3 ملايين أرملة مصرية بانتظار إصلاح قوانين “المجلس الحسبي” | مرأة


القاهرة – “لجأنا إلى إخفاء بعض الأصول لتأمين حرية التصرف لأمي وعدم التعلق بالحبال الطويلة للمجلس الحسبي”، بهذه الكلمات يصف الشاب عادل أحمد بعض معاناة والدته الأرملة الساعية على أموال أبنائها طوال 13 عاما في أروقة المجلس، بالتزامن مع جدل واسع في مصر أحدثه المسلسل الرمضاني “تحت الوصاية” الذي أدى إلى تجدد مطالب حقوقية نسوية بضرورة تغيير القانون وإحالة الوصاية المالية للأم مباشرة من دون اللجوء إلى الجد.

ويُطلق على المجلس الحسبي، أيضا، اسم “النيابة الحسبية”. ويختص بالإشراف على أموال القاصرين تحت رئاسة النائب العام المصري، ويعمل وفق القانون رقم 119 لعام 1952 الخاص بأحكام الولاية على المال.

ويصل عدد الأسر في مصر إلى 25.5 مليون أسرة، بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يصل فيها عدد الأرامل إلى نحو 3 ملايين أرملة، في حين ارتفعت نسبة العاملات منهن إلى 90.7% عام 2020، مقابل 86% عام 2017.

معاناة لا تتوقف

يقول عادل أحمد، وهو اسم مستعار بناء على طلبه، للجزيرة نت، إنه كي يتمكّن من شراء جهاز “لابتوب”، بحث المجلس الحسبي في الأمر خلال شهرين بهدف إصدار قرار بناء على إحضاره مستندات تؤكد حاجته إليه، وهو ما تكرر معه ومع أخواته طوال فترات الدراسة، وخصوصا مع مصروف الجامعة، إلى أن تخلص من ذلك بوصوله وبعض أخوته إلى السن القانونية المقدرة في مصر بـ21 عاما، الأمر الذي مكّنه وأمه من حرية التصرّف بعض الشيء، في حين بقي بعض أشقائه تحت وصاية المجلس.

ويشرح أحمد أن والدته أخذت الوصاية منذ اللحظة الأولى لوفاة والده، بعد التوافق حول ذلك في عائلة والده، في ظل وفاة جده أيضا. ولكن ما زالت معاناة والدته مستمرة منذ 13 سنة بشأن التصرف بأحد منازل الميراث الواقع تحت وصاية المجلس الحسبي، ولا يمكن التصرف به حتى بلوغ بقية أشقائه السن القانونية.

ولجأت والدة أحمد، بالاتفاق مع عائلة زوجها المتوفي، إلى إخفاء بعض الأصول في بداية الأمر، “حتى تستطيع أن تصرف علينا من دون حاجة إلى أحد، وبعيدا من الانتظار الطويل في قوائم المجلس الحسبي”، مشيرا إلى أن ذلك من أصعب المواقف التي تتعرض لها الأسر في تعاملاتها، لذلك لا بد من وضع حلول لها، وفق تعبيره.

وتزامنا مع الجدل الذي أثاره مسلسل “تحت الوصاية” خلال شهر رمضان هذا العام، ارتفعت أصوات نسائية في مصر مطالبة بضرورة إصلاح القوانين والإجراءات التي تحكم عمل “المجلس الحسبي” في البلاد.

من هؤلاء مدربة الحياة الشهيرة سارة سيف، التي تشكو من واقع تعاملاتها مما وصفته بـ”البيروقراطية” التي تعرقل ضبط الإجراءات الخاصة بالمجلس. لكنها تدافع عن الأخير، مؤكدة أنه في مصلحة الأبناء.

وترى سيف، في تدوينة على حسابها على “فيسبوك”، أن القانون يحتاج فقط إلى تعديل يسمح بالتقسيم الإجباري للتركة، بمجرد طلب الأم، لوقف المعاناة التي تجدها الأمهات مع أهالي أزواجهن الراحلين.

تطوير المجلس وتفعيل القانون

مر “المجلس الحسبى” بمراحل عدة في مصر، بدأت استنادا إلى أمرٍ عالٍ (قانون) صدر في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 1896، لضبط الولاية على المال. ثم صدر القانون رقم 5 لعام 1911 بتشكيل مجلس حسبي عالٍ، أعقبه تعديلات صدرت في 1918 و1922 و1925 و1947، إلى أن صدر قانون رقم 119 لعام 1952 بأحكام الولاية على المال، وهو القانون الساري حتى تاريخه، ويمنح الوصاية المالية بعد وفاة الأب للجد مباشرة.

وبحسب دار الإفتاء المصرية، فإن المقرر شرعا للولاية على النفس والمال هو الجد عند عدم وجود الأب أو من له الوصاية من جهة القضاء.

ويرى المحامي بالنقض والمتخصص في قضايا الأسرة محمد محمود أن “المجلس الحسبي” هو أحد الأدوات القضائية المهمة لصون حقوق الأيتام في مصر، ويقوم بدوره بنسبة نجاح تقارب 75% من معايير الإنجاز.

لكن تكمن مشكلته، بحسب الخبير القانوني، في “ازدحام النيابة الحسبية بالطلبات، مما يتطلب زيادة عدد الموظفين وتقسيم النيابات بهدف تيسير أمور الناس، مع تبسيط الإجراءات في البيع والشراء بالاستفادة من إجراءات المكننة الرقمية بغية تسريع عمل النيابات في إنجاز القضايا العالقة”، وفق محمود.

ويوضح محمود، في حديثه للجزيرة نت، أن الأمهات الأرامل يعانين بشدة بسبب بطء الإجراءات وتعنّت بعض الأسر، ولكن القانون أتاح للأم تقديم شكوى مباشرة للنيابة التي من حقها إحالة المقصّر إلى المحاكمة الجنائية.

ويقول رئيس محكمة الاستئناف السابق المستشار محمد سليمان إن القوانين لا يجوز تعديلها بما يخالف الدستور، معتبرا أن “المطالبة بوضع الأم كأولوية في الوصاية على أبنائها القاصرين وحجب الجد غير جائزة دستوريا، لتعارضها مع الشريعة الإسلامية”.

وطالب القاضي السابق، في حديثه للجزيرة نت، بتعيين مزيد من المتخصصين في النيابة الحسبية لعلاج الشكاوى الخالية، مؤكدا أن قضاء الأسرة في مصر يتحمّل عدم قيام جهات أخرى بدورها في التنشئة والتوعية والتأسيس الصحيح للبيت.

جدل مجتمعي يلزمه حوار

وجددت المحامية ومديرة “مركز المصري لحقوق المرأة” نهاد أبو القمصان، وحقوقيات نسويات في مصر، الدعوة إلى تعديل القانون الحالي، بعد مرور أكثر من 70 عاما على وضعه، مع ضرورة وضع الأمهات الأرامل في أولوية الوصاية المالية قبل الجد، وفق حملة تدوينات رائجة في الأيام الأخيرة على موقع “فيسبوك”.

 

الدعوة لفتح حوار مجتمعي حقيقي  

في المقابل، يرى عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومدير “أكاديمية بسمة للسعادة الزوجية” محمود القلعاوي، في حديث للجزيرة نت، أن منح الوصاية المالية للجد قبل الأم ليس انتقاصا لدورها في ظل قيامها بأعباء كبيرة في التربية والرعاية، وإشراف جهات قضائية على الأمر كله، مؤكدا أن مثل تلك الأزمات تأتي لغياب القيم الدينية ورداءة العلاقات الأسرية خلافا للشرع.

كما يدعو المحامي والحقوقي علاء عبد المنصف، عبر للجزيرة نت، إلى فتح حوار مجتمعي موسّع وحقيقي حول القضايا الأسرية، ومنها الوصاية المالية، يطرح فيه الجميع كل الآراء للخروج بحلول مناسبة، في ظل وجود فجوة كبيرة في أمور الأسرة بين الجهاز القضائي والجهات الدينية من جهة، وبين الأطراف الحقوقية النسوية المعنية بالمرأة من جهة أخرى.


اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Previous post يقف ما يقرب من 70٪ من ناخبي الحزب الجمهوري وراء ترامب وسط تحقيقات ووجهات اتهام
Next post ميسي يعود إلى برشلونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading