لا بد أنك صادفت طفلاً مهووسا بالديناصورات ولديه معرفة كبيرة بها ويحفظ أسماءها المعقدة وأشكالها ويجمع ألعابها بشكل مفرط. يعتبر الشغف بهذه الحيوانات المنقرضة قبل 65 مليون عام أمرا مثيرا للاهتمام، خاصة عند الأطفال.
قد يستمر هذا الهوس ويقود إلى مسار مهني واعد في علم الحفريات، وقد يختفي بمرور الوقت. وقد علق على ذلك آرثر لافين، رئيس لجنة الشؤون النفسية والاجتماعية للطفل والأسرة في أكاديمية طب الأطفال الأميركية لموقع “سي إن إن” (CNN)، قائلا “ينشأ لدى العديد من الأطفال هوس بالديناصورات في سن مبكرة، لكن لا يعني ذلك أنهم سيصبحون علماء مشهورين عالميا، فغالبا ما يندثر هذا الحب لاحقا”.
ويرجع هذا الهوس بالديناصورات إلى العديد من الأسباب؛ بعضها يتعلق بطبيعة مرور الأطفال بمراحل تعلق بأشياء معينة، وبعضها يتعلق بالديناصورات أنفسها. تعرف على أبرز هذه الأسباب.
1- تشكيل الذات
يمر الأطفال في عمر 3 إلى 4 أعوام بفترة من الاهتمام المفرط، حيث يصبون جل تركيزهم على موضوعات مثيرة لاهتمامهم، خاصة الموضوعات الخيالية التي من ضمنها الديناصورات.
وأوضح لافين أنه “عند عمر 18 شهرا إلى 3 سنوات تقريبا، يبدأ الصغار في تطوير إحساسهم بأنفسهم، ويحاولون اكتشاف العالم حولهم. وفي سن 3 أعوام، يتعمق إحساسهم بذاتهم ووجودهم في العالم، وهو ما يغذي شغفهم للمعرفة واكتشاف كل شيء حولهم، وصنع عالمهم الخاص الذي يملؤونه بما يثير اهتمامهم بشدة”.
وأفادت دراسة، قامت بها جامعتا إنديانا وويسكونسن، بأن الاهتمام المفرط عند الأطفال يساهم بشكل كبير في تنمية ذكائهم، وتطوير القدرات المعرفية والمثابرة، وتوسيع مدى اهتماماتهم، وتعزيز مهارات معالجة المعلومات.
2- غريزة الفضول والاكتشاف
يمكن أن ينبع هوس الأطفال بالديناصورات من غريزة الفضول والاكتشاف، فعندما يجدون شيئًا مثير للاهتمام، فقد يبدؤون بالتركيز عليه بشكل مفرط، وينطبق ذلك بشكل خاص على الأشياء الجديدة وغير المألوفة لهم والخارجة عن تجربتهم اليومية.
وتجذب الديناصورات انتباه الصغار بشكل كبير، فهي كائنات ضخمة ومثيرة للاهتمام وتثري خيالهم، وتبهر عقولهم أن هذه المخلوقات العملاقة عاشت ذات يوم في الأرض.
وأشارت عالمة الحفريات آشلي هول لصحيفة “ذا نيويورك تايمز” (The New York Times) الأميركية، إلى أن “الاهتمام بالمعرفة عن الديناصورات، بالنسبة للعديد من الأطفال، هو بوابة إلى المعرفة ويمكن أن يساهم في زيادة ذكاء الطفل”.
3- الرغبة في جذب الانتباه
يعزز تحصيل معلومات كثيرة عن موضوع ما ثقة الطفل بنفسه، إذ يتلقى المدح والثناء ممن حوله لقدرته على سرد معلومات جديدة، وجذب الانتباه، إلى جانب مشاركته هذه المعلومات مع الأطفال في عمره.
وأشارت المختصة بعلاج الأسرة إليزابيث شاتيل، لموقع “سي إن إن” (CNN)، إلى أن تدعيم الأسرة لاهتمامات الأطفال وتوجيه الانتباه لهم يزيد شغفهم وفضولهم.
وقالت “تعزيز اهتمام الطفل في المنزل، والتعليقات الإيجابية والثناء الذي يتلقاه بسبب تحصيله معلومات جديدة حول شغفه، يساهم في زيادة فضوله ورغبته في تعلم المزيد”.
4- القدرة على الإبهار
من أسباب ولع الأطفال بالديناصورات التي أوضحها عالم الحفريات الأميركي ستيفن لويس بروسات المتخصص في تشريح الديناصورات، لصحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times)، هي “قدرة الديناصورات على الإبهار”.
ورأى أن “أحجام الديناصورات الضخمة التي لا نعرف مثلها الآن، وتعدد أنواعها وأشكالها، وكونها بعد كل ذلك حقيقة وليست من وحي الخيال ويمكن رؤية حفرياتها في المتاحف، يجذب انتباه الأطفال لها ويثير فضولهم”.
5- الدعاية الضخمة
من جانبها، أشارت زانا كلاي المتخصصة في علم النفس التنموي للأطفال في جامعة دورهام، لـ”فايننشال تايمز”، إلى أن أحد العوامل المسببة لافتتان الأطفال بالديناصورات هو تسويق هذه الكائنات في العديد من الأعمال الفنية، واستخدامهم في الألعاب وطباعة صورهم على الملابس، والدعاية حولهم بشكل عام.
كما يتم تصوير الديناصورات على أنها كائنات ذات قوة هائلة وحجم فريد، وهو ما قد يفسر سبب اهتمام الأولاد بالديناصورات أكثر من الفتيات، كما توضح المختصة في علم النفس الإكلينيكي آنا سيموندز.
6- محاولة لتجنب الواقع
من الأسباب التي تدفع الأطفال للتشبث بشيء ما وتوجيه كل انتباههم له، هو محاولتهم إلهاء أنفسهم أو تجنب أشياء لا يحبونها أو مشاعر سلبية لا يقدرون على فهمها أو التعامل معها.
فعند توجيه تركيزهم الكامل لشيء ما، تختفي جميع الأشياء الأخرى من إدراكهم، مما يخفف من المشاعر السلبية التي لديهم.
7- بديل عن التواصل الحقيقي
بعض الأطفال الذين يجدون التفاعلات الاجتماعية مرهقة، قد يجدون الشغف وصبّ تركيزهم على شيء آخر بديل مريح وممتع لهم، فهو شكل من أشكال التفاعل دون الحاجة للتعامل مع البشر.
هل يستمر هذا الاهتمام مدى الحياة؟
يفقد معظم الأطفال الاهتمام بالديناصورات ويتلاشى عالمهم الخيالي في سن 5 أو 6 سنوات، ويحولون اهتمامهم أكثر إلى خلق واقع يحبونه ويستخدمون في ذلك المهارات التي تعلموها أثناء إنشاء واقع خيالي، كما أوضح لافين.
ويساهم أيضا تطور المهارات الاجتماعية والتعرف على أصدقاء حقيقين في تراجع الاهتمامات الخيالية، حيث يهتم الأطفال في سن 3 و4 سنوات بأنفسهم وأسرهم، لكن مع نموهم، يتطور اهتمامهم بالآخرين وكيفية التعايش معهم.
ولا يعني ذلك أن جميع الأطفال يتخلون عن اهتماماتهم الخيالية، فبعضهم يتمسك بعالمهم الخيالي ويستمرون في شغفهم وبحثهم.
شارك طفلك اهتمامه
وفقا “للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال” يساعد اللعب في تنمية قدرات الأطفال اللغوية والاجتماعية والمهارية والمعرفية بشكل كبير، كما يؤثر إيجابا على البالغين أيضا عندما يلعبون مع الصغار.
ولذلك توصي إيلي ليبوويتز، الأستاذة في مركز دراسة الطفل بكلية الطب في جامعة ييل الأميركية آباء الأطفال الذين لديهم اهتمامات كبيرة بموضوعات معينة أن يشجعوا اهتمام أطفالهم، ويساعدوهم لمعرفة المزيد وتعزيز شغفهم ورغبتهم في اللعب.
واقترحت على من لديهم أطفال مهتمون بالديناصورات أن يصطحبوهم لزيارة متاحف الديناصورات أو قراءة كتب ومشاهدة أعمال فنية عنهم.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.