بيروت- وسط انقسام وتساؤلات عن الدور الخارجي، يترقب لبنان الجلسة البرلمانية الثانية عشرة يوم 14 يونيو/حزيران الجاري؛ لانتخاب رئيس للجمهورية.
وتشهد البلاد انقساما بين المرشحين: زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي يدعمه ثنائي حزب الله وحركة أمل وحلفاؤهما، في مقابل الوزير الأسبق جهاد أزعور الذي تدعمه القوى المسيحية الرئيسية (القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر) مع الحزب التقدمي الاشتراكي وعدد من النواب المستقلين.
ورغم أن الجلسة قد لا تسفر عن انتخاب رئيس، فإن أهميتها تكمن فيما ستترجمه لعبة الأرقام على مستوى الاستقطاب السياسي والطائفي غير المسبوق، منذ شغور الكرسي الرئاسي قبل نحو 8 أشهر.
يأتي ذلك وسط تساؤلات عن دور القوى الإقليمية المؤثرة بالملف الرئاسي، ولا سيما أعضاء “اللجنة الخماسية” التي تضم كلا من أميركا وفرنسا وقطر ومصر والسعودية، بالإضافة إلى دور إيران والنظام السوري.
وهنا، تطرح الجزيرة نت 6 أسئلة للتعرف على دور ومواقف القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في المشهد السياسي اللبناني، خاصة ملف الانتخابات الرئاسية.
ما السيناريوهات المتوقعة لدور فرنسا وموقفها بعد تعيين لودريان؟
تجد الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بومنصف أن باريس تلقت ضربة معنوية بمبادرتها التي لم تنجح، وكانت تقوم على المقايضة التالية: انتخاب فرنجية رئيسا مدعوما من الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، مقابل تكليف الدبلوماسي سفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة نواف سلام رئيسا للحكومة، مع ترتيبات محاصصة حول الحقائب الوزارية والبنك المركزي ومراكز بمؤسسات الدولة، لم تعرف كامل تفاصيلها.
هذه المعادلة التي هندسها المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، أثارت -وفق روزانا بومنصف- غضبا واستياء قوى سياسية معادية لفرنجية، وتحديدا القوى المسيحية، فدعمت المرشح أزعور كرد فعل على موقف فرنسا الداعم لفرنجية.
وترى المحللة السياسية أن تكليف باريس لوزير الخارجية السابق جان إيف لودريان موفدا خاصا إلى لبنان، هي محاولة للملمة النكسة الفرنسية وعدم القبول بهزيمتها، متسائلة “هل سيحمل لودريان مبادرة جديدة لإعادة تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية اللبنانية بالملف الرئاسي؟ وهل تراجعت فرنسا خطوة إلى الوراء حين أعلنت -قبل تكليف لودريان- أنها لا تدعم أي مرشح للرئاسة؟”.
من جانبه، لا يعتقد الكاتب الصحافي والمحلل السياسي حسين أيوب أن ثمة تغيرا جوهريا في موقف فرنسا، ويجد تعيين لودريان رفعا لمنسوب الاهتمام، إذ “لا يمكن لباريس أن تقول: فرنجية، ونقطة على السطر”. ويرى أيوب أن لفرنسا حسابات كبيرة في لبنان، ويميل للقول إن “فرصة فرنجية الفرنسية تتراجع، وكلما خسر رافعتها صارت حظوظه بعيدة وضعيفة”.
بدوره، يرجّح الباحث السياسي توفيق شومان أن يعزز لودريان التواصل بين أطراف اللجنة الخماسية لتقريب وجهات النظر، انطلاقا من طبيعته التقليدية بمقاربة العلاقة مع دول الشرق الأوسط، وأن يتعاطى مع لبنان بواقعية توازناته وليس بمثالية، مستعبدا أن يحدث الدور الفرنسي أي تأثير قبل جلسة 14 يونيو/حزيران، معتبرا أن فرنسا قد تواصل اللعب بورقة فرنجية لكن بطريقة مختلفة.
هل لدى واشنطن مرشح ثالث؟
لا يعتقد حسين أيوب أن تكون واشنطن بوارد التورط بتسمية رئيس للجمهورية، حتى لا تتحمل المسؤولية إذا فشل أي رئيس جديد، وإن كان لديها حتما مرشحها المفضل، لكنها ترحب بأزعور وإن كانت لا تمانع بوصول فرنجية. مشيرا إلى قناعة واشنطن بأن أي رئيس ماروني لبناني سيكون حريصا على أفضل علاقة مع واشنطن، وعلى ضمان مصالحها في لبنان.
بينما ترى بومنصف أن واشنطن لا تتدخل في الملف الرئاسي، لأن أولوياتها الدولية كثيرة في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا، مضيفة “واستنادا للتجارب السابقة، تخشى واشنطن أن تدعم رئيسا ثم تقاطعه شريحة طائفية وسياسية بلبنان”.
وفيما ترى قوى لبنانية أن واشنطن ترغب في وصول قائد الجيش جوزيف عون لسدة الرئاسة، في ظل دعمها اللوجستي والمادي للجيش، تقول بومنصف إنهم لم يعبروا عن دعمه بصفة رسمية، مما يفتح باب التأويل، بل “قد ترى واشنطن في أزعور شخصا مناسبا، لمجيئه من مناخ صندوق النقد الدولي”.
في المقابل، يرى توفيق شومان أن دور واشنطن سلبي ومعرقل رغم ادعائها عدم التدخل، لأن الجميع يدرك أنه في حال مجيء رئيس لا يناسب التطلعات الأميركية، مثل فرنجية، فإنها “ستفرض حصارا مقنعا على عهده، كما فعلت بعهد ميشال عون، وستشرع سلاح العقوبات عند أي أزمة، كأداة للابتزاز”.
ما تطلعات وأولويات الدول الخليجية في الملف الرئاسي اللبناني؟
في قراءته لموقف دول الخليج العربي، يقول حسين أيوب إن دولتين خليجيتين معنيتين بالملف الرئاسي، هما: السعودية وقطر.
من جهتها، تقول بو منصف “طالما لم تعلن الدول الخليجية موقفا رسميا داعما لأي مرشح، وإن كانت لديها أفضليات ضمنية، فإن ذلك يعني أنها لا تدفع بمبادرات معينة، بل تفضل أن تتحمل القوى اللبنانية مسؤولية خياراتها”.
توازيا، يرى شومان أن الدول الخليجية المهتمة بالملف اللبناني تريد شخصية تحظى بتوافق حولها، دون تحديد كيفية تحقيق ذلك، مرجحا ميلهم لشخصية كقائد الجيش، وإن لم يعلنوا ذلك.
هل من تمايز ضمن مواقف الدول الأعضاء باللجنة الخماسية؟
يجد توفيق شومان أن التمايز لا يرقى لحالة الافتراق، رغم اختلاف المقاربات بين أطراف الخماسية، مرجّحا أن تخضع أرقام جلسة البرلمان لتحليلات محلية وإقليمية لبناء المواقف والتوجهات عليها.
وعند عقد أعضاء اللجنة الخماسية اجتماع باريس في فبراير/شباط الفائت، انعكست أجواء تناقضات وجهات النظر حول لبنان، بدليل أنهم لم يصدروا بيانا مشتركا، وفق بومنصف.
وتتوقع الكاتبة أن اجتماع اللجنة المرتقب ليس حتميا، متحدثة عن معطيات حول ميل أعضاء باللجنة حينها لذكر مواصفات الرئيس التي يحتاجها لبنان، لكن فرنسا اعترضت، لأن ذلك من شأنه إسقاط المعادلة التي سوقتها، حيث أولويات اللجنة هي: وفق أي معادلة سيتم انتخاب الرئيس راهنا، وكيف سيتعامل معنا لاحقا.
من جانبه، يجد أيوب أن ثمة تمايزا بين أطراف اللجنة، موضحا أن “الأكثر انخراطا بالملف اللبناني هي فرنسا، والأقل انخراطا هي الولايات المتحدة ومصر”.
وتحدث عن اتفاق ضمن الخماسية لتسريع انتخاب رئيس يحمل برنامجا إصلاحيا، معتبرا أن ثمة قناعة لديهم بوجوب اعتماد سلاح العقوبات إذا استمر التعطيل الرئاسي، “علما بأن المصريين لطالما قالوا إن هذا السلاح أثبت عدم فاعليته”، بحسب قوله.
موقف إيران من ترشيح حزب الله لفرنجية؟
ترى بو منصف أن إيران تترك لحزب الله مسألة حسم الملف، كما لا يخرج ترشيحه عن إطار استدراج الخصوم للتفاوض عبر رفع سقف المطالب لأعلى مستوى.
فيما يصرّ توفيق شومان على أن إيران لا تتدخل في الملف الرئاسي، “لكن إذا ذهب الصراع لمحاصرة حزب الله وفرض مرشح تحدٍّ عليه، فلن تقبل طهران بذلك”.
وهنا، يستطرد حسين أيوب بالقول إن إيران لا تتدخل فعلا ليس لأنها ضنينة على سيادة لبنان، بل ثمة “ثقة إيرانية بحزب الله وأمينه العام، وبالتالي لا تكتفي طهران بتبني موقفه من القضايا اللبنانية، بل تأخذ برأيه في قضايا إقليمية باعتباره حجر زاوية بمقارباتهم الإستراتيجية”.
أي دور يمكن لدمشق أن تلعبه بالملف الرئاسي؟
أحدث الانفتاح العربي على دمشق بعد حضور الأسد القمة العربية في السعودية، حالة ترقب لكيفية انعكاسه على لبنان الذي اختبر عقودا من السيطرة السورية على قراره السياسي.
ورغم أن روزانا بومنصف لا ترى أن لدمشق دورا في الملف الرئاسي راهنا، لكنها تقول إنه “لا ينفي طموحها باسترداد لبنان لحضنها، طالما أن حزب الله يقوم بواجب دعم فرنجية”.
من جانبه، يرجّح حسين أيوب أن تردد دمشق ما تردده طهران طوال سنوات الأزمة اللبنانية، بقولها “راجعوا الأمين العام لحزب الله”، معتقدا أن دمشق حريصة على استمرار التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وعدم تضرر علاقتهما بالملف الرئاسي.
وهنا، يعود توفيق شومان لزيارة الرئيس اللبناني السابق ميشال عون لدمشق باعتبارها جاءت متأخرة بعد الاستقطاب الرئاسي الذي دفع إليها، مضيفا “دمشق قد لا تنسى أن عون لم يزرها حين كان رئيسا، وربما ذهب لشرح الالتباسات التي دفعت فريقه لدعم أزعور بدل فرنجية”.
ويذكّر شومان أن سوريا تبقى أولوياتها دعم حزب الله لفرنجية، وهناك علاقة تربطها معه تعود لفرنجية الجد، متابعا “لا فرنجية ولا الأسد على استعداد للتفريط بالعلاقة المركبة سياسيا وشخصيا، وبالتالي فإن فوزه بالرئاسة، رغم تراجع حظوظه، قد يحدث تطبيعا استثنائيا بالعلاقة اللبنانية السورية بعد سنوات من القطيعة، وهو ما يطمح إليه الأسد الذي يسعى لتحقيق مكاسب بتوسيع أطر الانفتاح العربي عليه”.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.