحرب العالمية الثانية. ووفقا لمصادر عديدة، اقترب عدد المقاتلين الصهاينة من 70 ألف جندي، بل وزاد في الأيام العشرة الأخيرة من الحرب، ونحن نتحدث هنا عن المقاتلين وليس عن المُجنَّدين أصحاب المهام الجانبية مثل الطهاة. علاوة على ذلك، بلغ عدد أفراد المنظمات الصهيونية بحلول عام 1948 نحو 100 ألف شخص، بخلاف الوعاء العسكري الذي جنَّدت منه المنظمات الصهيونية أحيانا رجالها، وتكوَّن حينئذ من أكثر من مليون جندي جاهزين للقتال في أي وقت، منهم 600 ألف جندي يهودي خدموا في الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية، و500 ألف جندي حارب مع السوفييت، و70 ألفا مع الجيش البريطاني، و15 ألفا مع الجيش البولندي.
على مستوى تمويل العمليات العسكرية، ظهر بون شاسع بين التمويل السخي الذي حظيت به العصابات الصهيونية، والتمويل الشحيح للجيوش العربية. فقد أخذ مؤسس دولة الاحتلال “ديفيد بن غوريون”، وهو رئيس الوكالة اليهودية آنذاك، يُجهِّز لتجميع 500 مليون دولار من التبرعات للإعداد للحرب، وتدفقت عليه المساعدات بالفعل، لا سيَّما في لحظة أبدت فيها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية تعاطفا مع القضية اليهودية. في المقابل، بلغت الميزانية المُعتمَدة للجيش المصري بتاريخ 4 مايو/أيار 1948 15 مليون جنيه فقط لا غير، ولذا طلبت الحكومة المصرية اعتمادا إضافيا قدره 4 ملايين جنيه للتجهيز للحرب.
دخلت مصر الحرب في عام 1948 بعد مرور أكثر من ستين عاما على آخر الحروب التي خاضتها قبل الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1882، ولم تفلح إلا في تنظيم عشرة آلاف مقاتل أضافت إليهم فيما بعد نحو عشرة آلاف آخرين في حالة التعبئة القصوى. أما الأردن فأرسل 12 ألف مقاتل، في حين أرسل العراق 15 ألف مقاتل، ودخلت سوريا بـ5 آلاف مقاتل فقط، وقدَّمت المملكة العربية السعودية نحو 3000 مقاتل، وشارك لبنان بنحو 1000 مقاتل. وعلى صعيد السلاح، لم يكن المشهد أقل تخبُّطا وعشوائية، فرغم أن التقدم التكنولوجي لصالح إسرائيل لم يكن فارقا، أتى حجم التسليح والطريقة التي تسلَّحت بها الجيوش العربية هزيلة مقارنة بالتنظيم والتدريب على الجبهة الصهيونية.
لعل تسليح وتجهيز الجيش في مصر كان الأكثر تخبطا من بين الجيوش العربية، فرغم أن مصر كانت الأكثر تحمُّسا وجدية لاعتبارات جيوسياسية معروفة، والأكثر رغبة في الانتصار على الدولة الصهيونية الوليدة، فإن القرار نفسه اتُّخِذ متأخرا ولم يسمح بتنظيم الصفوف والموارد كما ينبغي. فقد دخلت مصر الحرب بعد يومين فقط من موافقة برلمانها على المشاركة، وجدير بالذكر هنا أن رئيس وزرائها “محمود فهمي النقراشي” كان لديه موقف متشائم من الحرب، ولم يعتقد أن الجيش المصري جاهز لاختبار عسكري حقيقي. وبتاريخ 13 مايو/أيار، شكَّلت الحكومة المصرية لجنة لمحاولة الحصول على أي سلاح ممكن بأقصى سرعة لسد النقص الكبير في السلاح والذخيرة.
من هنا ظهرت قصة الأسلحة الفاسدة التي ردَّدها الكثيرون بعد ذلك لعقود، وهي في الواقع ليست كما يتخيلها الناس. لقد عملت اللجنة في إطار وقت ضيق لم تتمكَّن فيه من تسليح جيش، ومن ثم قامت اللجنة بدورها في ظروف غير عادية، ما أدى أحيانا إلى شراء أسلحة باهظة الثمن وبعضها لم يكن مطابقا للمواصفات، خاصة أننا نتحدث عن فترة كان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فيها قد أصدر قرارا بحظر بيع الأسلحة للدول المتحاربة في فلسطين. ومن ثم كان بديهيا أن يؤدي اللجوء إلى القنوات الخلفية لشراء السلاح إلى بعض الأسلحة الغالية ورديئة الصنع، بخلاف تلاعبات مالية أخرى. وقد ظل الملك فاروق والنقراشي باشا يحاولون البحث عن الأسلحة حتى في أثناء الحرب نفسها بسبب النقص الشديد.
بالإضافة إلى ذلك، كانت القوة الرئيسية في الجيش المصري تحت قيادة اللواء النواوي قد كُلِّفت بالمجهود الحربي، لكنها لم تمتلك وسائل نقل للجنود، ولذا تم الاتفاق مع شركة سياحة على القيام بالمهمة، بل ولم تتوافر خرائط دقيقة لتسهيل حركة الجيش. الأمر الآخر أن أغلب الدول العربية دخلت الحرب بالأساس تحت الضغط الشعبي من الجماهير العربية، وهو ما ذكره تقرير من الخارجية الأميركية بتاريخ 14 مايو/أيار 1948، وتحديدا ضغط الحركة الطلابية الناشئة كما حدث في العراق. وقد تقاعست الأنظمة العربية بوضوح بعد قرار التقسيم الصادر من مجلس الأمن مباشرة، وبدا التردُّد سيد الموقف، إذ إن فكرة إرسال الجيوش إلى فلسطين لم تحظَ بالحماس الكافي على مستوى الحُكام. وحتى الملك فاروق الذي أبدى فيما بعد حماسة واضحة تجاه الحرب، كان بعد قرار التقسيم مُتشكِّكا في جدواها، ورأى أنها يُمكن أن تضر بالقضية الفلسطينية دوليا.
باختصار كانت بريطانيا هي مَن تحكَّم في تسليح العرب، ومنعت عنهم السلاح حين شاءت، حيث تلكأت في تسليم صفقة تسليح متفق عليها مع العراق قبل الحرب حتى صدور قرار حظر التسليح. وبالعودة إلى الجيش الأردني، الأفضل من ناحية التسليح والتدريب، كان هناك اقتناع سائد حتى في القاهرة أنه لو حدث انتصار في تلك الحرب فسيكون عبر بوابة الجيش الأردني، بل وكانت هناك اقتراحات في العواصم العربية بأن يدفع العرب للأردن أموالا تعوضه عن علاقته ببريطانيا مقابل أن يقوم الجيش الأردني بالمهمة على الوجه الأمثل. لكن الواقع أن الجيش الأردني المتطور مقارنة بأقرانه، الذي انتصر بالفعل على الصهاينة في معركة القدس، كان تحت قيادة رجل بريطاني هو “غلوب باشا”، الذي أسيل الكثير من الحبر حول قرارته المثيرة للجدل، وأهمها تغييره للخطة في اليوم الذي سبق الحرب مباشرة، وتهديده للجيوش العربية بالانسحاب الأردني إذا لم توافق على التغيير الذي طلبه. علاوة على ذلك، كانت بريطانيا أكبر المستفيدين من هزيمة العرب خاصة مصر، لما يوفره ذلك من ورقة ضغط تكبح مطالب الجلاء المصرية بحُجة أن الجيش المصري ليس جاهزا لحماية المواقع الإستراتيجية في البلاد.
صراع العروش يعرقل الجيوش
“القيادة المركزية للجيوش العربية في الحرب لم تُثبت سيطرتها، ولم تستطع فرض كلماتها على قادة الجيوش الذين لم ينصاعوا لأوامرها”.
(صالح صائب الجبوري، رئيس أركان الجيش العراقي)
يكاد يُجمِع المؤرخون الذين تعاملوا مع ملف الحرب على أن التنافس بين العروش العربية كان أحد الأسباب الرئيسية في الهزيمة. وبحسب “آفي شلايم”، المؤرخ الإسرائيلي البريطاني وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة أكسفورد، فإن القوة العربية التي واجهتها إسرائيل عام 1948 كانت من أكثر الجيوش فوضوية وانقساما وأقلها تنظيما على مدار التاريخ الحديث، ولم يكن لديها هدف ومشروع متفق عليه، بل كانت هناك مصالح متضاربة بين الدول العربية، حيث لكل بلد هدف مختلف عن الهدف المُعلن وهو تحرير فلسطين. ويرى “آرثر غولدشميت”، الأستاذ الفخري في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة بنسلفانيا، أن المنافسات بين العروش العربية غيَّرت مسار الحرب، فقبل الحرب احتدت المنافسة بين الملك عبد الله في الأردن مدعوما من العراق، والملك فاروق في مصر مدعوما من المملكة العربية السعودية، إذ سعى الملك فاروق لقيادة العالم العربي آنذاك.
ويقول أستاذ العلوم السياسية العراقي “أحمد عدنان الميالي” إن غياب التنسيق والتواصل بين الجيوش العربية كان سِمة أساسية من سمات حرب 1948، وربما يسعنا أن نذكر هنا النقراشي باشا رئيس وزراء مصر الذي غضب حين اجتمع مع القادة العرب في الأيام الأخيرة من الحرب التي عانى فيها الجيش المصري بشدة، وذلك لأنه رأى أن بقية العرب لم يساعدوا الجيش المصري المحاصر في الفالوجة، ولعله اعتقد أن عدم التدخل للمساعدة مقصود من بعضهم. وقد ردَّوا حينها على غضبه بغضب مماثل، قائلين إنهم لا يعرفون حقيقة وضع الجيش المصري وسط ضعف تنسيقي واضح؛ يرى فيه البعض جزءا من مشهد التخبط التنظيمي، ويرى فيه البعض الآخر شبهة مؤامرة تسبَّب فيها صراع العروش. يُضاف إلى ذلك أن الجيوش كانت تتحرَّك على الأرض بعكس ما هو موجود في الخطة، وفي السطور القادمة سنتناول بشكل أكبر كيف كانت قرارات بعض الجيوش العربية مثيرة للكثير من الدهشة والشكوك أيضا في نِيَّاتها.
يقول الجبوري، رئيس أركان الجيش العراقي بين عامي 1944-1951، وأحد أهم مَن كتبوا مذكراتهم حول حرب 1948، إنه حتى حين تدخَّلت القوات العربية فإن تدخُّلها أتى على عكس ما صرَّحت به من رغبة في تحرير فلسطين كاملة، وتحرَّكت ضمن حدود التقسيم الذي أقرَّه مجلس الأمن فقط. والواقع أن طبيعة القرارات العسكرية العربية التي اتخذت داخل الحرب تثير الكثير من الدهشة وربما الشك أيضا. والواقع أيضا أن مذكرات القادة العرب العسكريين في تلك الحرب تكاد تُجمِع على أمر واحد رغم اختلافها في التفاصيل: المؤامرة وخذلان وتردي الإدارة السياسية للحرب.
لنبدأ بالجيش الأردني الأفضل تجهيزا وتسليحا الذي كانت تنعقد عليه الآمال في الحرب. لقد شرح المؤرخ الإسرائيلي “بيني موريس” أن الأردن لم تكن إرادته السياسية أن يهاجم الدولة الصهيونية، وأن عمله تمَّ في إطار محدد رغم الهدف المعلن من تحرير فلسطين. وبالنظر إلى الفرق بين الأداء الأردني في فلسطين عموما والأداء الاستثنائي في القدس حين أمر الملك بحماية المدينة القديمة وأرسل القيادة العربية إليها، فإن ذلك يُضيء لنا بعض الأمور. فقد استطاع الجيش الأردني تحقيق انتصار تاريخي وأجبر الصهاينة على الاستسلام في القدس، ما فتح الباب للتساؤل عن سبب عدم تحقيق النجاحات نفسها على بقية الجبهات.
ثم هناك الجيش العراقي، الأفضل أداءً إلى حدٍّ كبير بين الجيوش العربية، فقد حقق انتصارا كبيرا في مدينة جنين بقيادة اللواء “عمر علي”، ولا نعرف إن كانت الأوامر قد أُعطيت لهذا القائد بالتوجه لجنين أم أنه توجَّه لتحريرها بقرار فردي، إذ إن الروايات الشعبية تحكي حتى اليوم أنه أخذ القرار بعد مشاهدته للعجائز والنساء الفارين من هناك الذين حكوا له ما حدث. وقد ظلَّ الجيش العراقي حتى عقد الهُدنة وانتهاء الحرب يؤدي على نحو ناجح مهامه الدفاعية في حماية المدن التي سيطر عليها.
وبحسب أحمد الميالي، فإن “الجيش العراقي لم يحظَ في الحرب بالدعم الكافي من حكومته بسبب التأثير البريطاني على البلاد آنذاك”. لقد أثارت خطة العراق داخل الحرب الكثير من علامات الاستفهام، إذ كانت أولى خطوات الجيش العراقي هي الهجوم على حصن “كيشر”، وبعد أن أخذ الجيش وقتا طويلا وفقد العديد من الشهداء هناك، جاءت الأوامر بعد نسف بوابة الحصن بتركه دون السيطرة عليه والتوجه إلى نابلس. ويشير “عامر حسك”، أحد قادة العراق العسكريين، إلى أن الانتقال نحو نابلس لم يكن مفهوما، فلم يكن هناك يهود محتلون من الأصل. وفي كتاب “حرب فلسطين.. إعادة كتابة تاريخ حرب 1948″، نجد أنه بينما رفض العراق وقف إطلاق النار ولم يُوقِّع على الهدنة التي أُعلنت نهاية الحرب، فإنه لم يطوِّر أي هجوم إستراتيجي ضد العصابات الصهيونية واكتفى بالدفاع، والمفارقة الأكبر أنه بدا عازما على سحب قواته وتسليم المناطق التي سيطر عليها للأردن بأقصى سرعة ممكنة.
في غضون ذلك، أتى واحد من أغرب القرارات العسكرية في تلك الحرب، وهو عقد الهُدنة الأولى مع العصابات الصهيونية التي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 11 يونيو/حزيران 1948، وهي الكارثة الكبرى في الحرب وفقا لصائب الجبوري، إذ بقبول الهدنة من الجيوش العربية تمكَّن الصهاينة من الوصول إلى أسلحة جديدة وتجهيز قوات بعدد أكبر، لا سيَّما أنهم كان لديهم نطاق أوسع من القوات يمكنهم إدخاله كما ذكرنا. ومن ثم عادت القوات الصهيونية بعد الهدنة أقوى بكثير، وانتصرت بشكل نهائي على القوات المصرية وجيش الإنقاذ المكون من المتطوعين.
وهنا نعود مرة أخرى إلى واقعة غضب النقراشي من القادة العرب أثناء الأيام العشرة الأخيرة من الحرب، التي ألحقت فيها القوات الصهيونية خسائر بالغة بالجيش المصري. إن ما حدث أثار الكثير من الريبة، فقد توجهت إسرائيل بأغلب قواتها لسحق القوات على الجبهة المصرية، وهو أمر غريب، إذ بدا وكأن إسرائيل تهاجم وهي مُطمئنة من ناحية الجبهات الأخرى، وهو ما يفسر غضب النقراشي وحزنه في اجتماعه مع القادة العرب الذي لم يقل فيه الكثير. ولعله شعر بأن الأمر لا يحتاج إلى مزيد توضيح، وأن ما جرى من ترك الجيش المصري يلاقي الهزيمة وحده أغرب من أن يكون مصادفة تحتاج إلى شرح.
—————————————————————————————————
المصادر
- The Myth of the “Few Against the Many” in 1948
- حلقه رقم (٢٠) 2005 10 27 محمد حسنين هيكل، الأيام العشرة الأخيرة من حرب فلسطين
- حرب 1948
- حلقه رقم (١٩) 2005 10 20 محمد حسنين هيكل، الصِدام حول فلسطين
- مصر أعدت بعد هزيمة 48 أضخم مشروع في تاريخها لإنتاج سلاحها محليا بموافقة بريطانية وأميركية- وثائق بريطانية
- أسباب هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل في حرب 1948 يكشفها عارف عبدالرزاق لأحمد منصور (2)
- “محنة فلسطين وأسرارها السياسية والعسكرية” وأسرار حرب 1948 | مذكرات صالح صائب الجبوري
- Why the Arabs were defeated
- خطط المعركة واعتراض غلوب.. ألغاز حرب 1948 وتفاصيل ما قبل النكبة│مذكرات قائد جبهة القدس عبد الله التل
- المقابلة – المؤرخ والأكاديمي الإسرائيلي المناهض للصهيونية آفي شلايم – الجزء الثاني
- Reconsidering the 1948 Arab-Israeli War
- the War for Palestine Rewriting the History of 1948
- التأريخ للهزيمة: مشاركة القوات العراقية في حرب عام 1947- 1949
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.