إسطنبول- أظهرت النتائج الرسمية الأولية فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة، ليصبح معها الرئيس الذي يحكم البلاد أطول مدة في تاريخ الجمهورية، بعد جولة انتخابية اتسمت بالتنافس الشديد وعدم اليقين إلا بعدما تجاوزت نسبة الأصوات المفروزة 90%.
وبعد فرز أكثر من 99% من صناديق الاقتراع في عموم البلاد، حصل أردوغان على 27.4 مليون صوت (52.11%)، فيما حصل منافسه مرشح تحالف الأمة المعارض كمال كليجدار أوغلو على نحو 25.2 مليون صوت (47.89%)، بعدما أدلى أكثر من 52.5 مليون مواطن تركي بصوته في صناديق الاقتراع، إذ بلغت نسبة الإقبال على الصناديق نحو 84%.
واتسمت نتائج الجولة الانتخابية التي جرت اليوم بملامح ذات أهمية خاصة، بعضها ثابت والآخر جديد، مقارنة بانتخابات 14 مايو/أيار الجاري، لكنها أدت بمجموعها إلى تحقيق أردوغان فوزًا تاريخيًا على منافسه.
كثافة المشاركة
تعدّ نسبة الإقبال على التصويت بين الأتراك من الأعلى في العالم، فهي تتراوح منذ عقود ما بين 75% و90%، وبينما بلغت نسبة التصويت في انتخابات 14 مايو/أيار نحو 88%، فقد سجلت انخفاضًا طفيفًا في جولة الإعادة مع 84%.
ولا يزال هذا المعدل مرتفعا، إلا أنه يعكس -بحسب مراقبين- تراخيًا من قبل شريحة من الناخبين في كلا طرفي المنافسة، تأثرا بنتائج الجولة الأولى التي أظهرت تقدمًا مريحًا للرئيس أردوغان على منافسه كليجدار أوغلو بفارق 4.5 نقاط، وأيضًا أدت إلى فوز تحالف الجمهور الحاكم بغالبية المقاعد البرلمانية، وهو ما ولد نوعًا من الثقة لدى أنصار الحكومة، واليأس لدى أنصار المعارضة.
لكن، وللمفارقة، شكلت أصوات الناخبين الأتراك في الخارج مفاجأة، إذ شهدت في جولة الإعادة إقبالًا أعلى من الأولى، إذا صوت أكثر من 1.9 مليون ناخب في مقرات البعثات الدبلوماسية في الخارج، وتجاوزت نسبة الإقبال على الانتخابات 56%، مقابل 54% في الجولة الأولى.
مناطق الزلزال
وشكلت ولاية هاتاي جنوب البلاد إحدى أبرز ملامح نتائج اليوم، إذ منحت أصواتها بالتساوي تقريبًا للمرشحين المتنافسين، فيما حاز أردوغان فيها أفضلية بسيطة بـ50.13%، وهي نتيجة مقاربة للتي أسفرت عنها الجولة الأولى، مع تقدم طفيف لكليجدار أوغلو، علمًا بأن هاتاي تعدّ من أكثر الولايات التركية تضررًا من زلزال 6 فبراير/شباط الماضي.
أما بقية الولايات المتأثرة بالزلزال، والتي منحت غالبية أصواتها لأردوغان في جولة 14 مايو/أيار الجاري، فلم يحدث تغيير في ولائها الانتخابي، لكنها سجلت زيادة في عدد الأصوات التي حصل عليها الرئيس التركي بالآلاف. فمثلا، بعدما حصل أردوغان في الجولة الأولى على 453 ألفا من أصواتها، تمكّن من زيادة هذا الرقم إلى 469 ألفًا.
أما في شانلي أورفه، فبينما تراجعت أصوات كليجدار أوغلو من 352 ألفًا إلى 330 ألفًا، زادت أصوات أردوغان من 606 آلاف إلى 610 آلاف صوت.
أما في الولايات المتأثرة بالزلزال التي صوتت لصالح كليجدار أوغلو في الجولة الأولى، فقد سجلت تراجعًا في الإقبال على التصويت بشكل عام، بالتوازي مع تراجع عدد الأصوات التي حصل عليها الأخير فيها. فحتى في ولاية ديار بكر ذات الأغلبية الكردية، تراجعت نسبة الإقبال على الانتخابات من 81.7% إلى 75.9%، ومنحت مرشح المعارضة 610 آلاف صوت، نزولًا من 651 ألفًا، بينما زادت أصوات أردوغان بشكل طفيف بنحو 3 آلاف صوت.
وكانت بلدية تكيرداغ التابعة لحزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه كليجدار أوغلو، اتخذت قرارا بإيقاف برنامج إيواء المتضررين النازحين من مناطق الزلزال، فيما يشبه العقوبة الجماعية، إثر الإعلان عن نتائج الجولة الأولى للانتخابات، والتي أظهرت أن غالبية أهالي مناطق الزلزال صوتت لصالح أردوغان، مما أثار سخطًا في وسائل التواصل الاجتماعي.
مناطق الأكراد
وكما جرى في ديار بكر، إحدى أكبر 6 ولايات تركية، وأكبر الولايات التي تضمّ غالبية كردية، أظهرت معظم هذه الولايات تراجعًا في نسب الإقبال على صناديق الاقتراع، توازيًا مع تراجع نسبي في عدد الأصوات التي منحتها لمرشح المعارضة، الذي ظل على الرغم من ذلك متصدرًا نتائجها.
ففي ولاية فان على سبيل المثال، تراجعت نسبة المشاركة من 78% إلى 72%، كما تراجع عدد الأصوات التي حصل عليها كليجدار أوغلو من 334 ألفا إلى 308 آلاف صوت، في حين حافظ أردوغان على عدد الأصوات التي حصل عليها وزادت بشكل طفيف من 191 ألفا إلى 193 ألفا.
وشكلت ولاية تونجلي، التي ينحدر منها مرشح المعارضة، استثناء من هذا الاتجاه العام، حيث حافظت على نسبة المشاركة بـ87%، وزادت عدد الأصوات التي منحتها لكليجدار أوغلو بشكل طفيف من 45 ألفًا إلى نحو 47 ألف صوت.
وأغضب مرشح المعارضة ومرشح حزب الشعوب الديمقراطية الكردي القواعد الكردية للحزب بعد تحالفه مع زعيم حزب الظفر القومي المتشدد أوميت أوزداغ، وتبنى كليجدار أوغلو في الوقت نفسه خطابا قوميًا أكثر صرامة، مما دفع حزب الشعوب إلى انتقاد هذا التحالف علنًا مع التمسك بدعم مرشح المعارضة في مواجهة أردوغان.
الولايات الكبرى
وأسفرت نتائج جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التركية عن خريطة شبيهة جدًا بتلك التي رسمتها نتائج الجولة الأولى، باستثناء ولاية هاتاي التي مالت لصالح أردوغان بعدما كانت ضمن الولايات التي صوتت لكليجدار أوغلو.
لكن الملاحظة الأهم في هذه الخريطة هي استمرار دعم 6 من أصل أكبر 7 محافظات لمرشح المعارضة، ولا سيما إسطنبول والعاصمة أنقرة.
ففي إسطنبول التي تراجعت فيها نسبة المشاركة بشكل طفيف من 90.5% إلى 87.6%، منحت كليجدار أوغلو ما يقترب من 200 ألف صوت زيادة على تلك التي حصل عليها في الجولة الأولى، أي 5.1 ملايين صوت، فيما حافظ الرئيس التركي على عدد الأصوات التي حصل عليها مع زيادة طفيفة بمقدار 20 ألف صوت.
وسارت العاصمة التركية على خطى إسطنبول، إذ تراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات من 91% إلى 88%، ومنحت مرشح المعارضة نحو 100 ألف صوت زيادة على ما حصل عليه في الجولة الأولى، فيما زاد أردوغان بدوره عدد أصواته بمقدار 45 ألف صوت.
وكان حزب العدالة والتنمية قد فقد رئاسة بلدية إسطنبول وأنقرة لصالح مرشحي حزب الشعب الجمهوري في انتخابات 2019 المحلية بفارق طفيف، قبل أن تقرر الهيئة العليا للانتخابات إعادة الاقتراع في إسطنبول، مما أسفر عن إحراز أكرم إمام أوغلو -من حزب الشعب الجمهوري- فوزًا أرسخ ضد مرشح العدالة والتنمية بن علي يلدرم، واضعًا بذلك حدًا لأكثر من 25 عامًا من هيمنة الحزب على رئاسة بلدية المدينة.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.