في مقال له بصحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية يقدم الخبير الفرنسي المختص بالشؤون الروسية جوليان فيركويل تقييما لمغامرة “أمير الحرب” الروسي يفغيني بريغوجين نحو موسكو والتي أذهلت العالم، موضحا أن فشل زعيم مليشيا فاغنر لا يعني أن تمرده لن تكون له عواقب وخيمة على الرئيس فلاديمير بوتين.
وحتى يُفتح المجال للوصول إلى الأرشيف ويُتمكن من الاطلاع على التفاصيل الحقيقية للأحداث التي شهدتها روسيا خلال 23 و24 يونيو/حزيران 2023 لفك خيوط مغامرة بريغوجين المجنونة، ثمة 5 دروس يقول الخبير إنها يمكن أن تستخلص من هذه الواقعة.
أولا: من الواضح أن بريغوجين لم يعمل، قبل الإقدام على مقامرته، على حشد الدعم السياسي اللازم في مثل هذا العمل، وبعد أن وصل إلى 200 كيلومتر من العاصمة الروسية أدرك أنه لم يعد بإمكانه الذهاب إلى أبعد من ذلك دون المخاطرة بحدوث كارثة نهائية، مما يعني أن فشل بريغوجين كان سياسيا في المقام الأول.
ومع ذلك، لم يواجه بريغوجين وقواته مقاومة حقيقية على الأرض، فقد تقدمت قافلة فاغر دون اشتباكات تذكر، مما يدل -حسب الخبير الفرنسي- على عدم اكتراث السكان والسلطات المحلية بما يحدث، بل ثمة معلومات تقول إن فرقة من الجيش النظامي الروسي أعلنت ولاءها لفاغنر خلال نهار ذلك اليوم.
ثانيا: لقد مثلت هذه الحادثة إذلالا لبوتين أمام شعبه ومرؤوسيه وحلفائه وأعدائه على حد سواء، وهي أسوأ إهانة إلى شخصه. فقد تمكن طابور عسكري -هدفه صراحة إزالته من الحكم- من قطع مسافة 800 كيلومتر نحو موسكو مما يعني أن بوتين واهن بشكل صارخ.
ثالثا: من المؤكد أن تأثير هذه المقامرة على وضع الجيش الروسي لم يكن فوريًا، لكنه ليس ضئيلًا كذلك -وفقا للخبير الفرنسي- صحيح أن الموارد العسكرية لم يتم تحويلها من الجبهة الأوكرانية لحماية موسكو، لكن على طول 24 ساعة، خيم نوع من الشك على التسلسل القيادي العسكري بأكمله، فالقائد العسكري الروسي الوحيد الذي يمكن أن يدعي نجاحًا حقيقيًا في أوكرانيا تمرد وتحدى قيادتهم علانية، واصفا القادة بأنهم فاسدون وعلى غير كفاءة، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير نفسي سيئ على الضباط وضباط الصف الذين يدركون أن ما حدث سيرفع من معنويات الجنود الأوكرانيين.
رابعا: تمخض هذا الأمر عن نوع من حفظ ماء الوجه الشكلي سمح لرئيس جمهورية بيلاروسيا (ألكسندر لوكاشينكو) بالظهور ولو لمرة واحدة كرجل قوي، الوقت الحالي. وعلى النقيض من ذلك، فإن الحدث سلط الضوء على تحفظ رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف الذي طلبت منه المساعدة مثل نظيره البيلاروسي، لكنه آثر الابتعاد عن الخوض فيما حدث.
خامسا: يبدو أن النواة الصلبة للاتحاد الاقتصادي الأوراسي قد تصدعت بشكل علني، فلئن كانت وساطة لوكاشينكو قد أنقذت حياة بريغوجين وحالت دون حدوث حمام دم روسي، فإن اللجوء إلى الحليف البيلاروسي المرهق والمصاب بجنون العظمة سيكون له تكلفة دبلوماسية على بوتين، وفقا للخبير الفرنسي.
أما بالنسبة للتكلفة السياسية لهذا التمرد، فهي -حسب الخبير- ملموسة بالفعل، وكبيرة بالنسبة لبوتين الذي أصبح ينظر إليه على أنه رئيس دولة منقسمة على نفسها قد تزعزعت للتو بوصلتها.
اكتشاف المزيد من ينبوع المعرفة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.